يؤكد الأستاذ محمد يتيم، أحد منظري الحركة الإسلامية ومؤسسيها، أن ما وقع من اعتقال لقيادات سياسية إسلامية غير مفهوم، وشكل صدمة للمشهد السياسي المغربي، وأضاف يتيم في هذا الحوار أن الحركة الإسلامية المغربية بمختلف فصائلها هي حركة معتدلة التوجه والمواقف، وأن الظواهر العنيفة التي نلاحظها جاءت على هامش هذا التوجه العام، مشددا على أن كل تضييق عليها أو استهداف لأحد فصائلها هو خدمة مجانية للتطرف والغلو، وقال الداودي إن بعض الجهات تتمنى لو كانت الحركة الإسلامية المغربية كلها متطرفة، مشيرا إلى أن هذه الجهات لا يهمها مصلحة المغرب ولا استقراره. وقال يتيم إن المراجعات الفكرية والسياسية للحركة الإسلامية المغربية بدأت قبل أن تتحول إلى حركة جماهيرية وقام بها شباب في مقتبل عمره الفكري والسياسي حينها، منبها إلى أن الحركة الإسلامية استوعبت منذ وقت مبكر جدا الخصوصية المغربية التي تختلف عن غيرها في المشرق، وفيما يلي نص الحوار: أثيرت خلال هذا الحدث قضية المراجعات في فكر الحركة الإسلامية المغربية بفصائلها الأساسية والتي منها البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة، التي اعتقل زعماؤها اليوم، ما أسباب تلك المراجعات وكيف بدأت وما دواعيها؟ في حقيقة الأمر، فإن مصطلح المراجعات يحيلنا أساسا على ما وقع في مصر،أي في تجربة الجماعة الإسلامية في مصر، وأنا أتحفظ لهذا السبب على استخدام فكرة المراجعة في السياق المغربي، لأن لها حمولة ترتبط بجماعات آمنت بالعنف ولجأت إلى الصدام مع النظام القائم، كما أن له ارتباطا أيضا بجماعات نشأت أصلا داخل السجون، وفي سياق الصدام الذي وقع بين النظام الناصري وجماعة الإخوان المسلمين، وما تبعها من محن واعتقالات وتعذيب، مما أدى ببعض العناصر المضطهدة إلى أن تنظر إلى المجتمع والدولة التي تقوم بهذا كله، والتي تمارس أبشع أنواع التعذيب في حق الرجال والنساء على السواء، كما كان في السجن الحربي مثلا،باعتبارها دولة كافرة أو جاهلية ، من هنا نشأ التطرف والغلو، وظهرت مثلا جماعة مصطفى شكري، التي هي جماعة التكفير والهجرة، التي لجأت إلى العنف لمواجهة عنف الدولة وما تبعها بعض ذلك من جماعات إسلامية . فإذن مصطلح المراجعات يختزن كل هذا السياق السياسي والفكري الذي يرتبط بتجربة خاصة هي مصر في علاقتها بالجماعات الإسلامية . وطبعا إذا انتقلنا إلى المغرب فالأمر مختلف، أولا: لم يقع من النظام المغرب سلوك يمكن أن يصل إلى حد العنف الذي مارسه النظام الناصري في حق جماعة الإخوان، وهذا لا يعني أنه لم تقع اعتقالات ومحاكمات ومتابعات كما أن ذلك لا يعني أنه لم اقع تجاوزات على خلفية أحداث 16 ماي الإرهابية ، ولكنها لم تصل إلى حد العنف الشامل والمواجهة الشاملة من قبل الدولة ، ثم ثانيا: لم يقع في المغرب أن نشأت جماعات إسلامية بمثل هذا الشكل، وتبنت العنف ضد النظام، وحدثت مواجهات وسقطت دماء، ووقعت اعتقالات ومحاكمات، ثم بدأ الناس يراجعون، إن هذا لم يقع في المغرب، وإذا سمحنا لأنفسنا باستخدام مصطلح المراجعات الفكرية، فإن هذه المراجعات يمكن القول أنها كانت سابقة على تطور الحركة الإسلامية إلى حركة واسعة الانتشار، أما الذي حدث في مصر فهو أنه كانت هناك حركة إسلامية معتدلة هي حركة الإخوان، تمارس العمل التربوي والعمل السياسي، ثم