تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بالمصالح المركزية للأمن الوطني    المزيد من التوتر بين البلدين.. وزير العدل الفرنسي يدعو ل"إلغاء" اتفاقية تتيح للنخبة الجزائرية السفر إلى فرنسا بدون تأشيرة    للتعبير عن انخراطهم في حملة "مرانيش راضي".. احتجاجات شعبية في ولاية البويرة الجزائرية (فيديوهات)    كيوسك الإثنين | "الباطرونا": الحق في الإضراب لا يعني إقصاء حقوق غير المضربين    نشرة إنذارية بشأن موجة برد مرتقبة انطلاقا من يوم غد الثلاثاء    أخنوش: الحكومة ملتزمة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية    اخنوش يحتفل بحلول رأس السنة الأمازيغية ويتناول "العصيدة" رفقة امزازي بأكادير اوفلا (فيديو)    تحذيرات خطيرة من كاتب سيرة إيلون ماسك    توقعات أحوال الطقس ليوم الاثنين    دراسة: ثلث سواحل العالم الرملية أصبحت "صلبة"    المغرب يتصدر قائمة موردي الفواكه والخضروات إلى إسبانيا لعام 2024    وزير العدل الفرنسي يطالب بإنهاء تنقل المسؤولين الجزائريين بلا تأشيرة    رياض يسعد مدرب كريستال بالاس    الوداد ينتصر على تواركة بصعوبة    بينهم 7 خليجيين.. اعتقال 15 شخصا في فيلا بتهمة الفساد    البارصا تكتسح ريال مدريد في جدة    الحسيمة تستقبل السنة الأمازيغية الجديدة باحتفالات بهيجة    بولعوالي يستعرض علاقة مستشرقين بالعوالم المظلمة للقرصنة والجاسوسية    أخنوش: الحكومة ملتزمة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية    سعر صرف الدرهم يرتفع مقابل الأورو والدولار    من المغرب إلى تركيا وسوريا: سياسات النظام الجزائري التآمرية.. دعم الانفصال واستعداء الجوار    أخنوش: الحكومة ملتزمة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية    نشرة إنذارية: موجة برد مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    بعد تحقيقه لملايين المشاهدات.. حذف فيلم 'نايضة' لسعيد الناصري من يوتيوب يثير الجدل    "برلمان" الأحرار يؤكد حرصه على مواكبة الورش التشريعي لاصلاح مدونة الأسرة واعتزازه بجهود أخنوش في قيادة الحكومة    جائزة "مغرب الفروسية" تحتفي بالفرسان والفارسات المغاربة المتألقين خلال سنة 2024    جهة الشرق: تدشين خط جوي مباشر بين الناظور والرباط    احتواء 11 في المائة من أكبر حريق في لوس أنجلوس    المملكة السعودية تحض القوى الغربية على رفع العقوبات الدولية عن سوريا    شركة "مناجم" التابعة للهولدينغ الملكي "المدى" تبيع منجم "أمجران" للنحاس بقيمة 30 مليون دولار    تنصيب رئيس لجنة الطلبيات العمومية    موجة برد قارس تضرب المغرب مع أمطار خفيفة في بعض المناطق    5 آلاف شهيد ومفقود في 100 يوم من العدوان الإسرائيلي على شمال غزة    تحرك وزارة الصحة للحد من انتشار "بوحمرون" يصطدم بإضراب الأطباء    بحضور وازن وغفير لعموم المهنيين من مختلف القطاعات والمهن الصحية بتطوان.. هيكلة القطاع الصحي الاتحادي وانتخاب أشرف الجاري منسقا إقليميا    برمجة خاصة لإذاعة تطوان الجهوية بمناسبة رأس السنة الأمازيغية الجديدة    حزب الاستقلال يطلق أول جيل من المناضلين الرقميين ويتطلع إلى عقد اجتماعي متقدم    "وحده الحب" فيلم يلقي الضوء على قضية الحدود برؤية سينمائية فريدة    مدرب الجيش الملكي: التأهل مستحق والفريق يملك هامشا للتطور أكثر    ارتفاع حصيلة القتلى في لوس أنجلوس    مضيان يدعو لاعتماد الحرف العربي في تعلم الأمازيغية إلى جانب تيفيناغ    المغرب يخطط لتوسيع شبكة الطرق السريعة بنسبة 66% بحلول عام 2030    الجامعة تعلن عن إلغاء السكتيوي معسكر مواليد 2000    خمسة أعداء للبنكرياس .. كيف تضر العادات اليومية بصحتك؟    