هل يمكن أن تحدثنا عن بداياتك الأولى؟ ولدت بمدينة مراكش سنة 1961 من أب أمازيغي قاوم الاستعمار إلى جانب أترابه من أبناء الحركة الوطنية، انتمى إلى حزب الاستقلال ثم الجامعات المتحدة بعد انشقاقها عن الحزب والتي شكلت فيما بعد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقيادة المهدي بن بركة ومولاي عبد الله إبراهيم الذي كان يمثل الجناح المعتدل داخل الحزب بنبذه لأعمال العنف التي كانت تنسب بين الفينة والأخرى لأعضاء في الحزب أو متعاطفين معه. كان الوالد متأثرا بخط المرحوم مولاي عبد الله إبراهيم الذي كان يعقد بعض اجتماعاته مع أطر الحزب في بيتنا بالقصبة بمراكش ، كان الإتحاد الوطني يضم في صفوفه بعض الأفراد المتنطعين الذين كانوا يهيئون لعمل ثوري من أجل قلب النظام من وراء ظهر عبد الله إبراهيم ضدا على منهج المشاركة والاعتدال الذي كان يبنيه رحمه الله، تلك الأعمال ستؤدي إلى اعتقال الوالد في مطلع الستينات أربع مرات بتهمة تمويل تلك الجماعات المتطرفة ! وهي اتهامات عارية عن الصحة كما أكد لي الوالد؛ هذه الأعمال كانت تؤشر على اختلاف جوهري في صفوف قيادة الحزب ستؤدي إلى انشقاق آخر في مطلع السبعينات سيفرز الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بقيادة عبد الرحيم بوعبيد. بقي الوالد وفيا لخط مولاي عبد الله إبراهيم رحمه الله، هذا الأخير الذي ما فتئ يزورنا في البيت إلى مطلع التسعينات حيث أتاح انتمائي للحركة الإسلامية عقد لقاءات تواصلية له مع أحد قيادات الحركة الذي سيعمل على تمتين هذه العلاقة والتي كادت تسفر عن عمل مشترك بين حركة الإصلاح والتجديد والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لكن هذه المبادرة أجهضت بعد إعلان التعاقد بين الإسلاميين والحركة الشعبية بقيادة الدكتور الخطيب، وهذا الحدث مما تغفله أدبيات الحركة بالرغم من أنها حقيقة تعرفها أغلب القيادات. أما الوالدة فهي أيضا من أصل أمازيغي من أسرة عريقة في العلم والزهد، والدها العلامة محمد بن المؤقت المسفيوي أصلا المراكشي نشأة، صاحب المصنفات العديدة في الفقه والأدب والتاريخ والاجتماع والتوقيت، توفي رحمه الله سنة 1949 م وهي لم تتجاوز خمس سنوات، ومن الذكريات التي ما زالت تحتفظ بها عنه، أنه خرحمه الله- كان يوقظهم للصلاة فيطيل بهم حتى ينامون ! فإذا بلغ التشهد الأخير، أيقظتهم جدتي فيسلمون معه ! معنى هذا أن التدين والعلم اكتسبته من البيت؟ كان بيتنا يضم بعض مؤلفاته التي كان لها تأثير مباشر في تكويني العلمي أهمها مؤلفه الشهير في الفقه سبيل السعادة في معرفة أحكام العبادة والذي تجاوز عدد طبعاته بلبنان الأربعين طبعة، قرأته مبكرا فتكونت عندي ملكة في الفقه، لأنه يذكر المسألة وأقوال الفقهاء على المذاهب الأخرى فيها ثم يرجح غالبا مذهب مالك رحمه الله،كما كان الوالد يشجعنا أنا وشقيقي الأكبر على ختم القرآن مقابل خمسين درهما للواحد وهو مبلغ مرتفع في مطلع السبعينات،فكنت أعتكف وأنا طفل على ختم القرآن تلاوة فلا أخرج من الغرفة إلا لضرورة ،وكان هذا سببا رئيسيا في توطيد علاقتي بالقرآن فيما بعد. أيضا من الكتب التي كان لها تأثير في مساري العلمي كتاب تلبيس إبليس لابن الجوزي، أهداه لي أحد جيراننا إذ لاحظ تعهدي للمسجد في سن مبكرة وكان هو من الإخوان المسلمين الذين فروا من سوريا بسبب اضطهاد النظام لهم. تأثرت أيضا بكتاب ديكارت مقال في المنهج قرأته وأنا دون العشرين من عمري وكبر في عيني هذا الفيلسوف الذي يثبت وجود الله بالمنطق الرياضي الصارم ! كانت مراكش قلعة كبيرة لليسار، ألم يحدث أن تأثرت بأدبياتهم؟ كان للقراءات الأولية والتربية الدينية التي تلقيتها أثرها في الحيلولة بيني وبين الإلحاد الذي انتشر في السبعينات بالثانويات جراء المد الماركسي اللينيني والذي اختطف معظم أصدقائي وزملائي؛ وكان شقيقي الأكبر على علاقة وثيقة بالجيل المناضل من هؤلاء فكانوا يحيون في بيتنا أمسيات شعرية وأدبية وينظمون محاضرات، وكنت أحضر معهم تلك المطارحات الفكرية ولكن الوالد بحسه السياسي كان يراقب عن بعد تحركاتنا ويحذرنا من الغلو في نقد النظام أو نهج مسلك العنف، الشيء الذي سينعكس إيجابا على اختياري الانضمام للجماعة الإسلامية بقيادة عبد الإله بنكيران فيما بعد بالرغم من الاتهامات بالعمالة التي كانت توجه إليه بغير وجه حق اللهم اختياره وبعض أقرانه الانخراط في العمل من داخل المؤسسات والتبرؤ من المسلك الانقلابي الذي تبناه عبد الكريم مطيع مؤسس الشبيبة الإسلامية. كيف بدأ مسار الارتباط بالحركة الإسلامية؟ سافرت إلى فرنسا سنة 1983 لإتمام دراستي تخصص رياضيات رفقة بعض الأصدقاء الماركسيين كانوا زملائي في الدراسة الجامعية بمراكش، وكنت الوحيد المتدين بينهم، وكانوا يحترمون معتقداتي، وأذكر أن أول ما وطئت قدماي أرض فرنسا بعد نزولي من الطائرة رفعت رأسي إلى السماء ودعوت الله بهذا الدعاء : اللهم إنك تعلم أني ما وطئت هذه الأرض إلا طالبا علما فعلمني. ففتح الله علي بابا للتخصص في أحد ميادين الرياضيات حتى تفوقت فيه على أقراني ونشرت فيه أبحاثا عميقة في دوريات عالمية (اثنين منها وقعهما قيدوم الرياضيين وإمامهم في فرنسا Schwart Laurant< : وكان المشرفون على تلك الأعمال من الأساتذة المشهود لهم برسوخ القدم في هذا العلم يتعجبون للسرعة التي كنت أعالج بها قضايا علمية بالغة التعقيد وكانوا يتحدثون بذلك !. ثم فتح الله علي بابا لطلب علم الآخرة، هناك في بلاد الغرب، حيث تعرفت من خلال صلاة الجمعة بمسجد المدينة (مونبولي) على ثلة من الإخوان جاؤوا في نفس السنة من نفس المدينة (مراكش) جاؤوا على قدر، ومن غير ميعاد !. كان أغلبهم يسكن نفس الحي الجامعي، فبدأوا بزيارتي بالغرفة التي كنت أتقاسمها وصديقي الماركسي، فدلوني في البداية على قاعة كانوا يؤدون فيها صلاة الجماعة، وبعد أن لاحظوا مواظبتي على صلاة الفجر دعوني لجلسة أسبوعية كان يدريها شيخ في العلم لا يكبرنا إلا ببضع سنوات، هو اليوم أستاذ مادة الفيزياء بكلية العلوم بمراكش، حامل لكتاب الله، تلقى أصول العلوم الشرعية بدار القرآن بمراكش قبل رحلته إلى فرنسا، وهو من الأذكياء النادرين، هادئ الطبع لا يكاد يغضب، سديد الفهم، إنه أستاذنا فؤاد الدباغ ، أخذت عنه علم التجويد (قراءة نافع برواية ورش من طريق الأزرق المشهورة عند المغاربة) والفقه من نيل الأوطار للشوكاني وأصول الفقه لعبد الوهاب خلاف وأبي زهرة وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي والسيرة لابن هشام والشيخ الغزالي. وكنا ننظم قيام الليل مرة أو مرتين في الأسبوع -من غير إلزام- ولقاء شهريا يتخلله إفطار جماعي ومدارسة كتاب أو بحث في العمل الإسلامي: اللقاء الذي كان يجمعنا بأفراد من جلسات أخرى منهم إخوة فاس وكانت لهم علاقة بجمعية الدعوة والشاهد البوشيخي فيما أعتقد، وكذا إخوة ينتمون لأسرة الجماعة بقيادة عبد السلام ياسين ،وكنت الوحيد الذي يحضر جلستين:الأولى مع إخوة مراكش والثانية مع إخوة فاس فأضحى تكويني سلفيا/إخوانيا... وكنا نتعاطى مع كتب الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله وسيد قطب ومالك بن نبي رحمهما الله، وكنت ألتهمها التهاما، ثم كان هناك لقاء سنويا عبارة عن مؤتمر لتنظيم الرابطة الذي كان يترأسه الشيخ عصام العطار أحد كوادر الإخوان المسلمين وقادتهم البارزين المضطهدين في سوريا وكنا نحضره. وكنت أرى مجلة المجاهد التي يصدرها مطيع أمام المسجد ولم يتيسر لي الإطلاع عليها بخلاف مجلة الجماعة التي يصدرها عبد السلام ياسين فقد تصفحت بعض أعدادها. وكيف تحول مسارك الحركي حين رجعت إلى مراكش؟ بعد عودتي إلى مراكش بدأت أتعامل مع كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وعظم هذا الأخير في عيني حتى لا أرى مثله في الدنيا !!حاشا الأنبياء وحوارييهم... بعد خمس سنوات من التحصيل العلمي بفرنسا عدنا إلى مدينة مراكش وكلنا أمل في الانخراط في العمل الإسلامي إلى جانب مساهمتنا في تطوير البحث العلمي بالمختبرات المغربية، واحتفظت بذكريات عزيزة من بلاد الغرب غير التي يذكرها الزائر لتلك البلاد. ففي تلك البلاد تعلمت القرآن ودرست الفقه وأصوله وتشربت العقيدة الإسلامية وانخرطت في العمل الإسلامي، وحرزت أعلى الشهادات في الرياضيات، وتعرفت على زوجتي الأولى هناك، وأجريت لي عملية جراحية على القلب المفتوح بنجاح بعد مرض مزمن دام أكثر من ثمانية عشرة سنة ! والحمد لله من قبل ومن بعد. ومن الذكريات التي ما تزال عالقة بذهني حضورنا المكثف بإحدى الكنائس بمونبوليي ألقى فيها قس محاضرة عن الإسلام، وكان كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، صلينا عليه بصوت واحد ترتج له القاعة، فيتعجب النصارى لذلك، وبعد انتهاء المحاضرة رحبوا بنا في قاعة الصلاة بالكنيسة فكانت أول مناسبة أرى فيها التصاوير والصلبان والتماثيل داخل الكنيسة، ودخلنا معهم في حوار شيق دام ساعتين تقريبا، وقلنا لهم هل تتيحوا لنا فرصة لاستدعاء من يحاضر عن الإسلام بنفس القاعة، فاقترحوا الباحث محمد أركون فضحكنا !ثم أتاحوا لنا الفرصة بعد أسبوع أو أسبوعين فتكلم أحد الإخوة اللبنانيين يتقن الفرنسية. ومن ذكرياتي بفرنسا أيضا أن بعض الإخوة التونسيين دعوا إلى محاضرة في قاعة عمومية، وما أن توسط المحاضر في كلمته حتى اقتحم البوليس القاعة مصحوبين بالكلاب البوليسية وطلبوا منا إخلاء القاعة لأنهم تلقوا مكالمة هاتفية من مجهول يخبرهم بوجود قنبلة بالقاعة فأخلينا القاعة بهدوء، ولم يعثروا على شيء .! وفي أواخر مقامنا ببلاد الغربة بدأت بوادر فتنة الحبشيينتطفو على السطح،وهم لبنانيون طرقيون متعصبون لشيخهم تكفيريون، يكفرون شيخ الإسلام ابن تيمية والدكتور يوسف القرضاوي؛ولما عدت إلى فرنسا بعد عشر سنوات في إطار علمي،وجدتهم قد سيطروا على المسجد الرئيسي بالمدينة،وأثناء خطبة الجمعة استدل الإمام بحديث الشفاعة على جواز الاستغاثة بالأموات فانتظرت انصراف المصلين ثم جلست إليه- وكان يحترمني- فناقشته في موضوع الاستغاثة أمام مريديه بما لا قبل له بدفعه هو ولا غيره.