أثارت التعيينات والتنقيلات الأخيرة التي همت الولاة والعمال الكثير من ردود الفعل في الأوساط السياسية والإعلامية. فهناك من عزا الأمر الى حركية عادية تشهدها الإدارة الترابية. وهناك من يفسر الأمر بالسعي الملكي الى إدماج دماء جديدة بغية تنزيل أولويات المعالجة الإجتماعية للعديد من القضايا، لا سيما محاربة الفقر والتهميش والسكن العشوائي، إلا أن مجيء التعيينات مباشرة بعد طرح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يكسب هذه التعيينات أهمية كبرى بالإضافة إلى نوعيتها و شموليتها. ويدعو إلى التساؤل عن مغزي من هذه التعيينات في هذا الظرف بالذات وعن علاقتها بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟ ثم موقع انتخابات 2007 من هذه الحركية التي عرفتها أم الوزارات بالمغرب؟ إن موقع الولاة والعمال في الهرم المؤسساتي المغربي يجعل التساؤلات السالفة مشروعة، ذلك أن العامل هو الممثل الأسمى للسلطة المركزية في الحيز الجغرافي الذي يشغل فيه المسؤولية. ومع التغييرات التي أدخلت معطى الجهوية وفق دستور 1996 أصبح العامل أو الوالي المنسق الفعلي لكل المبادرات والأنشطة التي تحصل في دائرة الإقليم أو الجهة التي يمارس فيها مهامه. لذلك فأي رهان للسلطة المركزية على الأصعدة المحلية والجهوية لابد أن يمر عبر العمال والولاة. إن المقاربة التي يتبناها العهد الجديد ترتكز على مقاربة القرب، أي السعي للنزول الى مواقع الخصاص ثم الإنصات الى المقصيين والمهمشين، من أجل إنتاج حلول أكثر واقعية، وبالتالي أكثر فعالية لذلك فإنه من المنطقي بعد طرح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وأجرأتها أن يتم تحديد الطاقم البشري لتنفيذ الخطة. ذلك أن المبادرة الوطنية تحاول أن تستند على المعطيات الموضوعية للإشكالية الإجتماعية واعتماد خيار الإنفتاح من أجل تحقيق التنمية الفعالة والمستديمة. كما أن تجسيد المبادرة يبتغي أولا التصدي للعجز الإجتماعي في 360 جماعة قروية الأشد خصاصة و 250 من الأحياء الحضرية الفقيرة. وثانيا تشجيع الأنشطة المتيحة للدخل القار والموفرة فرص الشغل. ثالثا الإستجابة للحاجيات الضرورية للأشخاص في وضعية صعبة. لذلك هذه المعطيات تعطي للقرار بعضا من مبرراته. قيل أيضا كلام عن تعيين بعض الولاة، وعن مغزى ذلك خاصة عندما يتعلق الأمر بمن كانوا يشغلون مواقع قريبة من دائرة القرار. والراجح أن الأمر لا يدخل في خانة الإبعاد، بقدر ما يرتبط بالرهانات المرتبطة بالتعيينات ذاتها، ذلك أن جهتي الدارالبيضاء بما تمثله من ثقل سكاني واقتصادي ، وكذلك جهة مكناس تافيلالت بما تمثله من تنوع ثقافي وسياسي قد يجعل الحاجة ملحة الى رجالات قريبة من دوائر القرار السياسي لإنتاج مقاربات تدبيرية بديلة. أما عن علاقة التعيينات الجديدة بانتخابات 2007 فيمكن القول أن هذه الإنتخابات بما أنها ستشكل منعطفا حقيقيا في تاريخ المغرب، فإن مختلف المبادرات السابقة تدخل في عملية تهيئة المناخ الإجتماعي لإجراء تلك الإستحقاقات. فإذا كان من المنتظر أن يضبط قانون الأحزاب الذي لم يخرج بعد، الشق السياسي للتهيئ لإنتخابات 2007 ، فإن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ستمثل الذراع الإجتماعي للإنتخابات المقبلة. ما يلاحظه المتتبع للشأن السياسي المغربي في هذا السياق هو غياب الفاعلين الآخرين عن المبادرة. كما أن مشروع قانون الأحزاب السياسية لم يتم بعد التداول في شأنه داخل البرلمان. وإذا كانت تعيينات العمال والولاة الحالية تدخل في إطار شمولي يبتغي التحضير لمغرب ما بعد 2007 فالسؤال الذي يبقى مطروحا على أهميته هو: هل اختار المغرب فعلا السكة الصحيحة لبناء مجتمعه الحديث، وتحقيق التنمية المستديمة؟ ثم بأي فاعلين نرجو كمجتمع تحقيق تلك القفزة المرجوة؟ علي الباهي