سبق الدكتور فريد الأنصاري كل من الدكتور جاسم سلطان والدكتور النفيسي إلى الدعوة إلى حل التنظيمات الحركية وتعميم الحالة القطرية على العالم الإسلامي على اعتبار أن الحركة الإسلامية بحكم تماهيها على مفردات العمل السياسي فقدت هويتها الدعوية، وأصابها ما أصاب التنظيمات السياسية من آفات، كيف تنظرون إلى شعار العودة إلى الفطرية في العمل الإسلامي ونبذ مسلكية خلق الإطارات السياسية والنقابية التابعة للحركة الإسلامية؟ بداية نسأل الله تعالى أن يعجل بشفاء أخينا الدكتور فريد الأنصاري شفاء لا يغادر سقما وأغتنم هذه الفرصة لأوجه نداءا ملحا للمسؤولين من أجل العناية اللائقة بمقام هذا العالم الجليل في هذه الظروف الصحية الصعبة التي يمر بها. أما بخصوص التنظيم في الحقل الحركي الإسلامي فهو عين الفطرة التي تـأبى الفوضى والعشوائية مما جعل المسألة التنظيمية تعرف تطورا مهما في فكر وممارسة الحركة الإسلامية ضمن تفاعل ايجابي مع محيطها وبحسب مراحل تطورها. ويمكن القول بأن مختلف التجارب أبانت عن صوابية اعتماد فلسفة التخصص حسب مجالات العمل الحركي مع ضرورة الحرص على التوازن فيما بينها تفاديا لما قد يحصل من تضخم في مجال على حساب المجالات الأخرى. إن الأداة التنظيمية التي تعتمدها الحركة الإسلامية تدخل ضمن وسائل العمل التي تخضع للتطوير والتجديد، ففي الوقت الذي ننتقد فيه كل أشكال التعصب المذموم لهذه الإطارات على حساب جوهر العمل الإسلامي الدعوي التربوي الرامي للمساهمة في إقامة الدين بشموليته، فانه لا ينبغي أن يكون ذلك بأي حال من الأحوال مبررا للدعوة لحل هذه التنظيمات الحركية أو التنكر لجهودها المعتبرة على درب النهضة الحضارية للأمة الإسلامية. كما أنه يجب التنويه بالمستوى العام من المصداقية والنزاهة ونظافة اليد التي تميز الغالبية العظمى من أبناء الحركة الإسلامية في المنشط السياسي والحزبي، وبالمقابل فما ظهر أو قد يظهر من آفات واختلالات يجب التصدي لها والتحصين منها دون تهويل ولا تهوين. تعلل أطروحة حل التنظيمات الإسلامية بكون الحركة الإسلامية بفعل انخراطها في الأطر التنظيمية المتعارف عليها تحولت من مشروع ديني تجديدي إلى مجرد مشروع مدني لا يرتبط بالدين إلا قليلا، كيف تنظر إلى هذا التعليل؟ إن الأطر التنظيمية وعاء وأداة لتصريف مشروع الحركة الإسلامية أو غيرها من الحركات المجتمعية ولا يتصور من الناحية المنهجية أن يكون اقتباسها أو الانخراط فيها سببا في التغيير من هوية الحركة الإسلامية أو من طبيعتها التجديدية. ؤلقد اهتدى العقل البشري لضرورة تنظيم الجهود والأعمال في مختلف مجالات الحياة، فالمقاولة تنظيم للمنشط الاقتصادي، والحزب تنظيم للمنشط السياسي، والجمعية تنظيم للمنشط المدني وهكذا... فالموضوع التنظيمي يدخل ضمن الكسب البشري الذي ينبغي للعمل الإسلامي أن يستفيد منه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا كانت المشاريع المناوئة للإسلام ولأمته تعتمد أكثر من أي وقت مضى على التنظيم والتخطيط، فان جهود المصلحين الفرادى لا يمكن أن ترقى أو أن تكون بديلا عن الجهد الجماعي المنظم وفق خطط وبرامج تسعى المؤسسات - وليس الأفراد فقط - للعمل على تحقيقها وانجازها ضمن إطار جماعي مؤسساتي منظم في زمن تستحيل فيه الموسوعية والفهم في كل المناشط والمجالات بنفس العمق والإدراك. إن العمل ضمن الأطر التنظيمية المتعارف عليها ضرورة واقعية للجمع بين شمولية المقاربة الإسلامية وواجب الإتقان والتخصص في تنزيلها على الواقع حسب مجالات العمل المختلفة. إن مجال اشتغال الحركة الإسلامية هو المجتمع أساسا فالأمة هي الأصل (كما يقول الدكتور أحمد الريسوني) وانخراط بعض أبناء الحركة الإسلامية في العمل السياسي هو اشتغال مدني يخضع للخطأ والصواب في التقدير ضمن القواعد التي تحكم هذا المجال وهذا لا يتناقض مع الطبيعة الإسلامية للعمل الحركي. يرى دعاة حل التنظيات الحزبية الإسلامية أن الحركة الإسلامية في ممارستها للعمل السياسي تنافس الخصوم السياسيين في مغانمهم ومناصبهم وتدخل معهم في منافسات انتخابية ضيقة أو تحالفات سياسية خاسرة، وتخسر في رهان مخاطبة السياسيين بكلمات الله بعمقها الغيبي الأخروي، كيف تنظر إلى هذا الطرح؟ صحيح أنه يجب تجنب بعض أشكال المنافسات الانتخابوية الضيقة التي يغيب فيها العدل مع الخصوم السياسيين، ولكن على العموم فالتنافس يكون على أساس البرامج وليس من أجل المناصب والمغانم وهو ما يجعل الحركة الإسلامية تنتقل من مجرد الشعارات والمبادئ العامة إلى مرحلة تقديم البدائل والحلول الممكنة لقضايا الوطن والمواطن.أما بخصوص التحالف السياسي فيكون على أساس المتفق عليه من البرامج والمشاريع ضمن إطار التعاون على الخير مع الغير لأن التحديات التي تواجهها مختلف البلدان الإسلامية لا يمكن للحركة الإسلامية أن تدعي أنها قادرة على معالجتها لوحدها دون جهود الآخرين.كما إن العمل السياسي الراشد للحركة الإسلامية يحتاج لمخاطبة الفرقاء السياسيين وعموم أفراد المجتمع بمنطق الحجة في التحليل السياسي وحجة المنطق في تدبير الشأن العام. دون أن يعني هذا التقليل من أهمية التذكير بقضايا الغيب والآخرة وضرورة الخطاب الوعظي الذي يكون مجاله الأساسي منابر الوعظ بدل ساحات التدافع السياسي.