من يطلع على كتب التاريخ يجد الفرق الهائل بين أداء فريضة الحج في الماضي وأدائها في وقتنا الحاضر من جهة توفر أسباب الأمن ويسر التنقل وغيرها من أسباب الراحة ويسر أداء الفريضة مما يستوجب شكر المنعم،فعبر حقب تاريخنا الإسلامي لم تنقطع أخبار الفتن التي يتعرض لها الحجاج كل موسم حج بواسطة من تيسرت لهم سبل النجاة منها.ففي سنة 73ه على ما ذكر ابن جرير الطبري في تاريخ الملوك كانت الحرب بين ابن الزبير (رض) والحجاج ببطن مكة ستة أشهر وسبع عشرة ليلة، وقتل الحجاج عبد الله بن الزبير في الحرم واخذ بيعة أهل مكة لعبد الملك بن مروان. وفي سنة 199ه على ما ذكر ابن خلدون وقعت فتنة الأفطس وهو الحسن بن الحسين بن علي بن علي زين العابدين حين غلب مكة عمد إلى الكعبة فأخذ ما في خزائنها وقدر ب 70000 أقية ذهبية،وتصرف فيه وبطلت الذخيرة من الكعبة من يومئذ . وفي سنة 266ه على ما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية وثبت طائفة من الأعراب على كسوة الكعبة فانتهبوها وسار بعضهم إلى صاحب الزنج وأصاب الحجيج منهم شدة وبلاء شديد وأمور كريهة، وبعد ذلك بثلاث سنوات قطع الأعراب على الحجيج الطريق وأخذوا منهم خمسة آلاف بعير بأحمالها . وورد في أخبار ملوك بيني عبيد أنه في أيامهم سنة 3 17ه بطل الحج وأخذ الحجر الأسود وذلك أن أبا طاهر سليمان بن الحسن القرمطي دخل مكة حرسها الله تعالى يوم التروية فقتل الحجاج قتلا ذريعا ورمى القتلى في زمزم وأخذ الحجر الأسود من الكعبة وقلع بابها وبقى الحجر عندهم اثنتين وعشرين سنة إلا شهرا ثم ردوه لخمس خلون من ذي القعدة سنة 3 39ه . وفي سنة 406ه ورد الخبر عن الحجاج بأنه هلك منهم بسبب العطش أربعة عشر ألفا وسلم ستة آلاف وأنهم شربوا بول الإبل من العطش، وجاء في الكامل في التاريخ أنه في سنة 539ه كانت فتنة عظيمة بين الأمير هاشم بن فليتة بن القاسم العلوي الحسيني أمير مكة وأمير الحاج فنهب أصحاب هاشم الحجاج وهم في المسجد يطوفون ويصلون ولم يرقبوا فيه إلا ولا ذمة . ويذكر صاحب البداية والنهاية في حوادث سنة 557ه غارة عبيد مكة على الحجاج حيث نهبوا أموالهم فتوقف السعي والطواف وامتنع الحج ورحل الحجاج إلى المدينة. ويتحدث ابن جبير في رحلته التي كانت عام 578ه عما في الحرم من ظاهرة (المتلصصين فيها على الحاج المتختلسين ما بأيديهم، والذين كانوا آفة الحرم الشريف لا يغفل أحد عن متاعة طرفة عين إلا اختلس من يديه أو من وسطه بحيل عجيبة ولطافة غريبة) . ويبلغ الأمر بالحجاج ترك بعض السنن خوفا من قطاع الطرق يقول ابن جبير:( فلما كان يوم الخميس بكر الناس بالصعود الى منى وتمادوا منها الى عرفات وكانت السنة المبيت بها لكن ترك الناس ذلك اضطرارا بسبب خوف بني شعبة المغيرين على الحجاج في طريقهم الى عرفات). وكان الأمر أشد على المغاربة وأهل الأندلس من جهة المخاطر التي كانت تحف طريقهم إلى أداء المناسك،فهذا ابن جبير يبين بأفصح بيان ماكان يلاقيه الحجاج من أصناف الإهانات زمن الفاطميين والتي زال كثير منها بتولي صلاح الدين ويقول عن: (رسم المكس المضروب وظيفة على الحجاج مدة دولة العبيديين فكان الحجاج يلاقون من الضغط في استيدائها عنتا مجحفا ويسامون فيها خطة خسف باهظة وربما ورد منهم من لا فضل لديه على نفقته او لا نفقة عنده فيلزم أداء الضريبة المعلومة وكانت سبعة دنانير ونصف دينار من الدنانير المصرية التي هي خمسة عشر دينارا مؤمنية على كل رأس ويعجز عن ذلك فيتناول بأليم العذاب (...) وربما اخترع له من أنواع العذاب التعليق من الانثيين او غير ذلك من الامور الشنيعة نعوذ بالله من سوء قدره ). وفي بعض المناطق يقع استغلال الحجاج باسم الزكاة بما يشبه المكوس وإلزام الناس الأيمان، يقول ابن جبير (وببلاد هذا الصعيد المعترضة في الطريق للحجاج والمسافرين كأخميم وقوص ومنيه ابن الحصيب من التعرض لمراكب المسافرين وتكشفها والبحث عنها وإدخال الأيدي إلى أوساط التجار فحصا عما تأبطوه أو احتضنوه من دراهم أو دنانير ما يقبح سماعه وتستشنع الأحدوثة عنه كل ذلك برسم الزكاة دون مراعاة لمحلها أو ما يدرك النصاب منها حسبما ذكرناه في ذكر الاسكندرية من هذا المكتوب وربما ألزموهم الأيمان على ما بأيديهم وهل عندهم غير ذلك ويحضرون كتاب الله العزيز يقع اليمين عليه فيقف الحجاج بين أيدي هؤلاء المتناولين لها مواقف خزي ومهانة تذكرهم أيام المكوس).