تارة ها هو بشموخ صومعة مسجد الشهداء بحي المحيط بالرباط، وتارة أخرى لا يستطيع المقاومة بسبب المرض وصروف الزمن. عايش فترات ثلاثة رؤساء للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان من عمر عزيمان مرورا بالراحل إدريس بنزكري وصولا إلى الرئيس الحالي للمجلس أحمد حرزني. إنه عبد العزيز الغماري الذي يبحث عن رزقه بين هاتين المعلمتين الحقوقية والتعبدية، مسجد الشهداء والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، من مواليد 1945 بفاس لم يتجاوز مستواه الدراسي الخامس ابتدائي ليخرج للعمل بالحافلات مساعدا للسائقين، ثم حصل على رخصة سياقة السيارة والحافلة، وعمل عشر سنوات في السياقة لكن حاله انتهى به وهو الأب لخمسة أبناء حارسا للسيارات دون غطاء قانوني، مداخيله ترتفع إذا أتي بالجنائز للصلاة عليها بمسجد الشهداء لتدفن في مقبرة الشهداء القريبة من المسجد، لكنها تكون ضعيفة في غيرها من الأوقات. معلمة أخرى... يكاد عبد العزيز الغماري أن يصبح معلمة أخرى تنضاف إلى مسجد الشهداء ومقبرة الشهداء والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والمجلس الدستوري المحاذية لساحة الشهداء قرب باب العلو، حيث أصبح منظر حارس السيارات مألوفا لدى المترددين على هذه البنايات، وقد يتساءلون في حال غيابه عن السر وراء ذلك، كما وقع في مدة معينة كان قد تعرض فيها لاعتداء لصوص. يسكن عبد العزيز الغماري، كما حكى ل التجديد في حي للا عائشة بسلا ببيت مشترك مع أسرة أخرى وقيمة الكراء 800 درهم، أما الأبناء فإنه لا يراهم من الصباح حتى المساء. لديه خمسة أبناء، اثنان منهما متزوجان، ويعيش معه ثلاثة آخرون، البنت الكبرى وتدرس في الثانوي، والابن الذي يصغرها يدرس بالقسم الثالث ابتدائي، أما آخر العنقود فلا يتجاوز عمرها تسعة أشهر. ولا يكاد الغماري وهو يتحدث ل التجديد ينتهي من السعال، فهو يعاني من مرض الصدر ويتابع العلاج بمستشفى باب الخميس بسلا منذ أربع سنوات، وأثر البرد لم يقتصر على الصدر فقط بل تجاوز ذلك إلى الرجل اليمنى التي لا يقوى على الوقوف عليها إلا بعد الاستعانة بعكاز وذلك منذ أربع سنوات، ولم ينكر أيضا أن للتدخين أثره في مرض الصدر، ليقول بأن مشاكل حياته كانت وراء تعاطيه للتدخين منذ ثلاثين سنة وحاول مرة الانقطاع عنه لكن دون جدوى. وقد استدعى المرض أن يمكث مرة في المستشفى شهرين كاملين، أما العلاج فإنه لا يقوى على مصاريفه لذلك يستعمل العلاج بالعرعار البلدي لرجله. عمل مضني يبدأ الغماري عمله في تنظيف السيارات وحراستها منذ السادسة والنصف صباحا إلى السابعة مساء، أما الغذاء فلا يتعدى قطعة خبز وجبنة وحليب يقتنيها من البقال الموجود بجوار المجلس. وصف حاله بالقول: كأنني أسعى، الموظفون بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أحرس سياراتهم وأغسلها ويجودون علي ببعض الدراهم، أما رواد مسجد الشهداء فمنهم من يجود ببعض الدراهم، ومنهم من يقول: أتيت لأصلي فقط فكيف سأؤدي لك ثمنا لكن لو كسرت له زجاجة فسيقول: الحارس هو المسؤول. التحق بهذا المكان منذ 2003 حين فقد عمله مع شركة للحافلات، يسعى بطريقة مغلفة شيئا بغسل وحراسة السيارات، فهو ليس كباقي حراس مواقف السيارات المعترف بهم من المصالح المختصة، بل إنه عوض أن يتسول مادا يده للمارة فلا بأس أن يبذل بعض الجهد بغسل سيارات بعض الموظفين وحراسة السيارات التي