التطعيم ضد الإنفلونزا في يناير وفبراير .. هل فات الأوان؟    نيويورك.. مشاركة متميزة للمغرب في معرض الفن والدبلوماسية    مقاربة إدارة بايدن في سورية بعد سقوط نظام الأسد    جامعة الركبي تعقد جمعين عامين    لقاء تواصلي لنجمي الكرة المغربية عزيز بودربالة وحسن ناظر مع شباب مدينة زاكورة    مركز تفكير فرنسي: مسار الانتقال الطاقي بالمغرب يسير قدما مدعوما بإصلاحات استراتيجية ومنظومة مبتكرة    اختتام أشغال قمة التنمية الزراعة الإفريقية على خلفية التزام بزيادة إنتاج الصناعة الغذائية    أخطاء كنجهلوها.. أهم النصائح لتحقيق رؤية سليمة أثناء القيادة (فيديو)    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انقلاب أفشله الشعب وحكومته المنتخبة وقواه السياسية
نشر في التجديد يوم 25 - 07 - 2016

قبل الحادية عشرة من مساء 15 يوليوز 2016، شهدت تركيا بداية تحركات عسكرية، برية وجوية، اتضح لاحقاً أنها ليست سوى محاولة انقلابية. بالنظر إلى عدد الجنرالات والعقداء الذين اعتقلوا بتهمة المشاركة في المحاولة، وانتشارهم في كافة فروع الجيش ومختلف مناطق البلاد العسكرية، يبدو الأمر وكأن هذا انقلاب لم يكن مقدر له أن يفشل.
ثمة قادة جيوش، وقادة أولوية كوماندوز متهمين بالمشاركة في الانقلاب، واحد على الأقل من قادة مشاة البحرية، رئيس أركان جيش بحر إيجه، ألوية من القوات البرية والجندرمة، قاعدتان جويتان، وعدد من ضباط هيئة الأركان؛ قوات من الجيش الأول، المتمركز في تركيا الأوروبية، وقوات من شرق وغرب وجنوب البلاد. سيطر الانقلابيون على مفاصل مدينة اسطنبول، على مطار المدينة، أكبر مطارات البلاد، وعلى مقر بلديتها ومفاصل شوارعها الرئيسية؛ المقر المركزي لشبكة الإذاعة والتلفزة الحكومية؛ مقر قيادة الأركان وقيادة قوات الجندرمة، ونجحوا في اعتقال رئيس هيئة الأركان، كافة ضباط القيادة غير المؤيدين معهم، قائد قوات الجندرمة، قائدي القوات البحرية والجوية؛ وهاجموا البرلمان ومقر قيادة الاستخبارات والداخلية بضراوة.
تمتع الانقلابيون بدعم عناصر متقدمة في المؤسسة القضائية؛ وأعدوا قوائم بمئات من الشخصيات التي توقعوا انخراطها في التعاون معهم إن نجحوا في السيطرة على مقاليد الحكم والدولة.
في الساعات الأولى للانقلاب، وقفت محطات التلفزة الغربية، ومعظم العربية، وتلك الناطقة باسم إيران والقوى الشيعية السياسية، موقف المؤيد للانقلاب، وتبنت مقولة نجاح الانقلابيين.
لم يخرج الرئيس الأمريكي، ووزير خارجيته، في تصريحات مؤيدة للشرعية الديمقراطية إلا بعد ظهور بوادر فشل الانقلاب. بمعنى، أن الانقلابيين لم يشكلوا قوة ملموسة وذات انتشار واسع في الجسم العسكري وحسب، بل وتمتعوا بدعم ظهير إقليمي ودولي كذلك، دعم ضمني أو صريح.
