لأنهم محترفون، ولديهم هدف واضح يسعون لتحقيقه، فهم ينجحون أو هكذا يبدو المشهد.. يقيمون دولة ويغرسونها وسط أعدائهم، ويتقدمون على من يحيطهم، كل ذلك دون مقوِّمات أو إمكانيات أقوى وأرسخ من عزيمة واحتراف. لم يكن من قبيل المصادفة أن يهتم الصهاينة بالسينما والفنون عامة، فتيودور هرتزل أبو المشروع الصهيوني هو في الأساس كاتب مسرحي لم يمنعه فنُّه من أن يسعى للسياسة وينجح فيها.. وأي نجاح!! لذا، فقد كان ارتباط الفنان الصهيوني بقضاياه الفكرية وقناعاته السياسية ارتباطًا واضحًا لا يوارب، فأثناء حرب 1967م (وهذا مثال فقط) سارت المظاهرات بقيادة جيري لويس وغيره من السينمائيين الأمريكان تؤيد العدوان الصهيوني، وتحت شعار واضح: ادفع دولارًا تقتل عربيًّا. وكثيرة هي الأمثلة على انغماس الفنانين الصهاينة في العمل السياسي المباشر، فنجد بن هيشت الكاتب والمنتج والمخرج السينمائي هو مندوب المنظمة الإرهابية الشهيرة آرجون في هوليود في منتصف الثلاثينيات، وهي المنظمة التي أسَّسها جابوتنسكي أبو الإرهاب الصهيوني. أما في مجال المساندة المالية المباشرة فنجد أن مارفن جوذفسون رئيس وكالة المواهب المسرحية والأدبية في هوليود هو رئيس لجنة العمل السياسي في منظمة إيباك اليهودية والتي دشنها النجم اليهودي وودي آلان، حينما صرَّح بأول نداء لجمع التبرعات في أمريكا من أجل مناصرة قضايا اليهود. ولذا كان متوقعًا تمامًا أن يمرِّر هؤلاء السينمائيون ما يريدونه من مفاهيم صهيونية تجاه العرب، كل ما فعلوه أنهم أعادوا إنتاج هذه الأفكار في قوالب فنية سينمائية، خاصة أن هوليود قد أسلمت لهم نفسها، أو لنقل كما قال نيل جالبر: إنهم هم الذين أنشئوها بالفعل، كما جعل عنوان كتابه تساؤلاً هو: كيف أنشأ اليهود هوليود؟. الوزن بمكيالين أول ما يطالعنا من ظواهر في هذا الصدد أن القوى الصهيونية في هوليود قد تعاملت أمام الفعل الواحد بموقفين متباينين حسب الفاعل، فحوادث خطف الطائرات أو السفن مثلاً حينما تصدر من عرب تختلف المعالجة حينما تصدر من يهود، فعقب اختطاف السفينة أتيل لاورو 1985م ومقتل الثري اليهودي كلينجوفر على أيدي بعض الفلسطينيين أصبح هذا الرجل شخصية محورية لعديد من الأنشطة الفنية تتباكى على العنف العربي والدموية، حتى قدمت عنه أوبرا غنائية بعنوان موت كلينجوفر احتفى بها اليهود كثيرًا، حتى إنها عُرِضت في 6 مدن أوروبية وأمريكية، للدرجة التي جعلت مؤلفها جون آدمز يصدم من هذه الحفاوة البالغة فهو لم يكن يتخيل هذا النجاح الكبير. وعلى العكس تمامًا فحينما يكون خطف الطائرات من جانب الصهاينة تكون التبريرات التي تقترب بالخاطفين من كونهم رسل السلام إلى هذه الإنسانية المعذبة!! فالمخرج اليهودي جولان في الهروب إلى الشمس 1972م يبرِّر اختطاف اليهود طائرة للهرب من الاتحاد السوفييتي، لكن الفيلم بدلاً من أن يجعل وجهة المختطفين السويد - كما في الحادثة الحقيقية - يجعلها الدولة الصهيونية باعتبارها الشمس المشرقة على العالم بالحرية (!!)