اختلفت مع النظام الناصري، وقرّر هذا الأخير مواجهتها، وقام بصدامات وتصفيات واعتقالات، هكذا نشأ التوجه إلى التطرف والغلو في مسار بعض النتوءات في الحركة الإسلامية، التي لا تمثل السواد الأعظم، لأن جماعة الإخوان بقيت صامدة ومصرة على العمل السلمي، أما التجربة المغربية فكانت مخالفة لكل هذا، لأنها نشأت وهي تدرك الخصوصية المغربية المغايرة لما هو في المشرق. (مقاطعا) أنتم تفضلون مصطلح النقد الذاتي على مصطلح المراجعات إذن؟ نعم، أفضل استخدام النقد الذاتي على المراجعات، وهنا أؤكد أن النقد الذاتي بدأ في التجربة المغربية مبكرا، حتى قبل أن تتحول الحركة الإسلامية إلى حركة جماهيرية، وقبل أن يشتد عودها وتقوى، بمعنى نحن نتكلم هنا عن بداية الثمانينات، لأن أول مراجعة تمت كانت عند الانفصال عن الشبيبة الإسلامية، وبين تأسيس الشبيبة سنة 1969 إلى غاية 1980 تاريخ تأسيس الجماعة الإسلامية التي تحولت فيما بعد إلى حركة الإصلاح والتجديد، هناك مدة زمنية لا تجاوز 10 سنوات ، وهذه المدة بمقياس أعمار الحركات لا تعني شيئا من الناحية التاريخية، والمثير أيضا أن الذين قاموا بهذه المراجعات، هم مجموعة من الشباب، الذي كان من المفترض في هذه المرحلة العمرية أن يكون أميل إلى الثورية والجذرية وتبني خط العنف. والذي ساعد على ذلك النقد الذاتي ، هو الخصوصية المغربية، ذلك أن طبيعة الدولة والمجتمع، وطبيعة التدين، كان له أثره نشوء حركة إسلامية مغربية معتدلة، و بعض ظواهر الغلو والتطرف التي نشهدها اليوم، إنما جاءت على هامش التوجه العام، فعندما نتحدث عن حركة التوحيد والإصلاح وعن جماعة العدل والإحسان والبديل الحضاري والحركة من أجل الأمة، وكل ألوان الطيف الإسلامي التي تشكل الجسم الأعظم لهذه الحركات، نلاحظ، بغض النظر عن الاختلافات في المجال التربوي أو في الرؤية السياسية أو التحليل السياسي، أن أغلبها قام بنقد ذاتي أدى إلى اعتبار الخصوصية المغربية، وتبني خيار المشاركة، واعتماد الخط السلمي المدني كمقاربة جوهرية في التعامل مع قضايا الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي في المغرب. لو كانت الجماعات التي تنسب إلى السلفية الجهادية اليوم والمتابعة على خلفية أحداث 16 ماي جماعات مهيكلة ومنظمة ثم وقع ما وقع وأخضعت تصوراتها ومواقفها لمراجعات جذرية لفلنا في هذه الحالة إن هناك مراجعات ، ولكننا أن شيوخ ما يسمى بالسلفية الجهادية قد أعلنوا مواقف واضحة من العمليات الإرهابية ، وهذا ما يجعل القضية في المغرب أقل سوءا بكثير مما حدث في دول أخرى مثل مصر أو في الجزائر سوا من جهة النظام أو من جهة هذه الجماعات مما يجعل محاورة هؤلاء أقرب إلى أن تؤتي أكلها من أي بلد آخر . إذن ما هي القضايا البارزة التي شملتها هذه المراجعات أو النقد الذاتي وكان لها الأثر على التوجهات الكبرى لهذه الحركات؟ القضية الأبرز والجوهرية هي الخصوصية المغربية، فهذه مسألة مهمة وأساسية، ولهذا فالحركة الإسلامية في المغرب كانت حاسمة في رفض الارتباط ببعض التنظيمات الدولية، وقد كان هذا وعيا مبكرا، ولهذا لم ترتبط الحركة الإسلامية المغربية بالتنظيمات ذات الطبيعة الدولية مثل الإخوان المسلمين مثلا، وحتى ما يشاع من أنه بعض التوجهات تأثرت بإيران أو حزب الله، لا يوجد شيء أكيد وثابت، بل المؤكد هو أن هناك اتفاقا على أن المغرب له خصوصياته ومعطياته، وهذه الوعي ترتبت عنه صياغة مفردات وخطاب ونظرية في العمل الإسلامي، تتناسب مع الخصوصية المغربية، وبسببها كان هناك من يتحدث عن الاستثناء المغربي، وهذا الاستثناء لا يجب فهمه من زاوية تعامل النظام مع الحركة الإسلامية، بل من زاوية إدراك هذه الأخيرة لخصوصية الوضع المغربي أيضا، حيث الدولة إسلامية، والملك هو أمير المؤمنين، وفي المقابل وجدنا عه الخصوصية وذلك الاستثناء في تعامل الدولة مع هذه الحركات حيث لم تلجأ إلى خيارات تجفيف المنابع كما هو الحال في تونس. لكن ثمة قضايا جوهرية أخرى، مثل التحول من السرية إلى العلنية، واعتبار الحركة الإسلامية نفسها جماعة من المسلمين وليس جماعة المسلمين، التي مثّل التحول عنها لحظة فارقة في مسار الحركة الإسلامية المغربية؟ أنا بدأت بالخصوصية، بمعنى عدم استنساخ النموذج المشرقي، وهو يفسر كل الأشياء الأخرى، ولهذا من الأمور الأساسية التي حسمت فيها الحركة الإسلامية المغربية، قضية العمل السري، لماذا؟ لأنها وجدت في السياق المغربي، الذي يتميز بقدر كبير من الانفتاح والتعددية، ومن التعامل الانتقائي حتى مع الأخطار المحتملة، لم تجد الحركة الإسلامية ما يدفعها كي تنزل إلى سراديب السرية، وأتكلم هنا عن تجربة حركة التوحيد والإصلاح، هذه القضية تم الحسم فيها مبكرا، وتم الحسم كذلك في قضية العنف كآلية للتغيير، وتم الحسم في العمل من داخل المؤسسات وفي إطار القانون والدستور والمؤسسات القائمة، والإصلاح من داخل كل ذلك، ثم هناك مراجعة كبرى ومهمة وهي القطيعة مع فكرة إقامة الدولة التي هيمنت على الحركة الإسلامية المشرقية، وأنا أسميها القطيعة الابستيمولوجية، فالحركة الإسلامية المغربية على الأقل فيما أعرف من أدبيات التوحيد والإصلاح انتقلت من خطاب إقامة الدولة إلى خطاب الإسهام في إقامة الدين، وأنا أقف هنا عند أمرين اثنين: الأول هو الانتقال من فكر إقامة الدولة الذي ارتبط بسياق مشرقي حيث سقطت الخلافة، في حين أن المغرب لم يكن مرتبط بها، والدولة المغربية ظلت قائمة ، وثانيا هناك المقاربة التشاركية في التعامل مع العمل الإسلامي، حيث اعتبرت أن الإسلام دين المغاربة والدولة مسلمة، والإسلام ليس حكرا على الحركة الإسلامية، دون أن يعني ذلك إغفال الوهن في عرى الدين تحتاج إلى تقويم، ومن هنا كانت منهجها إصلاحيا وليس انقلابيا . هذه المراجعات التي قامت بها الحركة الإسلامية المغربية هل تمت على منوال واحد أم كانت هناك تفاوتات واختلافات؟ بطبيعة الحال، فهذه المراجعات كانت على مستويات مختلفة، ولكنها تلتقي في القضايا التي ذكرت، فهي تلتقي في رفض التفكير الانقلابي، وفي رفض العنف، وفي رفض السرية، وفي رفض الارتباط بالخارج، لكن صياغة هذه المقولات نظريا، وتنزيلها عمليا، يختلف من حركة إلى أخرى، ولكننا نستطيع أن نقول إنه حتى خطاب بعض الحركات التي لا يزال فكر الدولة أو الخلافة على منهاج النبوة مهيمنا عليها، كما هو الحال بالنسبة لجماعة العدل والإحسان، نلاحظ أنه خطاب يندرج في إطار منظور إصلاحي ولا يراهن على العنف والانقلاب كآلية لتحقيق هذا المسلك، وبالتالي فرهانها على التربية الروحية والإيمانية وعلى إصلاح الفرد والمجتمع ، وحتى مفهوم القومة في حدود فهمي لأدبيات العدل والإحسان يستثني أي لجوء