نشرت بعض الصحف أخيرا بيانا موقعا من عدة شخصيات سياسية وإعلامية وثقافية وجمعوية بعضها محترم ، وبعضها الآخر معروف بشطحاته الإعلامية المنطلقة من خط تحريري قوامه مواجهة ما يسمونه بالطابوهات التي حددوها في ثلاثة : الجنس والدين والسياسة ( أي الثوابت الوطنية وعلى رأسها النظام الملكي ) . بعض هؤلاء مفكرون وفنانون محترمون وبعضهم الآخر مفكرون أو فنانون من الدرجة الثانية أو الثالثة ومن فناني البوليفار أو فناني الرصيف أو ممن يتهافتون على إنتاج أفلام من قبيل لحظة ظلام و:وداعا يا موشي لأنها هي المدخل إلى قلب ماما إسرائيل وماما أروبا وماما أمريكا واستدرار دعمها مهما تكن رديئة من الناحية الفنية . البيان المذكور اتخذ له أصحابه عنوانا جميلا يغري في البداية بالانخراط ضمن لائحة موقعيه وهو: نداء من أجل الدفاع عن الحريات الفردية لولا أنه تضمن بعض المغالطات التي لم نكن نتصور أنها ستنطلي على كثير من الشخصيات المحترمة التي وقعته ، ولولا تحريفه لمفهوم الحريات الفردية لدرجة تجعل منها مطابقة للإباحية، ولولا تحريفه لمفهوم الحريات الفردية كما هي معرفة ومحددة في الشرعة الدولية المفترى فجمع بين سيئة الافتراء المعرفي والفكري إلى سيئة الافتراء السياسي . كان من الممكن أن ننخرط ضمن لائحة الموقعين لولا أن صاحب تيل كيل و نيشان الذي يبدو أنه هو صاحب المبادرة ، والمعروف بمواقفه في استفزاز المشاعر الدينية للمغاربة والاستهزاء بشعائرهم مثل شعيرة عيد الأضحى وشعيرة الصيام والمستميت في الدفاع عن الحق في الشذوذ ، والحق في المجاهرة به إلى غير تلك من الفلتات التي كان آخرها الملف السخيف حول النكث التي تستهزئ بالله والملائكة والنبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، كان ذلك ممكنا لولا أن فيهم سيدة معروفة إعلامية في القناة الثانية معروفة المواقف والارتباطات ، ومعرفة المعارك التي خاضتها بالنيابة وبأموال الشعب عن جهات معروفة الخلفيات والمقاصد. كان من الممكن ذلك لولا أن صاحب نيشان قد أعلنها بوضوح وجعل من القضية معركة موجهة ضد القيم تحت ذريعة مواجهة المتطرفين ، ولولا أن البيان قد تحول إلى حملة تحريض وتهييج للدولة ضد مواطنين عاديين ـ قد نتفق أنه ما كان لبعضهم أن يتجاوز التظاهر السلمي وينزلق في بعض الأعمال التخريبية المدانة مهما تكن الدوافع نبيلة ـ وتشكيك في الأحكام القضائية الصادرة ، فيما يشبه الإرهاب الفكري الجديد المتدثر بدثار الحداثة وادعاء الغيرة على الحريات الفردية ، وهو الوجه الآخر من أوجه التكفير على اعتبار أن التكفير إنما هو آلية فكرية تقوم على إخراج المخالف من الجماعة أو الملة سواء تعلق الأمر بالجماعة أو الملة الدينية أو السياسية . كان من الممكن أن نكون من الموقعين عليه لولا أن الذين تولوا كبر هذه الفكرة ويقفون وراءها لم يصوغوا البيان بمنطق خلق وعي جماعي وتعبئة وطنية من أجل أن يصطف المغاربة بجميع توجهاتهم الفكرية ومشاربهم السياسية من أجل الدفاع عن الحريات الفردية بصح وصحيح كما يقال ، وإنما صاغوه بمنطق الفتنة والاصطفاف والتحريض أي بمنطق الفتنة وتهديد السلم الاجتماعي ومنطق محاكم التفتيش الذي يزعمون أنهم قاموا ضدها . الحريات الفردية والجماعية حق شرعي لكل المواطنين ولا يسع المرء إلا أن يكون من المطالبين باحترامها، ومن هذه الزاوية فإننا لا نختلف مع النداء في شقه هذا، وفي جوهر مطلب الحريات التي صانتها شريعتنا ، أما وأن يتعدي المطلب إلى ما لا يقبله ذو فطرة سليمة، وعقل رصين فالأمر يختلف تماما، فأن يدعي أحد الموقعين أن ما حدث في القصر الكبير قضية عادية وأن الممارسة الشاذة لم تقع أمام أنظار العامة، ويغض الطرف عن الممارسات الاستفزازية التي أحدثها المقيمون للحفل بطقوسه العرسية، خصوصا وأن زعيم القضية معروف بشذوذه في المدينة وأحد تجار الخمور بها. بل وأن تثار هذه القضية في موضوع النداء أصلا، فقد اتضحت الأهداف والمرامي، وكل محاولات الالتواء خلف قضية الحرية لن تجد أصحابها نفعا.