، وعند عرض الفيلم في سوق مهرجان كان 1973م صاحبته نشرة أنيقة تتحدث عن حقوق الإنسان، وحق المواطن في الرحيل والهجرة فرارًا من إرهاب الدولة، ما يبرر عملية الخطف. وفي عملية أخرى كعملية عنتيبي التي اختطف فيها أربعة أشخاص (ألمانيان وفلسطينيان) طائرة تابعة لشركة العال مطالبين بإطلاق سراح 52 سجينًا فلسطينيًّا، وكان معظم الركاب من الإسرائيليين، فاقتحمت فرقة كوماندوز إسرائيلية الطائرة في مطار عنتيبي بأوغندا وأنهت الموقف، وكان صدى ذلك ثلاثة من الأفلام الشهيرة هي انتصار في عنتيبي وهجوم على عنتيبي وعملية الرعد، ولمعرفة مدى النفوذ الصهيوني يكفينا أن نستعرض الأسماء التي اشتركت في هذه الأعمال، فمثلاً إليزابيث تايلور، تشارلز برونسون، كيرك دوجلاس. تشويه الصورة.. من يتصدى؟ كما حرصت القوى الصهيونية في هوليود على تقديم رجال الدين الإسلامي كرمز للشرور والموبقات، في مقابل طهارة الشخصية اليهودية، ففي فيلم اللعبة إخراج كول ماكاي، يظهر سعيد على أنه رجل دين مليونير شاب بملابس عربية تقليدية يرسم على وجهه ابتسامة صفراء، ويغلف شروره بكلمات عن الدين، فيقول لمن يحوطونه ممن يُعِدُّهم للقتل والعنف: أصدقائي.. الله وحده سيقرر حصيلة ضحايانا اليوم، لست أعمل من أجل المال فأنا أغنى إنسان هنا بفضل الله. وفي حين يظهر الإسرائيليون مثل الأوروبيين تمامًا في نظافة الثياب، ورجاحة العقل، وأناقة التصرف، ظهر العرب على هيئة أناس يبدون بنظرات كريهة، ويضحكون في صخب، بينما يطلقون الرصاص من بنادقهم على النساء. وحتى الأفلام التي لا علاقة لها بالعرب أبدًا، لا بد من الغمز واللمز حشدًا للعواطف وتخريبًا في لاوعي المتفرج، ففي فيلم الهاوي 1982م إنتاج كندي يطلع المحقِّق في أحد حوادث التخريب أحد الشباب على صور الإرهابيين، فيذكر له معلومة محشورة في حوار الفيلم فحواها أن أحد هؤلاء الإرهابيين كان حارسًا مستأجرًا لحماية أحد قادة الفلسطينيين. ويبدو أن الصهاينة قد تخصَّصوا في الالتفاف على الحقائق، فعلى النقيض من الوقائع الحقيقية التي تؤكد الدور الإسرائيلي في اغتيال علماء الفيزياء والذرَّة العرب بداية من سميرة موسى 1953م، وسمير نجيب 1967م، ويحيى المشد 1980م، ود. سليم سليمان 1981م، ود. سعيد بدير، والتي لا يرد ذكرها بالطبع في الإعلام الأمريكي، فإن حشدًا من الأوهام حول اختطاف علماء يهود على أيدي عرب وروس وألمان يرد في عدد من الأفلام التي تصور وحشية ودموية الخاطفين عملية لندن 1979م، أولاد المجد 1984م هو أضخم إنتاج سينمائي للقناة الثالثة البريطانية، وفيه يتحالف الفلسطينيون مع الجيش الجمهوري الأيرلندي، لاغتيال عالم فيزيائي يهودي يزور لندن لإلقاء محاضرة عن كيفية استخدام الطاقة النووية في خدمة السلام (!!!). متهم حيًّا أو ميتًا وحين تنتشر في أجهزة الإعلام