أعجبني تعليق كل من نعيم كمال ووزير الاتصال نبيل بنعبد الله، بخصوص ما كانت ستقدم عليه جريدة البيضاوي من نشر عنوان في الصفحة الأولى يسب الدين والوطن،لولا نباهة من منع ذلك، وحال دون صدوره ليتحول إلى عنوان: حزب الكراهية، وذكرا في برنامج مباشرة معكم ليلة أول أمس ،أن المانع لهما من ذكر ما ورد في العنوان المذكور هو الحياء.. فاستوقفتني هذه الكلمة الجميلة، وأثارت في نفسي خواطر وأفكار ومتمنيات وحتى أحلام... ماذا لو كان الحياء يؤثث مشهدنا السياسي والاقتصادي والإعلامي والفني والقضائي والاجتماعي والأمني وغيره..؟ ماذا لو كان يستحيي أهل السياسة من الدجل والكذب والنفاق والظلم والرشوة واكل أموال الناس بالباطل..؟ وماذا لو يستحيي الفاعلون الاقتصاديون من مذهب: الغنم من غير غرم، ووجهة: منع وهات، يفرحون بالفوائد والأرباح، ويعملون جهدهم للتملص من الضرائب والتنكر للزكوات؟ وكذا يستحيي أهل الإعلام من الكذب والتشويه والتعتيم والتملق ونشر الفواحش وتشجيع المنكرات...، ويتسحيي أهل الفن مما يخدش الحياء وينافي الذوق السليم ويضيع رسالة البناء..، ويستحي القاضي من مجانبة العدل، وإلصاق الأحكام الجائرة بمن يعلم في قرارة نفسه براءتهم..، ويستحيي رجل الأمن من ترويع المواطنين بغير موجب حق، وإلصاق التهم بغير دليل ولا برهان..،ويستحيي العلماء من كتمان الحق وقول الباطل..وتستحيي المرأة من إظهار مفاتنها أمام العالمين.. ويستحيي الرجل من سرقة أعراض بغير عقد شرعي.. ويستحيي رفقاء الخمرة من مقارعتها أو بيعها والترويج لها أوحملها أو يكون من العشرة المذمومين فيها.. ومثل ذلك في أهل الربا وغيرهم من أصحاب الكبائر والرذائل.. قد يرى البعض ما حشرته وكثيرا مما يماثله،بعيد عن الحياء، ودخول بهذا الخلق في غير مجاله، والحال أن الحياء باعتباره خصلة وغريزة إنسانية، وفطرة جبل عليها بنو آدم،إلا من أفسده فيهم عامل التربية والبيئة وسوء التوجيه وقبيح الأفكار والآراء والتصورات.. كما يكمن الخلاف أيضا، فيما يستحيى منه، والمدى الذي يمكن أن يبلغه ذلك الحياء. وبمعنى آخر: هناك حياء أصيل شامل كامل أو قريب من الكمال،وحياء ظرفي متحول ناقص تحكمه النسبية التي ليس لها من قرار.. فإذا كانت حقِيقة الحياء كما ذهب إلى ذلك أبو عمرو بن الصلاح أنه خلق يبعث على ترك القبِيحِ ويمنع من التقصِيرِ في حق ذي الحق) (النووي طرح التثريب 8/149148) فالخلاف يبقى واردا في مفهوم القبح الذي يستحيى منه،وفي الحق الذي لا يجوز بحسب هذا الخلق التفريط فيه والتقصير في أدائه. الحياء عندنا في الدين يكون من الله والناس وحتى من النفس ذاتها،من غير أن يكون عائقا من التعلم وقول الحق والصدع به بآدابه واحتساب مآلاته. فالحياء من الله عز وجل، هو بامتثال أوامره واجتناب نواهيه،وعدم التقصير في طاعته وما فرضه من واجباته.ووجوده برهان على صحة الدين وقوة الإيمان. والحياء من الناس يكون بالكف عن أذاهم، ورعاية حقوقهم واحترام شعورهم وعدم المجاهرة بالفواحش والمنكرات وما يؤذيهم في عقيدتهم وعبادتهم وأخلاقهم المشروعة، ويكون حياء الإنسان من نفسه بجمعه في الانضباط مع مقتضيات المروءة والأخلاق بين أعمال السر والعلن. فيمتاز بذلك الحياء بالشمول ونوع من الثبات والاستمرار، انسجاما مع ثوابت الدين،ويحترم الحفيد ما كان عليه الجد وعاش عليه الأب. وهو كذلك، لأن الحياء خلق الإسلام وملازم له،وشعبة من شعب الإيمان، وهو إذا لم يضيع علما نافعا وحقا قائما خير كله، ورسول الله كان أشد حياء من العذراء في خدرها يوم كان ذلك من خصال العرب، وهو حاجز عن المعاصي والموبقات والمجاهرة بها ففي صحيح البخاري من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستحي فافعل ما شئت) وهو زينة الأعمال والأخلاق كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه) أذكر بهذه المعاني والأصول حتى تبقى لنا أصول وثوابت تعصم حياءنا من التبدل والتغير والنسبية التي تحطم كل شيء عندما يكون فقط المعيار هو الزمن والناس،فكم من أمور بدأت مستهجنة وغريبة مستنكرة تعبر في زمان عن قلة حياء،وبعده عندما يعم البلاء تعود أمرا طبيعيا يهاجم مستنكرها ويحاصر، فانظر معي إلى العري والتفسخ كيف بدأ هناك في الغرب وعندنا في البلاد، وانظر إلى جميع الفواحش والمنكرات تجد ما عارضه الأجداد يروج له الأحفاد، وهاهي مسيرة الشواذ تأخذ طريقها إلى التطبيع في المجتمع وراء البحار، ونحن سنسير حتما خلفهم،إذا لم يكن لحيائنا من قرار الوحي وعاصم الأصول، وسيسب الدين في الإعلام المسموع والمكتوب إذا تساهلنا مع سبه في الشارع وبين الدروب وما يشبه ذلك مما يبثه البعض بين السطور،وسنبكي على كل شيء عزيز علينا اليوم إذا اكتفينا بظل ظل قيمنا،من غير أن نفكر على ما سيعيش من بعدنا.