يتجه البعض إلى استغلال تطورات قضية بلعيرج إلى صناعة حالة من اللاثقة بين الحركة الإسلامية والدولة، واعتبار أن ما جرى سيكون له بمثابة ناقوس إنذار لمراجعة سياسة اعتمدت على الانفتاح على المعتدلين لمواجهة المتطرفين، وأنه آن الأوان لإنهاء هذه السياسة ووضع الجميع في خانة المتطرفين استعدادا لمواجهتهم، وهذه الصناعة لا تمثل سوى مقدمات إعادة إنتاج النموذج التونسي الاستئصالي لعقد التسعينيات. الواقع أن مثل هذا المنطق يؤسس لانحراف عميق عن النموذج المغربي ودفعه نحو المجهول، منطلقا في ذلك من افتراضات خاطئة أولا، ومعاد للقيم الديموقراطية ثانيا، ومؤسس لمسيرة من الأولويات الهامشية في السياسة العامة للدولة ضدا على أولويات التنمية والديموقراطية ثالثا. من حيث الافتراضات، نجد هذا التصور يعتبر أن الانفتاح كان على المعتدلين لضرب المتطرفين، وهذا موقف ينم عن جهل واضح بمعطيات الاندماج السياسي للحركة الإسلامية المعتدلة، فقد تم الانفتاح أولا في اتجاه جماعة العدل والإحسان وهذا أكده لاحقا وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق وجرى التدخل لإفشال ذلك، ثم حصل الانفتاح في اتجاه حركة الإصلاح والتجديد وهو انفتاح تم بتدرج وبعد مسار من التردد وتعزز في أواسط التسعينيات مع عقد المؤتمر الاستثنائي لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية وتأسيس حركة التوحيد والإصلاح، بمعنى من كان في موقع المتطرف ومن كان في موقع المعتدل حتى يتم العمل بتلك المقولة؟ والحاصل أن سياسة الانفتاح جاءت ضمن سياق انفتاح ديموقراطي عام يرتكز على تقوية التوزان السياسي للبلاد ككل، ومقدمة التجربة المغربية كنموذج خاص في العالم العربي والإسلامي. وبخصوص معاداة الديموقراطية، فهذا اختيار يقوم على مبدأ الشبهة والتشكيك، لصناعة حالة من اللاثقة، واختيار مفردة صناعة مقصود لأنه أصدق تعبير عن هذا الموقف، فهي صناعة يتم استغلال ما ينتج عنها، ولهذا تم اللجوء إلى الشبهة واعتماد فبركة لغوية للتدليل على الموقف من التوجهات الإسلامية السياسية، وهذه الفبركة تجسدها مقولة ليس في القنافذ أملس، وغني عن الذكر أن من مقتضيات الديموقراطية أن الحكم على الآخر بدون أدلة هو ضرب لمبدأ البراءة هي الأصل وأن الإدانة مصدرها القضاء، أما من حيث الواقع فإن الانخراط في تأجيج الحرب على مجموع الهيئات الإسلامية هو بمثابة التأسيس للارتداد على التطور الديموقراطي للبلاد، بمعنى أن مصداقية هذا الخطاب تنهار بسبب لجوئه لرفع راية الديموقراطية في حربه على خصومه رغم أن أسباب النزاع ترتبط بمواقف إيديولوجية أكثر منها قضية الديموقراطية، وكانت نتائجها حالة من الخراب السياسي في الدول التي انتهجت هذا المسار مثل تونس أو الدول التي أرادت تقليدها مثل الجزائر في التسعينيات. أما على صعيد الأولويات، فإن المثير هو عدم انتباه دعاة المشروع الاستئصالي لمآله بكل من تونسوالجزائر، وكيف تعمل كل منهما وطيلة السنوات الأخيرة على الخروج من المأزق الاستئصالي وبكلفة عالية وثقيلة، والسبب هو أنه أدى لحرمان مشروع التنمية من شرط الاستقرار والمصداقية الديموقراطية، ليتم استنزاف قدرات البلدين في أولويات هامشية رغم ما تحقق في حالة تونس من تطور اقتصادي جزئي. بكلمة، إن هناك من يريد صنع حالة من اللاثقة لجر المغرب نحو نموذج استئصالي يجتهد من طبقوه في كيفية الخروج منه لكن دون جدوى.