كان الأسبوع الأخير من السنة الفارطة 2005 يوما تاريخيا في الذاكرة الجماعية الزيلاشية (نسبة إلى أصيلة) بجميع المقاييس، إذ سجل حدثا غير مسبوق لسكان هذه المدينة الهادئة، فمنذ عقود خلت ارتبط اسم هذه المدينة بالمهرجانات والثقافة والفن وأصبح العديد ممن يرون صورها في القنوات التلفزية أو عابري سبيلها من المسافرين يتمنون أن يقطنوا هذه المدينة أو يخيموا فيها وفي مخيلتهم صورة نموذجية راقية عن هذه الحاضرة الأفلاطونية التي أكْلُها ثقافة وشربها فن، نهارها هدوء وليلها سكون، صيفها صخب وشتاؤها سبات عميق وكأنه سبات من يتمنى ألا يستفيق، بيد أنهم استفاقوا أخيرا وكانت صحوتهم ولا كل الصحوات، هبوا من كل حدب وصوب ولهم هدف واحد هو مقر شركة أمانديس ليقولوا بطرق مختلفة وبألوان شتى، لكن بصوت موحد: كفى استغلالا، داعين إلى طرد الشركة. وهكذا حل العام الجديد وقرر الزيلاشيون أن يفتتحوه بمسيرة احتجاجية يوم 6 يناير الجاري، إلا أن مسيرتهم تم منعها ببيان كتابي أصدره باشا المدينة الذي رفض كل المحاولات التي قامت بها اللجنة الممثلة للسكان لثنيه عن قراره. وهكذا تدخلت السلطات في هذه المواجهة المفتوحة بين السكان والشركة الفرنسية، فلم يكن أمام السكان إلا أن نقلوا ساحة المواجهة إلى من انتخبوهم ليمثلوهم في هكذا محن، عوضت المسيرة في اليوم نفسه بوقفة احتجاجية أمام مقر المجلس البلدي ثم نقلت إلى مقر الشركة. وأمام هذا الإصرار الذي أبداه السكان، لم تجد الشركة بداً من احتواء هذه الأزمة التي تكاد تعصف بوجودها في أصيلة وربما في مدن الشمال عامة. فبلغت المحتجين أنها قامت بمراجعة 600 فاتورة واعترفت بأن موظفيها ارتكبوا أخطاء جسيمة أبرزها، إضافة أصفار إلى نهاية العدد، فتصبح بذلك 80 درهما 800 و1000 تصبح 10 آلاف درهم، كما أنها أفادت بأنها فصلت 3 من الموظفين الذين ثبت تورطهم في هذه الأخطاء، ولم يقف رد فعلها عند هذا الحد، بل تعداه إلى استدعاء مواطنين وتسليمهم مبالغ مالية مقابل شكايات سابقة لهم. ومن جانب آخر، اجتمع أعضاء اللجنة التي تمخضت عن المظاهرة الأولى بباشا المدينة ووعد ممثليها بأن السلطات ستقوم بقصارى جهدها لمعاقبة المسؤولين والوقوف على الخلل. غير أنه تبين فيما بعد أن السلطات وقفت على السكان بدلا من الوقوف على الخلل، إذ عرقل الباشا وحاشيته أكثر من مرة محاولات أعضاء اللجنة توزيع بيانات ذات صلة وتوعد باعتقال من يوزع البيانات بطريقة جماعية، وهكذا أصبحت المدينة الهادئة صفيحا ساخنا تغلي عليه مراجل جمعوية وسلطوية وأيضا سياسية، فصدر بيان محلي مشترك يشمل توقيع 14 هيأة مدنية وسياسية تمثل معظم الأطياف السياسية والفكرية، تندد فيه بتجاوزات أمانديس في حق سكان أصيلة.