تلوح في تونس بوادر أزمة آخذة في التصعيد بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المنظمات النقابية، على خلفية تباين في وجهات النظر إزاء التغيير الحكومي الأخير وبعض المطالب الانقابية المؤجلة. وقد كشف كاتب عام النقابة العامة للتعليم الثانوي في تونس لسعد اليعقوبي، النقاب عن أن الهيئة الإدارية القطاعية للتعليم الثانوي ستنظر يوم الخميس 2 مارس 2017 في امكانية تعليق الدروس إلى أجل غير مسمى. وقال اليعقوبي في تصريحات نقلها راديو "شمس آف آم" المحلية في تونس يوم الاربعاء 1 مارس 2017 ، "إنه لا توجد مؤشرات إيجابية تدفع الهيئة الإدارية إلى التهدئة أو اتخاذ قرارات غير تصعيدية"، على حد تعبيره. ويأتي تلويح نقابة التعليم الثانوي بالاضراب المفتوح، على خلفية تصاعد مطلبها بإقالة وزير التربية الوطنية ناجي جلول، وهو مطلب رفضه رئيس الحكومة يوسف الشاهد. ونفذ اساتذة التعليم الثانوي الاربعاء بساحة القصبة أمام مقر الحكومة بالعاصمة تونس يوم غضب للمطالبة باقالة وزير التربية ناجي جلول، بسبب صعوبة استمرار التعامل معه. وقد رأى القيادي في حركة "النهضة" عبد اللطيف المكي في حديث مع "قدس برس"، أن الحوار بين المنظمة النقابية والحكومة هو الطريق الأقصر والأفضل لتجاوز هذه الخلافات. واستبعد المكي، امكانية الذهاب إلى مواجهة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، وقال: "لا أعتقد أن هناك من يسعى للمواجهة بين الاتحاد والحكومة، لكن هناك تباينات حقيقية، أعتقد أنه لا بد من توسيع الحوار بشأنها من أجل التوصل إلى توافقات بشأنها". وأكد المكي أن "النهضة لن تكون في مواجهة أحد حتى لو كان من خصومها"، وقال: "نحن نؤمن بدور الاتحاد في البلاد، وهناك أشياء نتفق معه حولها وأخرى لا نتفق معه فيها، ومنسوب الثقة الذي بنيناه مع الاتحاد الحوار الوطني كبير، ولذلك نحن نتعاون فيما نحن متفقون فيه ونتحاور حول ما اختلفنا فيه". وأضاف: "فلسفة المواجهة في المجتمع تراجعت، والدولة ليست في وارد أن تواجه نفسها، فالجميع شارك في بناء الدولة بعد الثورة، ولذلك من الصعب الحديث عن منطق مواجهة للدولة مع نفسها". ورأى المكي، أنه ليس من حق نقابة التعليم الثانوي المطالبة بإقالة ناجي جلول، لكنه قال: "أما إذا بلغت الاختلافات بين النقابة والحكومة مستوى معينا فأعتقد أنه على رئيس الحكومة أن يقيم حوارا مع النقابة، وقد يجد نفسه محرجا في حال إصرار النقابة على إقالة الوزير". وأضاف: "أيا كانت المواقف فأعتقد أن الحوار الهادئ يمكن أن يوصل الجميع إلى الحل". وعما إذا كان للنهضة أن تلعب دور الوسيط بين الطرفين، قال المكي: "دور الوساطة غير وارد، لكن يمكننا أن ننصح رئيس الحكومة والاتحاد، لكن في نهاية الأمر تبقى المسألة بيد رئيس الحكومة". وحول الخلاف الناشب مؤخرا حول التعديل الوزاري الجزئي الذي أدخله رئيس الحكومة يوسف الشاهد على حكومته، قال المكي: "هنالك اختلافات في إدارة الوفاق حتى داخل النهضة، حتى يعطي التوافق أفضل ما عنده، ولذلك أعتقد أن الحل يكمن في المزيد من النقاش والاتفاقات المكتوبة". وردا على سؤال وجهته له وكالة "قدس برس" عن حجم المخاوف