محمد تناني وجه من وجوه المعاناة بمدينة الدارالبيضاء التي كادت أن تصبح سوداء من كثرة البلاوي التي توالت عليها، وآخر هذه البلاوي ما حبلت به وسائل الإعلام هذا الأسبوع، من حريق معمل المفروشات بحي ليساسفة إلى حادثة السير المفجعة بسيدي مومن التي أخرجت جنينا من بطن أمه قبل الأوان، مرورا بحريق التشارك محمد التناني والد أحد ضحايا حريق معمل روزامور بحي ليساسفة (رشيد تناني 36 سنة)، زارته التجديد ببيته الكائن بحي النسيم بالدارالبيضاء، لتجد أن محرقة ليساسفة أيقظت لديه ذكرى حادثة تعرض لها سنة 1999 وأردته مشلول اليدين والعنق، يبكي أمام المعزين كالطفل الصغير، يؤثر في من يراه ولو كان قاسي القلب، لأن بكاء الرجال علامة ضعف، فما بال المرء إذا زيد على البكاء شلل وقلة ذات اليد. رشيد الذي خفف من وطأة مرض الوالد وبدأ عجلة الإنتاج ليعيل أسرته الصغيرة والكبيرة، رحل عن الدنيا ليعود الوالدان إلى نقطة البداية، حيث المعاناة وارتفاع تكاليف العيش. محمد تناني من مواليد 1944 بنواحي الصويرة التحق بالبيضاء سنة ,1967 وبدأ يعمل حمالا للسلع بأسواق البيضاء، دراجته النارية رافقت دربه في السعي وراء لقمة العيش إلى أن أكمل نصف دينه المتبقي وتزوج بمليكة النصيص (من مواليد 1953) بنت البلاد وبدآ يتعاونان على مصاريف العيش في تكامل، هي تعمل مساعدة بالبيوت وهو يعمل حمالا للسلع يتقاسمان كسب الرزق كما يتقاسمان أكله ورزقا بخمسة أبناء تعاونا على تربيتهم وتوفير احتياجاتهم على قدر مستطاعهم. فيضان كان محمد التناني وأسرته قبل سكنه بحي النسيم يقطن بدرب السلطان قرب قيسارية الحفاري يكترون بيتا بمبلغ 130 درهما إلى أن وقع فيضان التسعينات ويتم نقلهم للسكن ثلاث سنوات بمدرسة النابغة. قالت زوجة محمد تناني: إنها أيام عصيبة كنا نسكن ثلاثة أسر في قسم واحد لا الأسرة عن الأخرى إلا الأغطية، وذاك كان شأن كثير من الأسر التي تم توزيعها على عدة مدارس إلى حين توفير السكن. حادثة كان محمد تناني وأسرته يسكنان بالقسم المعلوم ويتحملون ضيق المكان وحرجه، إلى أن جاءت الحادثة التي ستزيد الطين بلة، وتزيد الأسرة تعبا وشقاء. قال تناني إنه كان يحمل سلعة فوق دراجته النارية الخاصة بنقل البضائع وارتأى أن يعدل من تصفيف السلع كي لا تصيب أحد المارة، فإذا به يسقط على ظهره. كانت الإصابة بليغة والأثر أبلغ، فقد أصيب محمد تناني بشلل على مستوى اليدين والعنق بسبب إصابة جزء من عموده الفقري. ومع المدة بدأت حركة رجليه تتباطأ، ويتلعثم في كلامه. الحمد لله أن رجليه ما تزال تتحركان، فقد أخبرنا الطبيب أنه مع المدة سيصاب في شلل على مستوى رجليه أيضا، هكذا قالت زوجته مليكة التي لا تكاد تكف عن البكاء. لم أدر حتى وجدت نفسي مغمى علي قالها محمد تناني بصعوبة في الكلام ممزوجة بدموع حرى يذرفها بين الحين والآخر. نصحه الطبيب بتناول الأدوية والخضوع للترويض الطبي، وتابعوا شراء الأدوية إلا أن مصاريف الترويض الطبي لم تستطع الأسرة توفيرها إلا مدة أربعة أشهر. فقد كان محمد تناني يعمل الترويض مرتين في الأسبوع بـ 120 درهما. وتم تغيير مكان الترويض لعين الشق، وهو ما زاد عليهم مصاريف التنقل مضافة إلى مصاريف الترويض التي زادت على الحد الأول. أما العملية الجراحية التي كان عليه أن يجريها فمصاريفها تقدر بالملايين، فكيف بمن عجز عن توفير مصاريف الترويض الطبي أن يوفر ثمن العملية الجراحية؟ لقد كان هو المعيل وأصبح معاقا، فكيف أستطيع أنا توفير لوازم العلاج ولقمة عيش الأبناء هكذا تساءلت زوجة محمد تناني. وكانت الحادثة سببا في مغادرة الأبناء للمدرسة قبل استكمال دراستهم. وكانت الزوجة تعمل في البيوت مساعدة، إلى أن بدأ ابنها الكبير يعمل فبدأت الأزمة تخف. نسيم بحي النسيم بدأت نسائم الفرج تلوح في أفق أسرة محمد تناني، فقد استفادوا من سكن دفعوا في البداية مبلغ 12 ألف درهم وبقوا يؤدون الأقساط الشهرية التي ما تزال الآن لم تكتمل وقدرت زوجة تناني الباقي في عشرة ملايين سنتيم. يبلغ ثمن القسط الشهري 820 درهم مضافة إليها فاتورات الماء والكهرباء ويجب دفعها قبل اليوم الخامس من كل شهر. لقد بدأ الأبناء يكبرون وأصبح رشيد تناني رحمه الله يساهم في مصاريف البيت واستطاعت الأم أن تغادر العمل بالبيوت، وقالت في حقه: كان ابني رشيد رحمه الله يعيننا على أداء الأقساط رغم أنه مسؤول عن زوجته وابنه اللذان يسكنان معنا بالبيت، لكن الآن فقدنا المعيل، فكيف سنؤدي هذه الأقساط وكيف سنتدبر أمور أرملته وابنه. إن موته فاجعة بالنسبة لنا. كان مسكينا مواظبا على صلاته ويؤدي واجباته العملية والأسرية إلى أن جاء الحريق المعلوم بحي ليساسفة يوم السبت الأخير من شهر أبريل كما الأخير من عمر ابني رشيد. لقد كان مضحيا حتى في آخر لحظة من حياته إذ يحكي لنا صديقه الذي نجا من حريق معمل المفروشات أنهما بمعية آخرين استطاعا أن ينقذا 19 فردا لكن الاختناق أدى إلى وفاته. إحياء لقد أحيى موت رشيد تناني جرحا غائرا في قلب أسرته وخاصة والده محمد تناني الذي كان بكاؤه أكثر من كلامه. وأحيى جرح أمه التي ظنت أنها وضعت حملا ثقيلا في تربية الأبناء لتجد نفسها أمام حفيد لا حول له ولا قوة. إنها مأساة أسره ومأساة شعب يعاني فيه الكثيرون مع لقمة العيش .