يركنها أصحابها بجوار المسجد. اجتماعات إدارة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لا يستفيد منها، حيث أن سيارات الوزارات يسوقها السائقون، أما الوزراء فلا يمكن الوصول إليهم، في حين تزيد مداخيله عن الأيام العادية إذا أوتي بجنازة للصلاة عليها بمسجد الشهداء. أما المشاركون في الوقفات الاحتجاجية فإن وجودهم يمثل خطرا عليه، إذ تكون السيارات مهددة بكسر زجاجها، وقد يطلب منه تحديد المسؤول عن ذلك، وهو ما لا يمكنه بسبب كثرة الأشخاص، وسلم الله أنه لم يحدث أن وقع مكروه لأي سيارة ما عدا مرة واحدة كسر زجاج الضوء لسيارة مسؤول بالمجلس الاستشاري، لكن هذا الأخير رأى الفاعل بعينه، ومنذ ذلك الحين لم يعد يركن سيارته أمام الباب. ونظرا لكون مدخول الغماري، غير القار، لا يكفي لسد حاجيات أبنائه، فقد شمرت زوجته على ساعدها هي الأخرى، وتعمل منظفة لسلالم عمارة بسلا، بمدخول لا يتعدى 200 درهم للشهر. ورغم هذا التعاون تبقى حاجيات الأسرة غالبة على ما يوفره هذين الزوجين. طعم للصوص ورغم هذه الأوضاع الاجتماعية البئيسة التي يعيشها عبد العزيز، فإنه كان مطمعا للصوص، حيث سرقوا منه صندوقا يحوي مستلزمات مهنته وبعض الحوائج من ضمنها معطف جلدي وهبه له أحد الأخيار، ولم تمر أكثر من شهرين على هذه الحادثة بعد أن أعاد عبد العزيز شراء لوازم نظافة السيارات حتى تعرض لسرقة بعد تهديد بالسلاح الأبيض بعدما كان يهم بالرجوع إلى بيته بعد أذان المغرب، فما أن دخل باب العلو متجها عبر حي الجزاء إلى محطة حافلات سلا حتى وضع أحد الشباب سكينا على بطنه ووضع شاب آخر سكينا على عنقه من الخلف، وهدداه بالقتل إن لم يسلمهما المبلغ الذي كان يحمله معه، ومن سوء حظه أنه كان يحمل معه في ذلك اليوم ما ادخره عبر أيام، ليؤدي لصاحب المنزل ما اجتمع بذمته لشهرين من ثمن الكراء، فسلبه اللصان بعد بحثهما في كل مناطق جسمه أكثر من 1500 درهما، كما لم يسلم من ضربهما، حيث أصاباه بجرح على مستوى إبهام يده اليمنى، ولم يكن يقوى على الدفاع عن نفسه لمرضه وضعف بنيته. بحث متواصل عن عمل الغماري لا يجلس مكتوف الأيدي، بل إن بحثه عن عمل يظل متواصلا، لكنه كلما طرق بابا يقال له: من بعد سواء مع أصحاب الحافلات أو غيرها، كما طمح إلى تقنين مهنته الحالية، ووضع ملفا بهذا الشأن بالعمالة، وقد مرت سنة ونصف على ذلك لكن دون جدوى. وفي إجابة عن كيفية تدبير بعض المحطات مثل الدخول المدرسي وبعض المناسبات الذينية والاجتماعية، نظرا لما تتطلبه من مصاريف زائدة، لم ينف عبد العزيز تلقيه مساعدات من بعض المحسنين من الموظفين ومرتادي المسجد ممن يعايشون حالته، ورغم أنه لم يتمكن من اقتناء أضحية عيد الأضحى لثلاث سنوات متتالية، إلا أن المحسنين لم يتركوه بدون عيد، حيث حملوا لبيته أجزاء من ذبائحهم. وبالنسبة للدراسة، فإن توفير اللوازم المدرسية ومستلزمات الدراسة، يأتي بعد مجهود كبير، وقد تسبب هذا الوضع في تعثر أحد أبنائه في الدراسة، حيث لم يستطع أن يوفر له مصاريف الساعات الإضافية لاستدراك ما يعيشه من ضعف، فلو وجدت جهدا لما ادخرته لكي يكون ابني متفوقا لكن الله غالب. وماذا بعد؟.. هذا السؤال أجاب عنه عبد العزيز بتنهيدة أتبعها بأمله في أن يجد عملا محترما يصون كرامته وكرامة أبنائه ليستطيع تكوينهم تكوينا يؤهلهم لمستقبل أفضل من واقعه. ولم يكف عن الدعاء للذين استطاعوا منهم أن يعتمدوا على أنفسهم.