عقدت وزارة العدل يوم التاسع من الشهر الجاري بالرباط، يوما دراسيا في موضوع التفتيش التسلسلي ودوره في تحسين و تطوير الأداء القضائي، بمشاركة الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف، والوكلاء العامين للملك لديها، والرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف التجارية، والوكلاء العامين للملك لديها، بالإضافة إلى المفتش العام للمصالح القضائية بوزارة العدل الفرنسية. وقد شكل ذلك ورقة عمل لما تضمنته من توجه استراتيجي في إبراز دور التفتيش التسلسلي الهادف إلى تطوير الأداء القضائي. وقد تمخض عن اليوم الدراسي توصيات تتجلى في دعم التفتيش التسلسلي الموكول القيام به قانونا إلى المسؤولين عن محاكم الاستئناف، وتقوية دوره الفعال في المراقبة والتوجيه، والكشف عن مواطن الخلل لتلافيها. إضافة إلى التأكيد على دور التفتيش القضائي في توفير المناخ الملائم لتحقيق فعالية القضاء، وتحسين مردوديته بهدف تأسيس وبناء ثقة المتقاضين في القضاء، وخلق تواصل بين هيئات التفتيش والقضاة بتمكين القاضي من مناقشة الاقتراحات المقدمة إليه من طرف المفتش، المستندة على حجج قانونية ودلائل كافية. ومن التوصيات كذلك الإشارة إلى انتقال التفتيش التسلسلي من أسلوب المراقبة والبحث لترتيب الجزاء إلى إذكاء الثقة في النفس، والتحفيز على اعتبار أن إرساء الثقة عامل فاعل في بناء شخصية القاضي المستقل، بالإضافة إلى وضع برنامج للتكوين المستمر بتنسيق مع المعهد العالي للقضاء، لتأهيل بعض القضاة، في مجالات التخصص عند اكتشاف نقص في تكوينهم، والتأكيد على الدور الإيجابي للمفتش الجهوي فيما يتعلق بالجانب التحسيسي الوقائي للحد من مظاهر الانحراف والسلوكات المشينة. وأوصى اليوم الدراسي بسهر هيئة التفتيش على توحيد مناهج العمل لتحسين المردودية وتحقيق الفعالية، واتخاذها التدابير التنظيمية لتحسين ظروف الاستقبال، وحرصها على تطبيق سياسة الباب المفتوح من طرف المسؤولين القضائيين، والعناية بتظلمات وشكايات المواطنين. كما تم التأكيد على قيام المفتش الجهوي بالحث على وجوب اعتماد الفورية في إنجاز الإجراء والدقة في إعطاء المعلومات، والتطبيق السليم للمساطر، ومراقبة جودة الأحكام، وتقييم كفاءة مصدريها، واتخاذه المبادرة تلقائيا لإجراء أبحاث للحد من التصرفات والسلوكات التي تمس بسمعة القضاء، دونما حاجة إلى إذن مسبق، ورفع تقرير بعد إنجاز المهمة إلى وزير العدل، مذيلا بنظريته واقتراحاته. المبادئ الأساسية لاستقلال القضاء ولئن كان من أولويات الإصلاح القضائي ملاءمة القانون الداخلي مع المواثيق الدولية، فإن استقلال القضاء لا يمكن تحقيقه بدون استقلال القضاة والتأكيد على الاستقلالية دستوريا، والنص على أن القضاء سلطة مستقلة، حتى لا يتسنى لسلط أخرى التدخل في شأن القضاء، وكذا إصلاح النصوص القانونية، إذ أن كثيرا من النصوص القانونية مازالت غامضة. ومادام أن السيد وزير العدل هو نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاة، فإن صفته السياسية لا تسمح له وفق المبادئ العامة للاستقلالية، ترأس هيئة مستقلة تدير شِؤون القضاء والقضاة، لذلك فإن تعويضه برئيس المجلس الأعلى أولى لتأكيد مبدأ استقلال القضاء. ولضمان استقلالية القضاء والسلطة القضائية لا بد من مراعاة المبادئ الأساسية التالية والتي أصدرتها الأممالمتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية وهي: 1) تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه، ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية. 2) تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الواقع وفقا للقانون ودون أي تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة أو لأي سبب. 3) تكون للسلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي، كما تنفرد بسلطة البت فيما إذا كانت أية مسألة معروضة عليها للفصل فيها تدخل في نطاق اختصاصها حسب التعريف الوارد في القانون أم لا. 4) لا يجوز أن تحدث أية تدخلات غير لائقة، أو لا مبرر لها، في الإجراءات القضائية، ولا تخضع الأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم لإعادة النظر، ولا يخل هذا المبدأ بإعادة النظر القضائية أو بقيام السلطات المختصة، وفقا للقانون، بتخفيف أو تعديل الأحكام التي تصدرها السلطة القضائية. 