تشهد أراضي فلسطين الطاهرة عموما و غزة منها خصوصا تطورات متسارعة ، تتجه باستمرار نحو مزيد من إنهاك الشعب الفلسطيني الأبي ، و توقع عليه حصارا قاسيا لمدة ليست يسيرة و لا هينة. غطرسة صهيونية ووحشية، جرائم حرب ومزيد من التدمير و التقتيل و الإرهاب في مختلف أبعاده، لا تمييز بين طفل ولا عجوز ، ولا بين رجل أو امرأة.. أمام هذه المآسي لم نعد نشهد تلك الاستجابة الفورية لا على المستوى الرسمي عربيا وإسلاميا،ولا على المستوى الشعبي .و أنا لا أريد الخوض في الموقف الرسمي لا على المستوى الوطني و لا على المستوى العربي و الإسلامي ،و إنما أود إثارة الموضوع على المستوى الشعبي.كيف صار الشعب المغربي بكل مكوناته و نخبه بطيئا و ضعيفا في إبداء تضامنه إزاء القضية الفلسطينية؟و كيف السبيل إلى تجاوز حالة الموات هذه؟ إن ضمور النفس النضالي التضامني في الأوساط الشعبية دليل على تقصير مجمل التنظيمات السياسية و المدنية القائمة في القيام بدورها التأطيري للمواطن، و أن القضية الفلسطينية لم تعد تمثل لديها تلك القضية المركزية و القومية.بل و أنها غدت قضية ثانوية ،و نتيجة منطقية لضعف الإنتاج الإعلامي و الأدبي و الفني و الثقافي بشكل عام حول القضية، في مقابل هيمنة الأطروحة الإعلامية الغربية الداعية للتطبيع و المتهمة للمقاومة أيا كان مكانها بالإرهاب ،و خاصة إذا كانت ذات مذهبية إسلامية.و خاصة بعد التطورات السياسية التي شهدتها الساحة الفلسطينية إثر مشاركة حماس في الاستحقاقات الانتخابية وفوزها فيها و تشكيلها حكومة تواطأ العالم على حصارها والإطاحة بها، وذلك من خلال محاولة تأليب الشارع الفلسطيني عليها. كما أن خفوت الحس النضالي لدى عامة المواطنين ،و خاصة منهم الشباب ،نتيجة طبيعية لواقعنا التعليمي العاجز عن تكوين مواطن واع بانتمائه و معتز به، هذا الواقع الذي يبدأ بالمناهج و البرامج التي لم تعد تكشف للتلميذ و الطالب حقيقة القضية و الظلم الذي يمارسه الصهاينة الأوغاد و جرائم الحرب التي اقترفوها و لا يزالون،و يمر بواقع المؤسسات التعليمية كفضاءات لأنشطة موازية من شأنها دعم تكوين شخصية الطالب و التلميذ،حيث صرنا نشاهد فراغا داخل المؤسسات التعليمية في هذا المجال،و في أحسن الأحوال ضعفا و ضمورا للمبادرة التلاميذية و الطلابية و ضعفا للحس الإبداعي، بما يسهم في تشكيل وعي عام لدى شبابنا و يسهم في تأهيله للاندماج في الحياة السياسية و الجمعوية بشكل فعال،كما أن القضاء على التنظيمات التلاميذية التي كانت تعرفها الحياة التعليمية و كذا الحصار المفروض على الأنشطة الطلابية الحرة تحت أي غطاء كانت،ليحل التعامل المخزني الأمني مع كل أشكال التكتل التلاميذي أو الطلابي. و يرجع ذلك الضمور في الحس النضالي أيضا إلى ضعف التنظيمات الشبابية و عجزها عن اتخاذ مبادرات باتجاه إحياء قضايا الأمة في الأوساط الشبابية.و ضعفها هذا، من جهة، نتيجة لضعف الأحزاب و الحركات التي تتفرع عنها، و من أخرى، لانشغالها بقضايا/ متاهات لا تعكس القرب من الشباب و قضاياه و لا تترجم ادعاءها بتبني قضايا الأمة و النضال من أجلها. أكيد أن للظروف الاجتماعية تأثيرها المباشر على اهتمامات المواطن بكل فئاته العمرية و الاجتماعية، و لكن المغاربة لم يكونوا من قبل على هذه الشاكلة، كانوا يتألمون لآلام إخوانهم الفلسطينيين خاصة، مهما كانت ظروفهم الاجتماعية،و ذلك بفعل الارتباط الروحي و التاريخي الذي يربطهم بالأرض التي باركها الله،و كانوا يشدون الرحال رجالا و ركبانا و كانوا لا يكتمل عندهم الحج إلى بيت الله الحرام إلا بالحج إلى المسجد الأقصى، و كان منهم العلماء المغاربة المرابطون هناك و كان منهم المجاهدون الذين كانوا أشد بلاء على الصليبيين مما حذا بالقائد صلاح الدين الأيوبي تخصيصهم بأوقاف تمكنهم من الإقامة و المكوث لأداء ما لم يكن غيرهم يقدر عليه... لكننا رأينا كيف أصبح باب المغاربة يهدم و لا من رد فعل ، و شهدنا كيف أن أوقاف المغاربة قد تم السطو عليها و تدميرها و لا من يحرك ساكنا، شهدنا كيف تتزايد الأزمات على الأطفال و النساء و العجائز و لا من يبدي استنكارا و لا احتجاجا... و يزيد من تقليص حجم التجاوب الشعبي مع قضايا الأمة، التعاملٌ المخزني للسلطة و المنع التعسفي للأشكال الحضارية و السلمية والمشروعة عقلا و قانونا، و هي بذلك تعيق هذه الروح لدى الشعب و قد نحتاجها في قضايانا الخاصة كأمة مغربية فلا نجدها، ونحن الآن نعيش على إيقاع محاولات البوليساريو الجبانة في تيفاريتي، و قد شهدنا قبل أيام الإهانة التي تلقيناها جميعا بزيارة مسؤول إسباني لمدننا السليبة في شمال المملكة، حيث كان من المفروض أن نشهد تظاهرات و احتجاجات شعبية تلقائية و عارمة، فلم يكن شيئ من ذلك !! إن إحياء النفس النضالي خخاصة لدى شبابنا خ هو إحياء لنا كأمة و حفاظ على نبضنا إزاء أي عدوان يصيب كياننا المغربي أو القومي، و يتطلب تجند الجميع أحزابا و حركات و منظمات شبابية و جمعوية و حقوقية و مجموعات مساندة ،و تجاوز حالة التحرك وفق أجندات و بعد تلقي إشارات من السلطة،و على السلطة كذلك أن تنفض عنها منطق المنع و الضرب على أيدي المتضامنين المحتجين بالطرق السلمية الحضارية و المشروعة، و يتطلب مراجعة الوضع بالجامعة بيداغوجيا و سياسيا و طلابيا و رفع الحصار المفروض على الطلاب..و أيضا مراجعة منهجية التنشيط الثقافي داخل المؤسسات و جعله نشاطا أساسيا يساهم في بناء شخصية التلميذ و يدربه على اكتساب مهارات اجتماعية و ثقافية ، مما يتطلب إعادة هيكلة هذا العمل و تخصيصه بأطر مشرفة ومتفرغة...كما يتطلب انتفاضة المنظمات و الجمعيات الشبابية بما يؤهلها للاضطلاع بدورها التأطيري للشباب و إشباعه بقيم التضامن الحقيقية. إني بهذه العبارات التي بذلت جهدا لضم شتاتها،أخجل من نفسي عندما أجدني ،أمام ما يعانيه إخواننا في العديد من بقاع العالم و خاصة في فلسطين من تقتيل و تشريد و تدمير و هتك للأعراض،لا أملك إلا قلمي و قلبي الذي يخفق دعاء لهم بأن يفرج كربتهم و يدمر أعداءهم، و لا أملك إلا أن أقول : يا غزة معذرة،يا قدس معذرة ، و يافلسطين معذرة، و مثلي ليس يعتذر .