الغربي الدعوة لمواجهة خطر الأصولية الإسلامية إثر انهيار الاتحاد السوفيتي، تبدأ إسرائيل ومعها المنظمات الدولية اليهودية والأمريكية في الإلحاح على هذه الفكرة، وتغذية روافدها، والمساهمة في خلق عدو واعتباره العدو الفعلي المقبل الذي يهدد حضارة الغرب، وأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تعلم عن الإرهاب الإسلامي ما لا يعلمه غيرها، وهي الأقدر على التعامل معه، ومواجهته، وتأمين مصالح أمريكا فيه. ففي فيلم جماعة مكافحة الإرهاب 1988م تقوم مجموعة ليبية بالهجوم المسلح على القاعدة النووية في أنديانا، أما في من يتجرأ يفز 1982م يستغل العرب والمسلمون أموالهم، لتحريض شاب إنجليزي متمرد لخطف صاروخ نووي، أما مطلوب حيًّا أو ميتًا 1987م (لاحظ شعار حملة بوش ضد أسامة بن لادن) إخراج جاري شيرمان فهو يصوِّر محاولة إرهابي يمني يسمَّى مالك رحيم - هكذا الاسم - لاستغلال الدارسين العرب في الجامعات الأمريكية لتدمير إحدى القواعد النووية الأمريكية. ولم تسلم النساء العربيات من انضوائهن تحت مظلة الإرهاب ففيلم الأحد الأسود 1970م تأتي شخصية داليا وهي تخطِّط لقتل الآلاف دون أدنى إحساس آدمي، فهي لا تهتم بالبشر أو حياتهم، ولا مانع من أن ينضم الألمان إلى الفيلم بلا مناسبة، وفي تلفيق رقيع فتكون داليا من مواليد حيفا لأب ألماني (!!) وأم فلسطينية. وداليا هذه تحاول قتل عشرات الآلاف من الأمريكيين للفت الانتباه العالمي إلى قضيتها، وقد أثار هذا الفيلم استياء عدد من النقاد.. وهو ما حدا بأحدهم في موقف منصف إلى التساؤل: لم لا يشير الفيلم من قريب أو بعيد إلى شرعية نضال الشعب الفلسطيني من أجل استعادة وطنه السليب؟ (بارك هيودج جيتس). وفي فيلم محاكمة إرهابي (1980م) البطل شاب فلسطيني سالم عجمي تأسره في لبنان وحدة أمريكية غازية، لأنه كان يدافع عن أرضه، فيأخذونه ليمثل أمام المحاكمة في أمريكا، فيقول حين يجلس في منصة الاتهام: ب إنه لن يتورع عن قتل الأمريكيين، وإنه إذا كان يملك أسلحة نووية فلم يكن ليتردد في استخدامهاب، ثم يردف قائلاً: سوف نضربهم في بلادهم كما نضربهم خارج بلادهم ولتحيا فلسطينب وتأتي في الفيلم عبارات كثيرة على ألسنة الأمريكان مثل: لماذا تقتلون الأطفال؟ (إن العرب الفلسطينيين يفضلون التسلل نحو غير المسلحين ورميهم بالرصاص). كبش الفداء وأخيرًا فيبدو أن الاتهام الأمريكي المتسرع لـأسامة بن لادن في تفجيرات سبتمبر 2001م ليس وليد الساعة ولا هو محض صدفة، ولكن الصهاينة نجحوا في زراعة أسامة كرمز لكل ما هو عنيف.. ففي فيلم تحت الحصار 1986م يقوم بطله الأصولي العربي واسمه في الفيلم أبو لادن (!!!) بتجييش الجنود - وهم أمريكان من أصل عربي - في ولاية ديترويت الأمريكية، وتدريبهم على السلاح والقيام بعمليات ضد المدنيين الأمريكان في المطارات والطائرات، بل يصل به الأمر إلى التفكير في تدمير البيت الأبيض (!!!).