إلى العنف، ونفس الشيء بالنسبة لمفهوم الميثاق الإسلامي ، وأنا أتكلم بغض النظر عن موقفي أو اتفاقي أو اختلافي مع الرؤية السياسية أو التربوية للجماعة . لكن يلاحظ للأسف أن هناك اليوم من يستغل ظاهرة الإرهاب التي ارتبطت ببعض الأطياف الهامشية المنتسبة للحركة الإسلامية ليحاكم بها كل اجتهادات الحركة الإسلامية، والواقع أن قضية الإرهاب هذه مرتبطة بسياق معين، فهي لها اتصال بحرب الخليج الأولى ثم الثانية، فهذه الظاهرة تولدت في تلك الظروف، ولا زلت أذكر أنه في حرب الخليج وغزو العراق، أني كتبت أقول أن الغزو الأمريكي للعراق سيساهم في خلق العشرات من أسامة بن لادن في الأقطار العربية، والتواطؤ الأمريكي مع الكيان الصهيوني ضد فلسطين، كل ذلك يغذي عوامل الغلو في المجتمعات الإسلامية، و كنت فد كتبت مقالا بعد هجمات 11 شتنبر وما تبعها من حروب امريكية تحت ذريعة محاربة الإرهاب بعنوان ائتلاف الغلو وتحالف التطرف، أشير فيه إلى أن اليمين الصهيوني المتصهين يقدم خدمات لحركات الغلو والتطرف في العالم الإسلامي، بحيث هنالك تحالف موضوعي بينهما. هناك خطيئة كبرى يرتكبها بعض محترفة الصحافة في المغرب في المغرب وهي استعمال تلك الكذبة الكبرى التي صنعت في مختبرات الفكر الصهيوني، وهي أسطورة المسؤولية المعنوية، ونحن نعرف أن أمريكا وتحت هذه الذريعة ألقت بالمسؤولية على العربية السعودية في نشأة الإرهاب، وبنفس الميكانيزم والآليات تلقى المسؤولية على الرسول صلى الله وعليه وسلم في الإرهاب كما نلاحظ في قضية الصور الكاريكاتورية ، وللأسف الشديد نجد بعضا من قومنا يلجأون إلى نفس الآليات المعروفة المصدر كما أشرت. القيام بمراجعات في فكر الحركة الإسلامية لا بد أن يكون له أثر على الجماعات المتطرفة، هل ترى أن هذا متحقق بما فيه الكفاية؟ لابد أولا أن نشير إلى الأثر الكبير للنقد الذاتي والمراجعات المبكرة في بناء هذه الجسم العريض من أبناء الحركة الإسلامية وشبابها من الذين تبنوا فكر المشاركة والعمل السلمي والمدني، والتدافع السياسي في إطار المؤسسات، وهذا أمر لا يتم الانتباه إليه كثيرا، فهذا الامتداد الواسع من أعضاء الحركات الإسلامية الأساسية والمتعاطفين معه بمئات الألوف، أصبح يمثل مدرسة ثقافية أصبحت اليوم قائمة ومترسخة، ومن المعلوم أن أغلب التأطير الديني للشباب في ظل ضعف الحقل الديني الرسمي في الاضطلاع بواجبه ومسؤولياته والمدرسة أيضا على هذا المستوى يرجع في أساسه إلى دور هذه الحركات وإلى الصحوة الإسلامية التي ارتبطت بها . والذين يتساءلون عن العملية الإرهابية التي وقعت في 16 ماي كان عليهم أن يتساءلوا عن التاريخ الذي لم يقع، وماذا كان سيكون عليه الأمر لو لم توجد هذه الحركات المعتدلة، هم يتحدثون عن بعض الوقائع المؤسفة وغير المقبولة التي أسهمت فيها ظروف دولية ومناخ الإحباط، الذي يستغله الإرهاب ويجد فيه ظروفا خصبة للعمل والتوغل، وهذا لا يعني أن كل محبط هو مشروع إرهابي، ولكن الأساس هو هذا المخيال لدى الشباب المحبط الناتج عن صور الحرب العدوانية لأمريكا، وصور الأشلاء والجثث، كيف تريدون أن يستجيب هؤلاء في غياب تأطير الحركة الإسلامية المعتدلة، ونحن نحمد الله أن فكر الغلو والتطرف بقي على الهامش، ولكنه مهما يكن هامشيا فهومضرومؤذي، فقيام عملية غرهابية واحدة معما كانت