لاحظ كل من حضر المعرض الدولي الرابع عشر للنشر والكتاب بالدار البيضاء، لوحة تحمل الكثير من الرمزية رسمها الأطفال الزائرون لأروقة المعرض، وقد داعب الفضول أنفسهم لاكتشاف الكتب، والانبهار الذي يحفهم ويكاد ينط من أعينهم الصغيرة المتطلعة للكتب وللكتّاب الذين لايرونهم إلا على أغلفة كتبهم أو على شاشات التلفاز. نعم، حضر الأطفال في رحلات نظمتها المدارس والجمعيات، وأتوا أيضا رفقة آبائهم، وألحوا ألا يغادروا دون أن يقتنوا كتبا خاصة بهم. وعلقت بذاكرتي صورة طفل، قال لأمه بحزن جلي إنه كان يرغب في الحصول على كتب أكثر كما صديقه. قال هذا وأصابعه الصغيرة تمسك بحرص على كيس بلاستيكي مملوء بما اقتناه. إن من يتأمل مثل هذه المشاهد، لايمكنه إلا ينظر بعين الرضى والاطمئنان إلى مستقبل القراءة، ويعرض ما ينظّر له البعض من أن هناك أزمة قراءة في المغرب معرض شك، مع أنها قائمة، إلا أن أحدا لايمكن أن يلقي كل اللائمة على المتلقي فقط، وهو الحلقة المبعدة والمغيبة عن كل نقاش، لأجل ذلك جعل مشجبا، تعلق عليه الأزمة دون أن يأخذ رأيه ويسمع صوته. صحيح أن هناك أزمة في المغرب، وهي أزمة كتاب وليست أزمة قراءة، وصحيح أيضا أن القراءة جزء من هذه الأزمة وليست مختزلة لها، كما النشر والكتابة في حد ذاتها، والتوزيع، والتسويق والإخراج، والوصول إلى القارئ المفترض، وعلى جميع الفاعلين والمتدخلين في صناعة الكتاب أن يتقاسموا مسؤولية الوضع المزري وانكماش الكتاب وحضوره بشكل موسمي ومناسباتي، وأضحى من غير المقبول أن يتحمل القارئ المفترض والمتلقي المسؤولية كاملة دون مشاركة الأطراف الأخرى. وحتى من يتعلل بأن الكتاب مكلف في ظل الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تعانيها جل الأسر المغربية محدودة أو متوسطة الدخل، يرى عذره هنا غير مقبول إذ أن الكتب المشرقية والغربية في المعرض بيعت بأثمان تعادل 3 أضعاف قيمة الكتب المغربية. المشكلة إذن ليست ارتفاع ثمن الكتب وإنما هناك شيء آخر. بعض المحسوبين على الثقافة في المغرب، ومن بينهم بعض الكتاب للأسف، لايقرأون كثيرا، وحتى أولئك الذين يساهمون في صناعة الكتاب لايقرأون وإن امتلكوا مكتبات عريضة طويلة تزين بيوتهم، يعرضونها بكثير من الافتخار أمام زوارهم، وأضحت مثل علامة على الثقافة يلبسها المثقف كما الشال والبرنيطة التي يصر بعض الكتاب على الظهور بها، ربما كماركة مسجلة للكتاب.