لما كانت البيعة بين النبي صلى الله عليه وسلم، وبين الأنصار ليلة العقبة، قال الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه (يا رسول الله: اشترط لربك ولنفسك ما شئت ) فقال صلى الله عليه وسلم: (اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم ). قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال: الجنة، قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم) التوبة الآية .111 ومن المعلوم أن الآية التي بين أيدينا إن كان سبب نزولها بيعة العقبة فإنها تشمل كل مسلم ومسلمة إذ الدخول في الإسلام عقد بيع، الله عز وجل فيه هو المشتري والمسلم هو البائع. تلك بيعة انعقدت بين العبد وربه لا يبقى للمؤمن فيها شيء في نفسه ولا ماله يحجبه عن التضحية في سبيل الله تعالى، فقد باع العبد بمقتضى هذا العقد نفسه وماله مقابل ثمن معلوم هو الجنة، ثمن لا تعدله السلعة، لكنه فضل منه عز وجل ومنة، إنها جنة عرضها السماوات والأرض تعدل كل ما في الدنيا، والجنة دار الخلود لا يذوقون فيها الموت وهي دار النعيم المقيم لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا، ينالها العبد مقابل أن يسترخص ماله ونفسه في سبيل الله. فهل يا عباد الله تعدل السلعة المباعة ما أعده الله تعالى مقابلها من ثمن عظيم؟ أو ليس ذلك منة من الله وفضل كبير؟ إن الحياة والمال الذي نبيعه هالك يوما ما لا محالة، فإن أدركنا السوق وبعنا أنقذنا حياتنا وأنفسنا وأموالنا من الخسران المبين، وإلا خسرنا ما نملك، فالسوق قائمة والمشتري موجود حي لا يموت، فما رأيك فيمن رفض هذا البيع وحكم على نفسه وماله بالخسران؟ أليس فاقدا للعقل السليم، والفكر الرشيد، والرأي السديد؟ وما رأيك أخي في الله في هذه الصفقة الرابحة؟ أوليس المشتري ربا كريما هو الذي وهب الحياة والمال، ثم أراد أن يشتريهما؟ حقا لقد ربح البيع وأدرك فضله المؤمنون السابقون الأولون ، فعضوا على هذه الصفقة بالنواجذ ، وقالوا : لا نقيل ولا نستقيل فسمع الله مقالتهم وعلم صدق نياتهم ، وقد بايعهم فأغلى ثمنهم ، وأراد أن يبشرهم بنجاح الصفقة ، وأنه تبارك وتعالى قبلها وأجازها، فقال جل جلاله (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم ). فهل بايعنا الله حقا؟ وهل عملنا على إنجاح هذا البيع ووفينا بهذا العهد حتى نستحق هذه المبايعة؟