بتفويض من رئيس الحكومة المؤقتة إياد علاوي بدأت القوات الأمريكية هجومها الشامل على مدينة الفلوجة البطلة، وقد رأينا كيف بدا هذا الأخير مثل طاووس أمام عدد من الجنود العراقيين وهم يهتفون له بذات الطريقة التي طالما سخر منها هو ومعارضو الخارج، فيما كان وجهه يفيض بابتسامة عريضة!! كل تلك العنجهية وهو مجرد رئيس حكومة مؤقتة لا تتحرك آمنة إلا في خمسة كيلومترات مربعة من العاصمة، فيما يعلم القاصي والداني أنها مجرد واجهة لقوات الاحتلال، وليس لها من السلطات إلا ما يتفضل به عليها السفير جون نغروبونتي القابع بدوره في قلعة عسكرية يقرأ تعويذات معلمه بوش عسى أن يرحل عن العراق حياً كما رحل من قبل صاحبه بريمر. قد لا يبدو هذا الكلام مهماً، لكنه القهر الذي فاض كأسه في ظل تعرض الفلوجة التي غدت رمزاً للعزة والكبرياء في العراق لعمليات همجية يقودها قوم ظنوا أن العراق سيفيض عليهم بالخير وبالبركات وليس بالجحيم كما فعل بعد مجيئهم مباشرة، وقبل أن يشربوا شيئاً من نفطه أو يستمتعوا بروعة نخيله. منذ يومين بدأت المعركة غير المتكافئة بين رجال الفلوجة الأبطال ومعهم ثلة من الأباة الذين جاءوا يحرسون طهر العراق من دنس القتلة ممن يسميهم علاوي بالإرهابيين، في الوقت الذي يرى فيه بشمركة برزاني وطالباني إلى جانب مليشياته هو وصاحبه الجلبي عنواناً للعراق وتجسيداً لوحدة أرضه وترابه!! من المؤكد أنها معركة صعبة، فالقتلة لا يتفوقون إلا حين يقاتلون بالطائرات ويدكون البيوت من البعيد بالصواريخ ومدافع الدبابات، لكنهم يتساقطون عندما يلقاهم المجاهدون وجهاً لوجه في المعارك الأرضية وحروب الشوارع، وهم في هذه المعركة لن يتورعوا عن دك المدينة بالكامل متذرعين بقلة السكان بعد نزوح غالبيتهم إلى خارجها. لا يعني ذلك أن المعركة ستحسم بسهولة، فالرجال هناك مصممون على خوض معركة بطولة كما فعلوا من قبل في شهر نيسان الماضي، لكن دخول القوات الأمريكية للمدينة في نهاية المطاف لا يعني أن القتلة قد حققوا مرادهم. صحيح أن الفلوجة كانت ولا تزال رمزاً للمقاومة، لكن الحقيقة أن المقاومة تنتشر في المساحة الأكبر من العراق، ثم إن دخول المدينة لن يطفىء جذوة المقاومة فيها، بل سيعيدها، كما أشرنا من قبل، إلى طبيعتها المفضلة ضمن إطار الكمائن وسياسة أضرب واهرب. أما الأسئلة الأكثر أهمية التي تطرح نفسها في سياق معركة "الشبح الغاضب" فهي موقف المراجع الدينية الشيعية مما يجري في الفلوجة، فباستثناء موقف التيار الصدري المقدر ومعه ثلة من رجال الدين والسياسة الأقل حضوراً في الساحة الشيعية، لم نسمع من المراجع الكبار أية كلمة حيال ما يجري، أو حتى بشأن مشاركة العراقيين في الهجوم على الفلوجة، بل إننا لا نستبعد وجود فتاوى من تحت الطاولة تعتبر مشاركتهم جهاداً وقتيلهم شهيداً لأنه يقاتل "كفرة لا خلاف على كفرهم". وإلا فكيف نفسر تلك الحماسة لدى البعض في التحرك اليومي إلى جانب القوات الأمريكية، مع أننا ندرك أن بشمركة البرزاني والطالباني تشارك بحماسة أيضاً من أجل إرضاء السيد الأمريكي، عسى أن يكافأ الدم الكردي باستقلال أو شبه استقلال في الشمال!! لكن التواطؤ في المعركة لا يتوقف عند حدود موقف المراجع وزعماء الأكراد وبعض الرموز المحسوبة على العرب السنة ممن باعوا أنفسهم للمحتل، فهناك من وراء ذلك كله موقف عربي وإسلامي يثير القهر، وقد كان مهيناً أن يتصل وزير الخارجية الأمريكي باول بالأنظمة العربي للتأكيد على الحرص على حياة المدنيين واستهداف الإرهابيين وحدهم، فيما تعلم الأنظمة إياها أن أولئك الإرهابيين هم الذين حموها من الإذلال الأمريكي. من هنا يبدو أن على الموقف الشعبي العربي أن يقول كلمته حيال ما يجري، فمن يقاتلون في الفلوجة يدافعون عن شرف الأمة ومن حقهم على أمتهم أن تنصرهم بكل ما أوتيت من قوة وإمكانات. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني