من الغريب أن نستهل السنة الحالية بسؤال تأملي يثير الدهشة والحاجة للتأمل في آن، فالسؤال الذي صاغه (غراهام فوللر) في عدد يناير- فبراير 2008 من مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية تحت عنوان عالم بدون إسلام، والذي طرح في صيغة تأملية تحاول إعادة بناء ورسم الصورة القائمة عن الإسلام في الغرب، والتي تتميز بالقتامة والسوداوية. لقد لجأ فوللر إلى التاريخ ليعبر عن فكرته من خلال تأمل يستعمل أداة تحليل غير تاريخية البتة، إذ لو عكسنا النموذج المعرفي الثاوي في عبارة عالم بدون إسلام، لكنا أمام تساؤل تأملي مفاده: ماذا لو لم يوجد الإسلام في العالم؟ ماذا لو كانت الأديان الأخرى فقط هي الموجودة تاريخيا؟ وماذا لو تصورنا شرق أوسط بدون الإسلام؟ إن هذه الأسئلة التأملية دفعت بصاحبها، إلى العودة إلى الواقع القائم لإجراء مقارنة تعينية؛ فهل سيخلو العالم من الحروب الجهادية بدون الإسلام؟ وهل سيسود التناغم بين الشرق والغرب؟ وهل سيخلو من الإرهاب ومن صدام الحضارات؟ وهل كانت هجمات 11 سبتمبر ستحدث؟ ثم هل سيكون الشرق الأوسط حينها ربيعا ديموقراطيا؟ هكذا تتناسل أسئلة لو، وكما نكتشف من خلال إجابات فوللر على هذه الأسئلة الافتراضية التي تعيد النظر في السير المتعين، فإننا أمام رؤية للإسلام ولتاريخه أكثر موضوعية مما يقدمه به بعض أبناءه، فالإسلام ليس مصدر المشكلة في العالم وإنما عوامل أخرى أعقد وأعمق. وهنا يمكن ان نقدم البنية الحجاجية لفوللر على منطلقه المعرفي السالف؛ لو لم يكن الإسلام لدان معظم سكان الشرق الأوسط بالمسيحية الأرثودوكسية المعادية للغرب البروتيساني؛ ولو لم يوجد الإسلام فإن الحملات الصليبية على الرغم من ذلك ستستهدف الشرق الأوسط لأن هدف تلك الحملات استعماري والدين قناع لها فقط؛ كما أن فوللر يؤكد أنه في غياب الإسلام فإن الديموقراطية قد تغيب، لأن الغرب المسيحي عرف أيضا ديكتاتوريات قاسية، مضيفا بأن المفكرين المسلمين بشروا بالنهضة منذ مطلع القرن العشرين؛ كما أنه لو لم يوجد الإسلام فإن المشروع الصهيوني سيكون، وأن إسرائيل ستتصرف بنفس طريقة تعاملها مع الفلسطينيين المسيحيين تهجيرا وتشريدا، لأن إسرائيل لا تفرق في سوء معاملتها بين المسلمين والمسيحيين؛ من جهة أخرى اعتبر فوللر بأن الإرهاب لا دين له، فلو لم يكن الإسلام سيكون إرهاب عصابات اليهود ضد البريطانيين في فلسطين، وإرهاب نمور التاميل وغيرها من أشكال الإرهاب وألوانه. وعلى العموم فإن كل هذه التأكيدات التي تستعيد التاريخ في قالب حكائي وصفي مرآوي، تنطلي على خلاصة أساسية وهي أن الإسلام شكل تاريخيا عنصر وحدة وقوة عقائدية عالمية صنع حضارة لها قيم مشتركة في تصور العدل والحرية والكرامة لم نكن لنعرفها بدون ظهور الإسلام، كما انه شكل قوة ثقافية وأخلاقية عميقة ساهمت في ردم الهوة الإثنية والعرقية لشعوب المنطقة وجعلها تشعر بالانتماء لمشروع حضاري واحد. نعم، هكذا يلخص فوللر مقالته؛ لو لم يكن هناك إسلام لوجد المظلومون والمقاومون للاحتلال أسبابا أخرى. قد تتباين القراءات لمقالة فوللر، بين من يرفضها أصلا، لأن السؤال عن عالم بدون إسلام سؤال في حد ذاته غير مقبول من الناحية الأخلاقية، لكن قد يستقبله آخرون بترحيب وإشادة، وقد ينطق البعض بلغة آنشطاين ويقول: لقد وجدها. لكن المشكلة ليست في الرفض أو القبول، أو في البحث عن الذات في منطق عقلاء الغرب ومجانينهم، بل المشكلة أن الواقع لا يرتفع إلا برفع الظلم والعدوان على أمتنا الأبية، واستعادة مجدها وعزتها، ولن يكون ذلك بالانتصار لأطروحة فوللر أو رفضها، بل بصياغة أطروحة تنطلق من حقائق التفسير التاريخي الحضاري لتتبلور في منحنيات التفسير الجيوبوليتيكي. قد تحضر الجيوبوليتيكا في منطق رجل الاستخبارات السابق ويغيب التاريخ في منطق أستاذ التاريخ بجامعة سايمون فريزر، وقد يكون العكس. لكن بالنسبة لأمتنا ينبغي أن يحضرا معا، لنطرح بصوت واحد أسئلة من قبيل: عالم بدون ظلم، وعالم بدون عنف، وعالم بدون جشع، وعالم بدون إسرائيل...