من امكانية فشل تجربة التوافق في تونس والعودة إلى المواجهة بين الإسلاميين والدولة، قال المكي: "هناك من يريد أن يحرق التجربة التونسية، لكن هذا الخيار فرص نجاحه ضئيلة للغاية، إن لم أقل معدومة. هناك مصاعب تواجه الوفاق، وهناك انزعاج لدى البعض من أن الدولة الديمقراطية غير قادرة على تطبيق القانون في المسألة الاقتصادية، لكن حتى هؤلاء لن ينجحوا". وأضاف: "أما الذين يلوحون بالمواجهة عبر بعض الأسماء المعروفة بنهجها الاستصالي، فأعتقد أنهم لن يستطيعوا فعل شيء، إذ أن المجتمع التونسي اكتسب نزعة متمردة لم تعد تقبل الذل من أي كان، ولذلك فالأفضل أن يُساس هذا المجتمع بالتوافق"، على حد تعبيره. هذا وأعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي اليوم الاربعاء إطلاق سلسلة لقاءات مع عدد من القادة السياسيين للحوار حول التطورات التي تعرفها البلاد في الآونة الأخيرة. يذكر أن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد كلاهما قد التقى أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، واستمعا منه لرأيه بشأن التطورات السياسية والنقابية التي تعيشها البلاد. وكان الأمين العام المساعد والناطق الرسمي للاتحاد العام التونسي سامي الطاهري قد أكد في وقت سابق هذا الاسبوع أنّ الاتحاد ليس ضدّ التعديل الوزاري الذي قام به رئيس الحكومة "لكنّهم ضدّ تعيين خليل الغرياني على رأس وزارة الوظيفة العموميّة". وقال إنّ استقالة وزير وتعويضه أمر عاديّ لا يدفعنا إلى إظهار ردّة فعل، لكن المشكل في قرار التعيين وغياب التشاور وهو ما يتعارض ووثيقة قرطاج، على حدّ تعبيره. وشدّد الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل على أنّ اختيار عضو من المكتب التنفيذي لمنظمة الأعراف الغاية منه "توجيه رسالة لاتحاد الشغل واستفزازه بتذكيره أنّ لكل طرف مربّع تحرك، إلى جانب تطبيق إملاءات الصندوق النقد الدولي فيما يتعلق بالتسريح التطوعي الذي مازال محل خلاف"، على حد تعبيره. وكانت نقابة التعليم الثانوي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، قد أعلنت الشهر الماضي، عن شروعها في تنفيذ اعتصامات بمقرات المندوبيات الجهوية للتربية للمطالبة بإقالة وزير التربية ناجي جلول من منصبه. وشرعت وزارة التربية منذ أبريل 2015، في وضع إستراتيجية شاملة للإصلاح التربوي، عقدت حولها استشارات وطنية وحوار وطني مع الضالعين في العملية التربوية من مربين وأولياء ومنظمات مجتمع مدني. ووفق تقرير لوكالة "الأناضول"، فقد أنشئت لجنة مشتركة بين وزارة التربية والإتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية مقرها تونس) للتباحث حول إجراءات وآليات تنفيذ البرامج. وتتهم النقابة وزارة التربية بالالتفاف على مسار الإصلاح وإقرار إجراءات أحادية الجانب. وتضم تونس نحو 65 ألف مدرس في المرحلة الابتدائية، و91 ألف مدرس في المرحلتين الإعدادية والثانوية، بحسب أحدث بيانات وزارة التربية. ويدرس قرابة مليون و93 ألف تلميذ في 6070 مدرسة عامة، موزعة بين 4562 مدرسة ابتدائية، و1508 مدرسة بين إعدادية وثانوية، بينما توجد حوالي 320 مدرسة خاصة.