أجمع مشاركون في ندوة علمية أقيمت بالرباط على أن واقع الإعلام الديني المغربي لا يواكب تطورات العصر المتعلقة بمجال الإعلام والاتصال خاصة في ما يتعلق ب«الغزو» القادم من المشرق المتعلق بالفضائيات العربية المتخصصة في الشأن الديني، مما يجعل الإعلام الديني المغربي في أمس الحاجة إلى إعادة تنظيم لهياكله ومنحه الوسائل الكفيلة، بما في ذلك الانفتاح أكثر على الكفاءات الوطنية في المجال الديني لجعله قادرا على المنافسة ومنع تسرب الأفكار الدخيلة إلى المجتمع. واعتبر الكاتب الصحافي منتصر حمادة، الذي كان يتحدث، مساء يوم الاثنين الماضي، في الندوة العلمية الأولى لمجلة «الإحياء» التي تشرف عليها الرابطة المحمدية للعلماء، أن الزمن الذي نعيشه اليوم هو «زمن أسئلة بامتياز» حول الإعلام، في ظل وجود تيارين متصارعين، حيث في الوقت الذي يؤكد فيه الأول على أن الإسلام هو الحل، يأبى الموقف الثاني إلا أن ينزع عن القرآن والإسلام عموما قداستهما، في سياق البحث عن أجوبة الأسئلة المطروحة على المجتمعات الإسلامية، مؤكدا على أن الإسلام أكبر من أن يُختزل في حركة إسلامية، أو حزب إسلامي وأسمى من أن تُروّج ضده أطروحات نزع القداسة عن القرآن. وأضاف حمادة، في الندوة التي نظمت حول موضوع «من أجل إعلام ديني مغربي رائد، الواقع والرهانات والتحديات»، أنه من أجل كشف النقاب عن «بعض الأعطاب البنيوية» التي تميز الإعلام الديني، لا بد من طرح أسئلة من قبيل ما معنى أن تكون وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، باعتبارها المعنية الأبرز بتدبير الشأن الديني، آخر من يعلم بصدور جريدة شيعية بالمغرب تحمل اسم «رؤى معاصرة»؟ وكيف نفسر عدم صدور أي مجلة معرفية عن الوزارة الوصية عن الشأن الديني وعن باقي المؤسسات الدينية (مجلات وجرائد ومواقع إلكترونية وغيرها)، مع استثناء مجلة «إحياء» الفصلية الصادرة عن الرابطة المحمدية للعلماء؟ ولماذا التزم إعلام المؤسسات الدينية الصمت إزاء «نداء الحريات الفردية» الشهير الذي حررته بعض الأقلام الإعلامية على هامش ضجة «زواج الشواذ» بمدينة القصر الكبير؟ ليخلص المتدخل إلى أنه لولا وجود هذه الأعطاب لما تحدث المتتبعون عن «تواضع أداء إعلامنا الديني»، في القوت الذي يضم فيه المغرب طاقات شابة واعدة تدافع عن المرجعية الهوياتية الدينية للمغاربة. واعتبر الأمين العام للرابطة المحمدية أحمد عبادي، في تصريح ل«المساء»، أن من شأن مثل هذه الندوات أن تقدم اجتهادا يخدم المشهد الإعلامي عموما والديني تحديدا إلى جانب باقي الفعاليات الأخرى، انطلاقا من كون إعلامنا يتوفر على كل مقومات الريادة. في سياق ذلك، أشار الباحث والصحافي في يومية «المساء»، إدريس الكنبوري، إلى أن المغرب لا يتوفر على «تقليد» في مجال الإعلام الديني الذي يعاني خصاصا ملحوظا، بعكس ما هو موجود في بلدان المشرق العربي التي تعرف طفرة في هذا الصدد، مضيفا في ذات السياق أنه في الوقت الذي يعرف العالم تسارعا في الأحداث وشيوع ما يعرف بظاهرة الإرهاب، نجد المحاولات المغربية في الإعلام الديني ما تزال تتلمس خطواتها الأولى، ومؤكدا على أن ذلك يفرض علينا إعادة تطارح مسألة الإعلام الديني لاسيما في الوقت الذي يطرح فيه المغرب إعادة هيكلة الحقل الديني، وهو ما «لا يثير أي قلق» بعكس ما كان سائدا قبل أحداث الدارالبيضاء. وأشار الكنبوري إلى أن معظم القنوات العربية الدينية هي ذات طابع وعظي، في الوقت الذي يعتبر فيه الإعلام مسألة تقنية وصناعة تحتاج إلى مختصين، أي إعلاميين، وليس بالضرورة أن تكون لكل واعظ إمكانيات الصحافي القادر على إيصال خطابه إلى المتلقي، الذي يجد نفسه أمام عدد من القنوات المتكررة والتي تعيد نفسها، دون الرقي إلى مستوى القدرة على إعطاء مادة إعلامية متكاملة تتحرر من صفة الوعظ المهيمنة. وفي مداخلاتهم أثناء الندوة، أكد صحافيون ومقدمو برامج دينية في الإعلام السمعي الرسمي على «ضعف» الإمكانيات المرصودة لهذه البرامج، التي تعاني أيضا من «تهميش» بَيّن، ضاربين كمثال على ذلك ببعض البرامج الدينية في القناة الثانية التي تتم برمجتها في الواحدة والنصف صباحا، رغم أن البرنامج يحقق نسب مشاهدة مرتفعة، في الوقت الذي يفسح فيه المجال للمسلسلات المدبلجة لكي تبث في أوقات الذروة، داعين إلى ضرورة الاهتمام أكثر بالطاقات والكفاءات الوطنية القادرة على تقديم مادة إعلامية دينية في مستوى تطلعات المجتمع ومتطلباته.