5) لكل فرد الحق في أن يحاكم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة، ولا يجوز إنشاء هيئات قضائية لا تطبق الإجراءات القانونية المقررة حسب الأصول والخاصة بالتدابير القضائية لتنتزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم العادية أو الهيئات القضائية. 6) يكفل مبدأ استقلال السلطة القضائية لهذه السلطة ويتطلب منها أن تضمن سير الإجراءات القضائية بعدالة، واحترام حقوق الأطراف. 7) من واجب كل دولة عضو أن توفر الموارد الكافية لتمكين السلطة القضائية من أداء مهامها بطريقة سليمة، وبهذا يشكل القضاء المستقل. التفتيش وحده لا يكفي لإصلاح القضاء إن إصلاح القضاء لا يكفي بتفتيشه إذ يقتضي الأمر التطبيق الفعلي لمبدأ استقلال القضاء، وذلك بالمصادقة على الاتفاقيات الضامنة لذلك، والحرص على ذلك بالتعديل الدستوري وتعديل القوانين الداخلية، ومن الواجب أيضا على قطاع القضاء أن يوفر الآليات اللازمة لضمان استقلال القضاء مثل: إصلاح الأنظمة القانونية ويقتضي إصلاح النظام القانوني الكشف عن الثغرات والفجوات في القوانين المحلية التي تسمح بانتهاك حقوق الإنسان دون الوقوع تحت طائلة العقاب، وكذلك النضال من أجل إلغاء التشريعات أو الإجراءات التي تيسر استمرار الانتهاكات. محاربة الإفلات من العقاب وربما كان أكبر التحديات التي يواجهها النظام القضائي على المستوى المحلي هو وضع حد للإفلات من العقاب، ولا يقتصر معنى هذا الإفلات على تجاوز العدالة في قضايا فردية، فهو في الواقع سرطان ينهش جسد سيادة القانون نفسه، وقد برزت خلال عام 2003 فرص جديدة لمحاربة الإفلات من العقاب وإعادة الثقة في سيادة القانون في البلدان التي تمر بخطوات التحول إلى الديمقراطية. وكلما انتهى صراع ما نشأت حالة تتيح الفرصة لوضع دستور جديد، وإلغاء التشريعات التي تتناقض مع المواثيق الدولية، والنص في القانون المحلي على الحقوق التي تكرسها معاهدات حقوق الإنسان. المصادقة وتفعيل قانون روما في سبيل إصدار قانون روما الأساسي، الذي أُنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية. ففي عام 3002, حثت المنظمة دول العالم على إصدار التشريعات التنفيذية الفعالة بمقتضى قانون روما الأساسي، بما في ذلك البنود التي تمنح المحاكم المحلية اختصاصاً قضائياً شاملاً بالنظر في جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والتعذيب، والإعدام خارج نطاق القضاء، والاختفاء.. محاسبة مرتكبي الجرائم خارج الدوائر الدولية لمحاسبة مرتكبي الجرائم من خلال التعاون القضائي فيما بين الدول، وعلى سبيل المثال، أرست المحكمة العليا في المكسيك سابقةً مهمةً في مجال الاختصاص القضائي خارج أراضي الدولة، عندما أيدت تسليم ضابط بحري أرجنتيني برتبة رائد إلى إسبانيا لمحاكمته بتهمتي الإبادة الجماعية والإرهاب. إنشاء جهاز التظلمات وتمثل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمواثيق الإنسانية الدولية إطاراً شاملاً لتقديم المطالب بالعدالة على مستوى العالم كله. وإذا كان التركيز سوف ينصب بصفة أساسية في الأعوام المقبلة على تنفيذ المواثيق القائمة حالياً، كما تقوم بتعزيز التوعية بمعايير الأممالمتحدة المتعلقة بمسؤوليات الشركات المتعددة الجنسيات وغيرها من المشروعات التجارية فيما يتصل بحقوق الأشخاص. إن إصلاح القضاء ورش كبير يجب أن تنخرط فيه كل القطاعات الفاعلة كما لا يجب أن ينحصر الجهد في ترقية الحقوق الإنسان على المستوى الحريات الفردية والجماعية، بل لا بد من امتداد الإصلاح إلى العدالة الاجتماعية، حتى يتسنى إحقاق العدل. فالعدالة على المستوى القانوني غير كفيلة لضمان استقلال القضاء، لذلك فإن الندوة الوطنية للتفتيش التسلسلي هي من قبيل الأوراش الأكاديمية ولن تحد من الرشوة والظلم كظاهرة اجتماعية يجب أن ينخرط في تقويمها إصلاح مجتمعي واسع وكبير.