ليس هناك محل للصدفة في توصيف العديد الأحداث المهمة التي تعرفها منذ بداية سنة 2008 كل من سوريا ولبنان وفلسطين، فهناك تكتلان متعاديان يتصارعان علنا وسرا، وكل ما يحدث يمتلك ترابطا وثيقا ويمكن تشبيهه بالتفاعل الكيمياوي ويشكل فعل وردة فعل. طرف يمثل القوى التي تسعى لإستعادة جزء من حقوق هذه الأمة وترفض الخضوع للإملاءات الأجنبية وهناك في الجانب الأخر تحالف واشنطن وتل أبيب ومن يدور في فلكهما الذين يعملون على فرض شروطهما على دول المنطقة والقضاء على كل قوى الممانعة وتعميم التشرذم الطائفي وصراعاته في سبيل تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير وإعادة رسم حدود دوله ليتم إنشاء 58 دويلة مكان 22 قطرا الموجودة حاليا. بعد مؤتمر أنابوليس الذي انعقد في الولاياتالمتحدة في نهاية سنة 2007، شرعت إسرائيل في العملية الرئيسية لتدمير قطاع غزة والعمل على إسقاط سلطة حماس، وفي ردة الفعل صعدت المقاومة الفلسطينية من حدة ضرباتها، ثم كسرت الحصار وفتحت صمام التنفس على مصر. وردت واشنطن وتل أبيب بتكثيف الضغوط على القاهرة والتهديد بوقف المعونات بل هدد الصهاينة بإعادة إحتلال سيناء، وصعد التحالف الصهيوأمريكي الضغط والتدخل في خاصرة مصر الرخوة أي في السودان. وردت الخرطوم بدعم أقوى للمعارضة المسلحة في تشاد فدخلت قواتها الى نجامينا قبل أن يجبرها تحالف سري فرنسي إسرائيلي أمريكي على الإنسحاب مؤقتا في إنتظار جولة جديدة. وفي لبنان وبعدما كادت الأطراف السياسية المختلفة تقترب من الإتفاق على تسوية تدخلت واشنطن وباريس في اتجاهين وإن لم يكونا متوازيين لفرض شروط فإنهما اسفرا في النهاية إفشال التسوية. وإستمرت مسلسلات التفجير والإغتيال لخلط الأوراق. ونجحت واشنطن اكثر في استقطاب المزيد من القوى اللبنانية لمشروعها الهادف الى ضرب حزب الله وسوريا، ولم يكن صدفة ان يهاجم وليد جنبلاط حزب الله ويهدد بالحرب الأهلية بعد عودته من زيارة مفاجئة لواشنطن اكملها بزيارة اخرى الى العاصمة السعودية الرياض التي تميل الى تأييد حلفاء واشنطن في بيروت، كما لم يكن من عادة سعد الحريري ان يحرض على سوريا وايران في تصريحات اكثر شراسة لولا ان الاثنين يحظيان بدعم مباشر من التحالف الغربي. مسلسل الفعل ورد الفعل طويل ولا مجال هنا لعرضه بالتفصيل، ولكن ما حدث في الأيام العشرة الأخيرة يعطي مؤشرات على ان تطورات خطيرة في طريقها الى الوقوع. يوم الثلاثاء 12 فبراير نجحت واشنطن وتل أبيب في إغتيال القائد العسكري في حزب الله عماد فايز مغنية في دمشق وذلك 24 ساعة قبل تجمع ما يسمى قوى الأغلبية في بيروت في ذكرى إغتيال الرئيس اللبناني السابق رفيق الحريري والذي كانت بعض القوى ترغب أن ينجم عنه احتكاك عنيف جديد يكون كفيلا بإشعال نيران الحرب الأهلية بعد فشلها في تحقيق ذلك خلال مظاهرات بيروت الأخيرة وسقوط 9 قتلى فيها من قوى المعارضة. بعد إغتيال مغنية بساعات قليلة والذي علقت عليه إدارة البيت الأبيض بأن العالم أفضل بدونه، اعلن الرئيس الامريكي جورج بوش قراره تشديد العقوبات الامريكية على سوريا من خلال استهداف مسؤولين متهمين بالفساد الرسمي وهو ما يعني حسب إدارة بوش معارضة السياسة الأمريكية كما اتهم دمشق بزعزعة الاستقرار في العراق ولبنان. واعلن بوش قراره تجميد عدد اكبر من الاصول السورية عبر أمر تنفيذي ورسالة الى الكونغرس الامريكي، لكن ايا من هاتين الوثيقتين لم تذكر اسماء المسؤولين المستهدفين. وهم اشخاص متهمون بأنهم مسؤولون عن، ومتورطون في، وبأنهم سهلوا او امنوا منافع نجمت عن الفساد الرسمي الذي مارسه كبار المسؤولين في الحكومة السورية . وكتب الرئيس الامريكي ارغب في ان اشدد ايضا على مخاوفي الحالية المتعلقة بالدور المزعزع للاستقرار الذي تستمر سوريا في الاضطلاع به في لبنان عبر محاولاتها لعرقلة العملية الديموقراطية اللبنانية عبر التهديد والعنف . وقال المتحدث باسم البيت الابيض غوردون جوندرو ان القرار يوسع ايضا اطار مجموعة الاشخاص الذين يمكن ان تشملهم العقوبات لاشتراكهم في اعمال وقرارات للنظام السوري تنسف جهود تثبيت الاستقرار في العراق بما فيها افعال او قرارات تتيح استخدام الاراضي السورية لهذه الغاية . واضاف في بيان ان الحكومة الامريكية ستسارع الى وضع لائحة بالمسؤولين المستهدفين. واوضح المتحدث على رغم ان الحكومة السورية حققت بعض التقدم في مواجهة الارهابيين ، فان سوريا تبقى نقطة العبور الرئيسية للارهابيين الى العراق . واعتبر ان دمشق يمكن ان تثبت حسن نيتها لمساعدة الحكومة العراقية على سبيل المثال من خلال التشدد في منح التأشيرات. خطوة اخرى في المعركة والبقية تأتي. في إسرائيل وضعت القوات في حالة إستنفار قصوى ويجمع المحللون العسكريون في الكيان الصهيوني، والذين كانوا يتولون مناصب عليا في الجيش، على أن رد حزب الله اللبناني على اغتيال قائده العسكري عماد مغنية، آت لا محالة، مسلمين في الوقت ذاته بأن الرد لن يكون إلا بعملية تليق بوزن مغنية، غير مستبعدين وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك، على اعتبار أنه بوزن وزير الدفاع للحزب. لكن الفرق هذه المرة بين ردود حزب الله في السابق على اغتيال قادتها وبين الرد المتوقع، والذي هو مسألة وقت فقط، هو أن الكيان الصهيوني يعلم علم اليقين أن ما لدى حزب الله من قوة عسكرية وعتاد وسلاح وصواريخ تفوق ما كان لديه في السابق؛ وحرب يونيو سنة 2006 في جنوب لبنان، والتي قادها مغنية وغيره من عسكري الحزب باقتدار، وهزم فيها الجيش الذي لا يقهر من جديد، ليست ببعيدة عن ذاكرة الصهاينة التي باتت الهزيمة فيها محفورة فيها.