لا يبدو أن جورج بوش سييأس من إمكانية فك نحسه حتى اليوم الأخير من أيامه في البيت الأبيض، وفيما يعلم الجميع أن هذه المنطقة كانت سبب النحس، فإن من الطبيعي أن تحظى بزياراته بين فينة وأخرى، ونتذكر انه كان هنا قبل أقل اسبوع. يعلم الجميع أن السبب الرئيس الذي دفع وما زال يدفع بوش إلى التورط في دهاليز المنطقة وتجاهل التحديات الكبرى التي تواجه الولاياتالمتحدة خلال الألفية الجديدة، يتمثل في دعم الدولة العبرية، وإلا فأي منطق يقف خلف ترك الصعود الصيني والروسي والهندي الذي يهدد نفوذ الولاياتالمتحدة، مقابل التورط في منطقة ليس فيها منافس حقيقي، أقله خلال عقود طويلة من الآن؟! لا قيمة للحديث عن النفط كسبب للتورط، فهو ابتداء لم يكن بعيدا عن متناول الولاياتالمتحدة، بل إن الكثير من وارداته كانت تعود إلى موازنة الولاياتالمتحدة عبر صفقات سلاح يعلم الجميع الدوافع الكامنة خلفها. ثم ما الذي جرى للنفط بعد تدخلات السيد بوش في المنطقة، ألم يرتفع سعره من نحو 20 دولاراً للبرميل إلى أكثر من 125؟! كلمة السر في تورط بوش في المنطقة هي إسرائيل، وهنا يبرز الجانب العقائدي في شخصية الرجل، ذلك الذي ورطه في العراق لحساب المطالب الإسرائيلية، والذي دفعه إلى منح شارون وعده الشهير في نيسان عام 2004 وهو ذاته الذي يدفعه الآن إلى محاولة إنجاز اتفاق تسوية مفصل على مقاس المصالح الإسرائيلية، فضلاً عن التعامل مع القضايا الأخرى التي تعنيها، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني. حدث ذلك بعد أن تدين الرجل على طريقة الكنائس المعمدانية الجنوبية التي تؤمن بأن دعم إسرائيل هو الطريق إلى عودة المسيح المخلص الذي لن يأتي قبل عودة اليهود إلى فلسطين واندلاع معركة هرمجدون، وصولاً إلى تنصر جزء من اليهود وإبادة من تبقى منهم. بالطبع كان المحافظون الجدد يسوقون المعركة على نحو مختلف، وبالطبع عبر الحديث عن قرن إمبراطوري أمريكي جديد يبدأ بالسيطرة على العراق ونفطه ومن ثم الهيمنة على المنطقة، إلى جانب استخدام أفغانستان كمنصة للسيطرة على منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين، لكن أصل القصة في واقع الحال يتعلق بفشل مشروع أوسلو والحاجة إلى احتلال العراق لإعادة تشكيل المنطقة على مقاس التسوية والمصالح الإسرائيلية. هذا البعد هو ذاته الذي دفع إلى زيارة جورج بوش السابقة للمنطقة، وهو ذاته الذي يقف خلف الزيارة الأخيرة التي جاءت تحت لافتة المشاركة في احتفالات الدولة العبرية بعيدها الستين، والتي كشف بوش خلالها عن رؤاه العقائدية، الأمر الذي تجلى في خطابه التوراتي الذي ألقاه أمام الكنيست الصهيوني. لا يتعلق الأمر باحتفال كبير يهدف إلى منح المجتمع الصهيوني بعض الطمأنينة، هو الذي يعيش هواجس التهديد الوجودي، بل يتعلق أيضاً بسعي بوش إلى التعامل مع الهواجس الإسرائيلية الأخرى، وعلى رأسها ملف التسوية، إضافة إلى الملف النووي الإيراني. وفي حين وعد الإسرائيليين بأن أعداءهم سيختفون واحداً تلو الآخر، من حماس إلى حزب الله، ثم إيران، فقد تعامل في جولته مع ملف إيران من خلال تحريض العرب عليها (السعودية ومصر)، فيما تعامل مع حماس وحزب الله بالتحريض عليهما كذلك تحريض المصريين على حماس وفريق الموالاة في لبنان، وربما السعودية على حزب الله. لم ينس بالطبع ملف التسوية التي يأمل الإسرائيليون بإنجازها، لاسيما إيهود أولمرت الذي سيفقد من دونها مبرر وجوده، هذا إذا نجا من تحقيقات الفساد التي تجرى معه، وهنا عاد الرجل إلى الحديث عن ثقته بإنجاز اتفاق قبل نهاية العام. والحال أن كل الذي يقال حول الخلافات بين طرفي التفاوض لا يغير من واقع أن اتفاقاً ما زال برسم الإنجاز قبل نهاية العام، أكان نهائيا تحت سقف وعد بوش لشارون، أم كان مجرد اتفاق إطار أو تأكيدا على المضي في برنامج خريطة الطريق الذي سيفضي بدوره إلى الدولة المؤقتة التي هي ذاتها مشروع شارون الذي أسس من أجله حزب كاديما. وفيما يبدو أن مصر والسعودية قد تحفظتا على الاتفاق الفلسطيني، فقد جاء الضغط عليهما من خلال قصة الديمقراطية والإصلاح، الأمر الذي افرز ردة فعل مصرية قوية عليه. في الجولة أيضاً تابع بوش ملفات تدخل في ذات سياق البحث عن إنجاز يخرجه من هاجس تسجيله كأسوأ رئيس في تاريخ بلاده، بسبب فشله السياسي والعسكري، وكذلك الاقتصادي، هو الذي تسلم من سلفه دولة في قمة ازدهارها الاقتصادي، إضافة إلى الأمل بمساعدة حزبه في الانتخابات. من بين تلك الملفات الملف العراقي والضغط من أجل مواقف عربية تساعد حكومة المالكي وتبشر بالاستقرار وخروج القوات الأمريكية إلى قواعد عسكرية، فضلاً عن ملف النفط وصفقات السلاح ذات العلاقة بالاقتصاد الأميركي. بقي القول إن عودة بوش إلى المنطقة مرة أخرى لا تبدو مستبعدة، لكن الأكيد أن نحسه لن يفك بحال، حتى لو أنجز صفقته المأمولة، تلك التي لن تصمد أمام جبهة المقاومة والممانعة التي تبدو في وضع جيد في المنطقة.