فلما انتهت المناظرة طلب مني أن أعود ليطلعني على مشروع أطروحة تجاوز الألف صفحة بزعمه يرد فيه على ابن تيمية، ورحم الله امرءا عرف قدره فوقف عنده. كيف تم لك الانخراط في الجماعة الإسلامية بالمغرب وأنت بهذه الميول السلفية؟ في أواخر الثمانينات وبعد عودتنا إلى مراكش بدأنا نفكر في الكيفية المثلى التي يمكن من خلالها ممارسة العمل الإسلامي خصوصا أننا لم ننخرط في أي تنظيم عالمي رغم مشاركتنا في المؤتمر السنوي للإخوان المسلمين بفرنسا. كان أمامنا جماعة الشيخ عبد السلام ياسين والجماعة الإسلامية ودار القرآن، فبدأنا بمدارسة مشروع الشيخ عبد السلام ياسين من خلال مجلة الجماعة التي كانت توزع أمام المسجد بمونبوليي، واصطدمنا بالعمق الصوفي الذي يقوم عليه المنهج التربوي عند الشيخ، فيممنا وجوهنا شطر الجماعة الإسلامية، ولما لم نعثر على أدبيات مكتوبة للجماعة،اتصلنا بالأستاذ أحمد عبادي فقبل مشكورا الدعوة، وعقدنا معه عدة جلسات، وكانت الإشاعة بالعمالة حول رئيس الجماعة عبد الاله بنكيران قد فعلت فعلها في صفوف الإخوان، وكان الأستاذ عبادي يفند تلك الشبهات ويؤصل للعمل الدعوي من داخل المؤسسات القائمة، وكان صاحب حجة ورأي راجح، فضلا عن أدب جم قل نظيره، فتأثرت لكلامه، وأسررت له اقتناعي بالعمل في صفوف الجماعة، فطلب مني أن أثريت إلى أن يقتنع الآخرون فنعلن جميعا انضمامنا إلى الجماعة، وكنا سبعة أو ثمانية دكاترة في الرياضيات والفيزياء بتخصصات متنوعة. ولكن بعد مدة وجيزة اتضح لي أن المسافة بين الإخوان والجماعة ما زالت بعيدة، فتحينت فرصة رمضان في أواخر الثمانينات لأعلن انضمامي للجماعة الإسلامية ليلة السابع والعشرين رجاء بركتها، لأتصل بالأستاذ العربي بلقايد بعد صلاة التراويح ، ورحب بي الإخوان في صفوفهم وما لبثوا أن قدموني للمسؤولية، فانتخبت في مطلع التسعينات عضوا بمجلس شورى الجماعة الإسلامية، وكان يقدمني الأستاذ عبد الإله بنكيران للحاضرين على أنني سلفي فيما يشبه حملة انتخابية ! وانتخبت مسؤولا عن الجماعة بأكادير بعد التحاقي بالعمل هناك. كيف كانت علاقتك بألستاذ عبد الإله بن كيران؟ في أول جلسة مع الأستاذ عبد الإله بنكيران عرفت أن وجهه ليس وجه كذاب ولا عميل للمخابرات كما يشاع عنه، ولكنه كان يستميت ويبالغ في الدفاع عن المؤسسات القائمة هو ورفيقه في الدرب عبد الله بها مما جر عليهما انتقادات الأصدقاء قبل الأعداء ! تشربت منهج الجماعة الإسلامية بسلاسة بعد الأيام التكوينية الأولى بالرباط التي حضرها قادة الجماعة ومسئولوها في المناطق ودامت أكثر من أسبوع وتنوعت مواضيعها، وكان التأصيل الشرعي للتوجه الجديد متينا واضحا قاطعا مع تجربة الشبيبة الإسلامية بقيادة مطيع والتي لم أنخرط فيها يوما من الأيام، عكس ما ذهب إليه أحد المحللين قبل سنوات بإحدى الجرائد الوطنية من أن أحمد الشقيري الديني أحد مؤسسي الشبيبة وصلة الوصل بينها وبين الدكتور الخطيب !! ولعله اختلط عليه الأمر بسبب تشابه في الاسم مع أحد قادة الشبيبة وهو أحمد الديني !. كيف تمثلت بخلفيتك السلفية العمل الدعوي في هذه الجماعة؟ كان العمل الدعوي من خلال الجماعة الإسلامية أرحب وأوسع مجالا وأكثر مردودية لذا بقيت على اتصال متين بالإخوة الذين عادوا معي من فرنسا وانضم إليهم ثلة من الشباب الخريجين من الجامعة الإسلامية بالمدنية المنورة وأضحوا يشكلون قطبا جديدا بمراكش يوازي معاقل الشيخ بن عبد الرحمن المغراوي خصوصا بعد تأسيسهم لجمعية الحافظ بن عبد البر واتساع دائرة نشاطهم واستقطابهم لأطر علمية وازنة في المدينة. كان هدفي من إبقاء شعرة معاوية معهم انضمامهم إلى حركة الإصلاح والتجديد فكنت أحضر معهم المخيم الصيفي الذي كانوا يعقدونه بأكادير وكانت فرصة للنقاش والمطارحة الفكرية تتجدد كل سنة. لم يكن هناك فرق جوهري في الأفكار والمواقف، وكنت أقول لهم إن السلفية منهج يحمله المرء معه في مرحلة تكوينية إلى مجالات دعوية أرحب، وهو ما تتيحه الدعوة في صفوف الإصلاح والتجديد، وأذكر أنني دعوت الأستاذ محمد الولالي لإلقاء محاضرة بأكادير بين مناضلي الحركة والمتعاطفين معها، وبعد الانتهاء من المحاضرة سألني الإخوان إن كان الأستاذ الولالي منخرطا في الحركة، فلما أخبرتهم بالنفي تعجبوا، لأن الأفكار التي طرحها عبارة عن تأصيل لما هم عليه من المشاركة الإيجابية في إطار المؤسسات القائمة ! وفي إطار التدافع السلمي المبني على فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد. وشهادتي للتاريخ أقول إن هذه الثلة من العلماء بجمعية الحافظ بن عبد البر يشكلون اليوم أركان الاعتدال والتسامح في مدينة يفترض أن تكون ملتقى للتعايش بين الثقافات والأديان والأجناس بعد هذه الهجرة الجماعية للأوروبيين إليها... وإذا كان التضييق على نشاط السلفيين عموما له ما يبرره بعد أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، فإن الانفراج الذي حصل بعدما اتضحت معالم الجهة التي نسبت إليها الأحداث تشوش عليه المضايقات غير المفهومة على بعض العاملين في الجمعية، فقد تم اقتياد الأستاذ محمد الولالي كما أخبرني مقربون منه أكثر من مرة هذه السنة إلى مخافر الشرطة مقيد اليدين معصوب العينين من بيته في الصباح الباكر أمام أهله وأطفاله الصغار من غير أي تهمة تذكر؛ ومن الأسئلة التي تطرح عليه دائما : ما هي علاقتكم بحزب العدالة والتنمية، وكأن الحزب جمعية سرية إرهابية !! ... لقد كنت من الأوائل الذين كتبوا ينتقدون الإعوجاج الذي أصاب المنهج السلفي على أيدي من سميتهم آنذاك بمرتزقة العلم وبينت الفرق بين مدرستين مختلفتين تتجاذبان الساحة الدعوية بمراكش (وقس على ذلك باقي المدن) وأسباب الصراع الدائر بينهما، وأنه غير مسبوق في تاريخ الدعوة السلفية ! نشرت ذلك في مقالين مطولين بجريدة الأحداث المغربية أواخر التسعينات، أي سنوات قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر : المحطة التي أسالت مدادا كثيرا في نقد الحركة السلفية واتهامها بالوقوف وراء التطرف والخطاب التكفيري، ولا زالت من أشد المنتقدين لهذا الاتجاه المنحرف عن المنهج السلفي الصحيح الذي ينتسب إليه المسلمون بفطرتهم: ملة إبراهيم ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه. حاوره بلال التليدي