يقولون والله أعلم إن بعض القطاعات الحكومية ببلادنا تنادم معها الحال وتفكر في إرجاع الموظفين الذين منحتهم المغادرة الطوعية إلى مناصبهم التي تركوها منذ أيام، وخصوصا قطاع الصحة العمومية، رغم أن المرسوم الوزاري الذي صادقت عليه الحكومة لتفترق مع موظفيها بلا ذنوب يمنع إعادة توظيف المستفيدين من المغادرة الطوعية، بأي صفة كانت، بالإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية والهيئات التي تملك الدولة 50% من رأسمالها أو أكثر. وهكذا بعد أن طبقت الحكومة عملية آفو مارك! بري! بارتي! (انطلاقة)، وطلبت ممن طلعت لهم الإدارة في الراس أن يرحلوا عنها، ها هي اليوم تفكر في تطبيق المثل الشعبي طلع تاكل الكرموص نزل شكون لي كالها ليك، ولا على حكومتنا إذن ما دامت منسجمة تمام الانسجام مع الثقافة الشعبية، وإلا لماذا ترك لنا أجدادنا كل هذه الأمثال الشعبية إذا لم نطبقها، وخصنا نحمدو الله لأن لنا حكومة ليس لها برنامج تطبقه، ولكنها متمسكة ببلدها وتطبق أمثاله الشعبية، وعما قريب قد نسمع برنامجا في التعليم شعاره القاعدة في الراس والخسارة في الكراس، إن لم يكن فعلا قد بدأ عندنا منذ زمان، وفي مجال محو الأمية قد يتم الحديث عن برنامج القرد الشارف ما يتعلم، وفي قطاع العدل سنعمل بالمثل القائل ضربني وبكا وسبقني وشكا وفي الوظيفة العمومية سنرفع شعار لي عندو مّو في العرس ما يبات بلا عشا. صرفوا للمغادرين ملايين الدراهم وأقنعوهم بأنهم غير زايدين وأنه لم يعد لهم دور في الإدارات، وأفهمومهم أن الأحسن لهم أن يذهبوا يديروا شي بيعة وشرية ويبحثوا عن خبز أولادهم بعيدا عن كراسي الدولة ومكاتبها، لأن أجورهم تنهك الخزينة العامة، لكن يبدو أن الحكومة ما حسباتش الكارطة مزيان وأنها بعد تنفيذ المغادرة الطوعية وجدت نفسها مشات ليها القاعة بعد أن كانت تظن نفسها مرونضة، فبدأت الآن تفكر باش تعاود الطرح، المهم لي كيتشطر تيتعشا جوج مرات. إن الذي ينهك ميزانيتنا العمومية ليس أجور الموظفين فقط، وحتى لما فكرت الحكومة في التخلص من فائض موظفيها، فقد كان عليها على الأقل أن تبدأ بالقطاعات المليئة بالموظفين الأشباح، أي أولئك الذين لا ترى منهم إلا الأجرة التي تدفعها لهم في نهاية كل شهر، ولو كان لديها القليل من الشجاعة والإرادة لفكرت أولا في استرجاع الملايير التي سحكها لصوص المال العام، وعوض التفكير في المغادرة الطوعية، لِمَ لم يفكر المسؤولون في تطبيق العودة الطوعية أو الإكراهية لأموال الشعب من جيوب اللصوص ومن أبناك الخارج. في بلدنا موظفون سامون يتقاضون كل شهر أجورا توازي ميزانيات جماعات محلية قروية في السنة، ولا أحد قال إنهم يثقلون كاهل الميزانية، وفي بلدنا موظفون ومسؤولون حكوميون يزيدون على أجورهم خناشي ديال التعويضات ولا أحد قال إنهم يثقلون كاهل الميزانية، إن الذي ينقص هذا البلد ليس المغادرة الطوعية، ولكن خصنا نْتْيّكو ونعاودو نفرّقوا، لأن مشكلتنا أننا نزيد الشحمة في ظهر المعلوف.