هذا حسب تحليل لكبير صحفيي الاستطلاعات بالقسم الدولي ليومية لوفيغارو الباريسية رينو جيرار الذي نشره في مقال بالجريدة المذكورة يوم 22 فبراير7002. يقول: منذ أن أمر الرئيس الأمريكي جورج بوش بإرسال مجموعة جديدة من البحرية الأمريكية إلى منطقة الخليج، والشائعات تنتشر وتتضخم في واشنطن حول إمكانية أن توجه الولاياتالمتحدةالأمريكية ضربات جوية لإيران بهدف تدمير قدراتها النووية. والندوة الصحفية التي عقدها بوش القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية يوم 41 فبراير المنصرم لم تزد الشائعات إلا انتشارا: فبوش قد عبر في تلك الندوة عن تدمره من كون إيران قد أرسلت إلى العراق بمتفجرات تم استعمالها ضد جنود أمريكيين واستبعد بالمناسبة كل حوار مباشر بين واشنطنوطهران. وقد استنتج العديد من الملاحظين من ذلك أن الرئيس الأمريكي كان يبحث عن افتعال صراع مسلح مع إيران؛ الدولة التي تُصنف ضمن اللائحة الشهيرة لمحور الشر الذي كشف عنه يوش نفسه للعالم في خطابه أمام الكونغريس يوم92 يناير2002. وهناك العديد من المحللين الذين يؤكدون هذه الأطروحة مؤكدين أن الرئيس الأمريكي يحتاج بكل لهفة لأن يترك للتاريخ ولو نجاحا واحدا لسياسته الخارجية، يعوض به عن فشله الكارثي في العراق، وعن الغياب التام لأي حل لقضية فلسطين، وكذلك في أفغانستان. غير أن الحقيقة هي أن هناك حواجز كثيرة جدا تجعل حاليا هجوما أمريكيا على إيران أمرا مستحيلا. وهذه الحواجز هي في نفس الوقت ذات طبيعة تقنية، وسياسية، ودبلوماسية. الحواجز التقنية: الأمكنة التي توجد بها بالضبط تجهيزات تخصيب الأورانيوم غير معروفة على الإطلاق من طرف السلاح الجوي الأمريكي. فالمخابرات الأمريكية قد أبانت عن محدوديتها يوم أن علم رئيس السي.آي.إي. جورج تينيت عن طريق الصحف فقط بأن الهند قد أجرت تجربة نووية بعد أن فجرت أول قنبلة لها. ولا يوجد أي خبير استراتيجي أمريكي قادر اليوم على ضمان أن ضربات جوية أمريكية يمكن أن تقضي نهائيا وبفعالية، ولمدة طويلة على قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم.والمواد الأساسية للمفاعلات هي أدوات لا يشكل تنقيلها نسبيا أي إعاقة( فهي في حجم مظلة)، يسهل نقلها وإخفاؤها. الحواجز السياسية: عمل عسكري سوف يكون له في إيران نتيجتان مباشرتان، سيكون المخططون الاستراتيجيون في البانتاغون وفي وزارة الخارجية الأمريكية مرغمين على أخذهما في الاعتبار. الأولى ستكون هي تعبئة جميع مكونات الشعب الإيراني وبرد فعل قومي حول الرئيس أحمدي نجاد. وأما التيارات المعتدلة كما عبرت عن نفسها من خلال الانتخابات الأخيرة لهيئة الخبراء (التي تقابل مجلس الشيوخ الأمريكي)فسوف تلغى من المشهد السياسي المحلي في إيران ولوقت طويل جدا. وسوف ينمحي أي أمل في تغيير داخلي للنظام تحت تأثير التطلعات الأكيدة للشباب في مزيد من الحريات. وأما النتيجة المباشرة الثانية فستكون بطبيعة الحال انسحاب إيران من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية(TNP) وطرد ها لجميع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية(AIEA)، التي يوجد مقرها بفيينا. ولقد ظلت السلطات بطهران تؤكد دائما بأن رغبتها في امتلاك القدرة على تخصيب اليورانيوم لا تهدف إلا إلى إنتاج الكهرباء فقط، وأنها ليست لها أي نية في التوفر على السلاح النووي. وأي قصف أمريكي لإيران سوف يضع حدا نهائيا لهذه النوايا المعلنة التي قد تكون حقيقية وصادقة. وعلى المدى الطويل على المخططين الأمريكيين أن يكونوا قد وضعوا على أنفسهم السؤال حول المرحلة الموالية، السؤال الذي كانوا قد تجنبوه وتملصوا من وضعه عندما كانوا يخططون لغزو العراق، وهو الخطأ الذي تؤدي اليوم الولاياتالمتحدة ثمنه غاليا وقاسيا. والحقيقة أنه لا أحد اليوم في واشنطن في استطاعته أن يتنبأ ولو بحد أدنى من الدقة بما الذي سيجري بالشرق الأوسط بعد هجوم محتمل على إيران. هل سوف نشهد أو لا نشهد موجة شعبية عارمة غير مسبوقة من العداء للولايات المتحدةالأمريكية؟ و الأنظمة الموالية للولايات المتحدةالأمريكية في المنطقة (العربية السعودية، مصر، الأردن) هل ستجد نفسها وقد تعززت مواقعها أم ضعفت؟ وهل تنفجر انتفاضات أو حتى ثورات ؟ وهل ستكون الولاياتالمتحدةالأمريكية قادرة على احتوائها؟ إنه ما دام الاستراتيجيون الأمريكان ليس لديهم أي جواب على هذه الأسئلة فإنهم سوف يبقون نزَّاعين إلى الحذر. وهناك أخيرا الحواجزالدبلوماسية، ذات الاعتبار الكبير.فليس هناك اليوم أي حظ في أن يمنح مجلس الأمن موافقته على مبادرة عسكرية من هذا النوع. فروسيا سوف تفرض الفيتو بكل تأكيد؛ كما أبان عن ذلك الخطاب الذي ألقاه فلاديمير بوتين خلال زيارته الأخيرة للعربية السعودية، عندما هاجم الرئيس الروسي بشكل مباشر جدا سياسة التدخل الخارجي الأمريكية. والصين التي تسعى إلى الحفاظ على علاقاتها البترولية المتميزة مع طهران سوف تتبع خطى روسيا بلا أدنى شك بالتلويح بحق الفيتو الذي تتوفر عليه هي الأخرى في مجلس الأمن. وحتى في الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ فإن احتمال القيام بتجاوز جديد لمجلس الأمن من طرف إدارة بوش، سوف لن يُتقبل من طرف الشارع الأمريكي، وذلك حتى في داخل الحزب الجمهوري نفسه. والولاياتالمتحدةالأمريكية التي هي من بين مؤسسي هيئة الأممالمتحدة سنة5491, لا زالت مقتنعة بامتيازات الحفاظ على النظام الحالي للقوانين الدولية بدون أي مساس بها. وبالإضافة إلى ذلك فلن تجد الولاياتالمتحدةالأمريكية هذه المرة دعما لمغامرة كهذه؛ حتى من حلفائها التقليديين الأكثر إذعانا. ففي المملكة المتحدة صرح جنرالان أخيرا بأن الهجوم على إيران هو عبارة عن حماقة صرفة. إن إرسال قوات بحرية إضافية إلى مياه الخليج يجب أن يُفهم اليوم على أنه فقط إشارات تهدف إلى دفع القادة الإيرانيين إلى التفكير جيدا. إنه العصى التي يتم التلويح بها على أمل أن يطالب الخصم بجزرة أفضل وأكثر ملاءمة لاحتياجاته