نظمت محكمة الاستئناف ومنتدى البحث القانوني بمدينة مراكش السبت الأخير لقاء دراسيا حول مدونة الأسرة تقييم ومعالجة، ألقيت خلاله عدة عروض، منها ما يتعلق ب مكتسبات مدونة الأسرة وتطلعاتها، وفلسفتها العامة، وآثار الخطبة من خلالها، وحقوق الطفل بها، والسلطة التقديرية للقاضي في أحكامها، والزواج المختلط، وإثبات النسب للمخطوبة. ونوه الأستاذ عبد الإله المستاري، الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف، بأحد العروض الذي تطرق إلى قدرة الفقه الإسلامي، وخاصة عند الشاطبي على استنباط الأحكام من النصوص الشرعية بكل يسر وسهولة، والذي يستعمل قواعد فقهية في علم المقاصد، مضيفا أن من حق المغرب أن يتحفظ على بعض النصوص الدولية، ومنتقدا في نفس الوقت من يدعون إلى إقرار حق الطفل في حرية المعتقد الديني، خاصة وأن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، ومتسائلا بعد ذلك كيف يعطى للطفل حق التقرير وهو مازال غير مكتمل النضج فكريا. وأضاف المستاري أن التشريع الغربي نفسه استمد قوته من عدد من العلوم الإسلامية المحضة ومن النظريات الفقهية، ذلك أن علم الدياليكتيك مثلا هو مستمد من علم الكلام الذي عرف في عهد العباسيين، كما أن بصمات التشريع الإسلامي واضحة في القانون الفرنسي، لأن بونابرت لم يضع القانون المدني الفرنسي إلا بعد عودته من الرحلة الثقافية التي قادته إلى مصر والشام، حيث عمل بأفكار وجدها في الفكر الإسلامي، مثل فكرة النظام العام، وفكرة تدوين العقود الذي يوجد لها نص صريح في القرآن، ونظرية الشخصية المعنوية، ومنها استنبطت نظرية الذمة التي تنص مثلا على حقوق الطفل في بطن أمه حيث توقف التركات إلى حين ازدياد المولود ويعرف هل هو حي أم ميت، ذكر أم أنثى وطبقت هذه النظرية بشكل مذهل بالنسبة للشركات المجهولة الاسم. وأضاف المستاري أن العالم العربي يعرف مخاضا في مراجعة نصوصه القانونية، ومنها ما عرف في المغرب من تغيير في مدونة الأسرة التي لم تقع في كثير من المزالق وحافظت على المرجعية الإسلامية بنسبة كبيرة جدا، والتي هي مناط وحدتنا واستمراريتنا. وأثارت مناقشة إثبات النسب للمخطوبة ردود فعل حيث انتقد عدد من المتدخلين نصوص المدونة بخصوص إثبات النسب بالنسبة للمخطوبة عندما يقر الطرفان بثبوت المعاشرة خارج الإطار الشرعي، منبهين إلى ما قد ينتج عن ذلك من شيوع ممارسة الفاحشة والسفاح و تحليل ما حرم الله، وأشار الأستاذ يونس الزوهري وهو قاض بمراكش إلى أن إثبات النسب يكون بشروط سبعة، وهي أن تكون هناك خطبة، وأن يكون هناك إيجاب وقبول، وأن تكون ظروف قاهرة حالت دون تدوين عقد الزواج، واشتهار الخطبة وموافقة الولي عند الاقتضاء، وأن يكون الحمل أثناء الخطبة لا قبلها، وأن يقر الخاطب أن الولد منه وإلا تم اللجوء إلى الخبرة الطبية. وحسم الزوهري في خلاف حول شرط الإيجاب والقبول عندما قال إن هذا الشرط متعلق بالزواج وليس بالخطبة كما يقول البعض، وإلا كيف يذكر المشرع شرطا آخر يقول فيه باستحالة تدوين عقد الزواج، أما في حالة عدم توفر هذه الشروط تساءل الزوهري هل الزوج ملزم أن يلاعن أم لا، قبل أن يجيب أن الزوج ليس من واجبه ذلك في الخطبة وإنما ذلك في الزواج بعد تدوين العقد. وأثيرت إشكاليات بخصوص هذا الموضوع، منها مثلا إذا توفى الزوج قبل كتابة عقد الزواج وتوفرت جميع الشروط، هل يجب كتابة عقد قران بميت من أجل إثبات النسب للمولود الذي ولد في فترة الخطوبة أم لا، وهل تطبق القوانين المتعلقة بالعدول عن الخطبة في حالة وجود مولود أم تطبق قوانين الزوجية وما قد يترتب عن ذلك من خلط بين المفهومين. وانتقد المستاري كون النيابة العامة تتدخل في الشؤون الزوجية وخاصة في الإذن بالزواج وإرجاع أحد الزوجين إلى بيت الزوجية والرضاعة، علما أن النيابة العامة ليس لها حق التدخل إلا عندما تكون هناك دعوى مرفوعة، وفي هذه الحالات تنتفي هذه الدعوى، كما تناول الوضع الخطير الذي أصبح فيه التشريع في المغرب من خلال عدم اتساق النصوص القانونية وعدم ربط بعضها ببعض خاصة بين مدونة الأسرة والمسطرة المدنية. من جهة ثانية أثيرت مسألة إسقاط القوامة عن الرجل و إجبار المرأة على النفقة في حالة إعسار الزوج، حيث يتم متابعتها قضائيا بتهمة إهمال الأسرة إذا لم تستطع أن تنفق على أطفالها فيما بعد، وقد يؤدي بها ذلك إلى الإكراه البدني وما قد يترتب عن ذلك من آثار نفسية على المرأة. عبد الغني بلوط/ مراكش