معزولة خلال عشر سنوات عملية إرهابية يحدث من التأثير ما لا يحدثه عمل العشرات الآلاف من المحاضرات والكتب والعمل الميداني التي تقوم به الحركة الإسلامية المعتدلة، ورغم هذا نحن نعتقد أنه علينا مسؤوليات علينا العمل بفعالية أكثر، من أجل أن نشر وتعميم فكر الوسطية والاعتدال الذي استقر عندنا، وهذا يطرح مسؤولية الدولة وبعض الجهات الاستئصالية التي تحاول أن تحاصر هذه الحركات، وتنسبها إلى التطرف والغلو بمبرر أسطورة المسؤولية المعنوية، إذن محاربة حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان والبديل الحضاري والحركة من أجل الأمة، هذه خدمة مجانية لفكر الغلو والتطرف ولفكر القاعدة ونظرائه . لكن ألا تعتقد أن اعتقال رموز معروفة باعتدالها الفكري والسياسي يسير في اتجاه اتساع دائرة الغلو والتطرف؟ أنا أجبتك عن هذا السؤال، ومع كامل التحفظ، وفي انتظار ما سيسفر عنه القضاء، وحتى إذا افترضنا أنه وقعت أخطاء من قبل هؤلاء المعتقلين، وحتى إذا افترضنا أن ما نسب إليهم، فإنه لا يمكن أن نحل حزبا كاملا هو البديل الحضاري، بجريرة جلسة وقعت في سنة ,1992 ونفس الشيء بالنسبة للحركة من أجل الأمة، فإذن هذا التوجه قد يكون خدمة للفكر الاستئصالي الذي يستغل مثل هذه الأحداث ليقول إن لا يوجد فرق في الحركة الإسلامية بين متشدد ومعتدل، وأنه يجب تبنى الخيارات الاستئصالية التي تم العمل بها في تونس مثلا، وإن كانت التجارب والعقلاء في العالم، مجمعون على أن الخيار الحقيقي في مواجهة مخاطر التطرف والغلو، هو مزيد من إشراك الحركات الإسلامية المعتدلة ومزيد من فتح الحوار والمجال لها، لأنها بكل تأكيد عامل استقرار أساسي، كما أنها قامت بجهد في تطوير فكر الاعتدال، وإرساء نهج مسار المراجعات الفكرية والسياسية، والدفع بالحركة الإسلامية في عامتها من أجل العمل من داخل المؤسسات والقانون. ثمة ملاحظة مثيرة عندما نقارن بين المغرب ومصر، تتمثل في أنه لمّا عبرت جماعة الجهاد مثلا عن رغبتها في الحوار والقيام بمراجعات شرعية وفكرية لمسارها، رحبت الدولة المصرية بذلك وشجعت عليه، لكن عكس ذلك وقع في المغرب، حين عبّر شيوخ ما يسمى بالسلفية الجهادية عن الرغبة في الحوار، أبدت الدولة ممانعة وصدّت عن ذلك، برأيكم ما السبب في ذلك؟ أعتقد أنه لا يزال هناك بعض الجهات تتمنى، للأسف الشديد، لو كانت الحركة الإسلامية المعتدلة في المغرب كلها متطرفة، حتى تصدق أوهامها وتصدق تمنياتها في أن يكون منطق الدولة في التعامل مع الحركة الإسلامية ه منطق التصفية والإقصاء والاستبعاد، ولكن أعتقد أن الحركة الإسلامية عليها أن لا تقدم لهؤلاء أي سند من أجل ذلك، ومن أجل اختطاف الدولة وأسرها وتوظيفها في خدمة رؤاهم الضيقة فهؤلاء بهذا المنطق لا يفكرون في مصلحة المغرب ولا يهمهم استقراره... هل هناك قضايا لا تزال تحتاج إلى مراجعات أو نقد ذاتي كما تفضلون؟ النقد الذاتي والمراجعة مطلب منهجي لا يتوقف ولا يرتبط بلحظة تاريخية ثم ينتهي، لماذا؟ لأن الواقع يتغير والفكر الإسلامي ينبغي أن يكون فكرا متطورا، ولهذا نعتبر أن من بين الخصائص التي تتميز بها مدرسة حركة التوحيد والإصلاح هي أنها مدرسة تجديدية، فالتجديد مطلب مستمر، التجديد القائم على الاجتهاد الشرعي والسياسي والفكري، في إطار تنزيل مقاصد الدين وأحكامه في واقع متغير.