لا يخفى على أحد أهمية الفن في تشكيل الذوق العام، وترسيخ القيم الخالدة، قيم الجمال والخير والإبداع، وكذا قدرته على عكس اهتمامات الناس والتعبير عن واقعهم ومعاشهم. والملاحظ في السنوات الأخيرة أن هناك اتجاه حثيث نحو تشويه رسالة الفن وتحريف معانيه، من خلال احتلال الفضاء العمومي بأنواع فنية لا تمت بصلة لثقافة المجتمع، بل هناك عملية مسخ حقيقية لترات المغاربة وتقاليدهم، وفي هذا الإطار يقول الفنان والمسرحي عبد الكريم برشيد أن الفن ارتبط عبر مراحل التاريخ المختلفة بالقيم الإنسانية الجميلة، فالخير خير والجمال جمال، فهي قيم إنسانية خالدة نابعة من نظام أخلاقي متوارث جيلا عبر جيل، بل إن المتأمل في تاريخ الفنون يخرج بخلاصة أن الأشكال الإبداعية من نحت وترانيم وإنشاد ديني خرجت من داخل المعابد، إذن هناك تفاعل ما بين قيم المجتمع وفضاءاته والفن. إن المتتبع للحركة الفنية ببلادنا، يلاحظ بجلاء أن هناك ممارسات إقصائية في حق أصوات بعينها وفي حق تعبيرات مغايرة، بل هناك من يمارس الاستبداد الذوقي أو القهر الفني، من خلال التمكين في وسائل الإعلام والفضاءات العمومية لأشكال فنية غريبة عن ثقافة المجتمع وتقاليده، بل معزولة عن همومه وقضاياه، بل غالبا ما يصاحب الأداء الفني لهؤلاء، ممارسات وتصرفات ضمن طقوس العري والفحش، بل يعطي الفضاء الشرعية للممارسات منافية للقانون من قبيل تناول المخدرات وشرب الخمور، وبطبيعة الحال فهذه المهرجانات مدعومة بسخاء، وتعرض منتقدها لهجوم شرس بكل ألفاظ قاموس الرجعية والتخلف والظلامية. ويقول برشيد أن القبح هو شذوذ مرضي، فهناك الفن واللافن، والذين يدعون غير ذلك مصابون بعمى أو حول ويضيف برشيد أن أصحاب هذه الدعوات هم ضد الحضارة والتمدن، بل يؤسسون لهمجية جديدة بأشكال وأدوات حديثة، الفن بطبيعة الحال هو منها بريء. وغير خفي الأهداف التجارية والمالية وراء مثل هذه الأذواق التي أصبحت ترعى وتمول من طرف مؤسسات اقتصادية ضخمة، بل منها من تحول إلى مؤسسات وجمعيات، وبطبيعة الحال تسخر كل وسائلها وعلاقاتها للحفاظ على هذا السوق المربح ماديا، لكن يرتب واقعا استهلاكيا مضاد لقيم العمل والعطاء، يقبل بالجاهز ويعمل على تحقيق اللذة وعيش اللحظة، بما يحقق المتعة الفردية دون الأخذ بعين الاعتبار مال الجماعة أو الأمة. ويرى برشيد أن ما يقع يعكس الأمركة العالمية، وهو مجرد تقليد من داخل الطابور الخامس لثلة من المرتزقة، وهو ما يعاكس لحيوية الحياة والإنسان، وتغليب لحرية الفرد على حرية الجماعة والملاحظ أن هؤلاء يعتمدون التراث الفني المغربي الأصيل، ضمن أعمالهم الفنية في محاولة هجينة لاكتساب شرعية مفتقدة، وهي على كل حال تأتي كما يرى برشيد ضمن المحولات الحثيثة لتحويل الثقافة المغربية إلى بضاعة لتقدم إلى الأجنبي كفلكلور عجائبي، بحيث يتم إفراغ ما راكمه المغاربة عبر قرون من محتواها الإنساني والفني، ويضيف برشيد أن التجديد ليس هو إضافة مصعد كهربائي إلى مسجد الكتبية، بل التجديد هو الحفاظ على القديم مع إضافة الجديد من روح القديم.