ولكن المحاولة فشلت، وبدأت بوادر فشلها بعد ثلاث ساعات فقط من بدايتها.
فشلت المحاولة، أولاً، لشجاعة الرئيس وشجاعة الشعب. كان إردوغان، عندما بدأ الانقلابيون تحركهم يقضي إجازته في جنوب غرب البلاد. وما إن أدرك حقيقة ما يحدث، لم يحاول الاختفاء أو البحث عن مأمن، بل دعا الشعب إلى الخروج لمواجهة الانقلابيين. وفي ظل أجواء بالغة الخطر، تحرك بطائرته إلى اسطنبول، التي كان المسرح الرئيسي للتحرك الانقلابي. لم يخيب الشعب ظن الرئيس، الشعب بكل فئاته وتوجهاته السياسية، وخرج بمئات الآلاف لحماية الرئيس عند هبوط طائرته في اسطنبول، وليحاصر مواقع انتشار قوات الانقلاب ويبدأ إخلاء المدن التركية منها.
كانت اسطنبول هي ساحة المواجهة الأولى بين الشعب والانقلابيين؛ وفي مدن أناضولية متعددة، وضع الأتراك سياراتهم أمام بوابات معسكرات الجيش ليمنعوا خروج أية قوات انقلابية محتملة. لقد خرج الشعب بكل قواه الاجتماعية لمواجهة الانقلابيين، ولكن عبء المواجهة الأكبر حملته الطبقة الوسطى التركية، بكل توجهاتها الثقافية والسياسية.
في 1960، سيطر الانقلابيون بسلاسة نسبية؛ وفي 1980، احتاجوا إلى سفك باهظ للدماء قبل أن يحكموا سيطرتهم. في 2016، هزم الشعب الانقلاب، لأن الكتلة الأكبر من الشعب تدرك حجم المخاطر التي ستتعرض لها البلاد إن سيطرت الأقلية العسكرية على مقاليد الحكم.
وفشلت المحاولة لأن الانقلابيين، بالرغم من قوتهم الملموسة وانتشارهم الواسع، لم يتمتعوا بدعم القيادات العسكرية العليا، وتحركوا بالتالي بدون غطاء من شرعية الجيش الحديث السحرية، المعروفة بسلسلة الأمر والقيادة.
نجح الانقلابيون في اختطاف رئيس الأركان وقائد القوات البرية، ولكنهم لم يحصلوا على تأييد أي منهما، ولا على تأييد قادة قوات الجندرمة وسلاحي الجو والبحرية. تغيرت تركيا بصورة كبيرة في العقد ونصف العقد الماضيين، وتغيرت معها ثقافة ورؤية قطاعات واسعة من قيادة الجيش.
وبالرغم من أن الثقافة القديمة لم تختف، فإن العقل الكلي للجيش أصبح اكثر إدراكاً لما يمكن أن يقبله الشعب وما يمكن أن يقاتل دونه.
وفشلت المحاولة لأن عدداً من رجال الدولة والحكم أظهر، في اللحظة الحرجة ذاتها، لحظة أن كانت البلاد في أشد الحاجة لموقف منهم، شجاعة نادرة.
أول هؤلاء كان رئيس الحكومة، بنعلي يلدريم، الذي كان اختياره لخلافة د. أحمد داوود أغلو في ماي الماضي أثار الكثير من اللغط. فخلال أقل من ساعة على بدء التحرك الانقلابي، خرج يلدريم إلى الشعب بتصريح يتحدى الانقلابيين، مؤكداً على أن ما يحدث هو تمرد غير قانوني، وأن الحكومة المنتخبة مستمرة في عملها، وأنها ستتصدى للمتمردين. وهناك أيضاً وزير الداخلية، أفغان علاء، الذي اثبت أنه لم ينجح، منذ تسلمه منصبه قبل ثلاث سنوات، في تطهير جهاز الشرطة والأمن من جماعة غولن، وحسب، بل وزرع في أجهزة الوزارة ودوائرها ثقافة احترام القانون والدستور. أمر علاء قوات الشرطة وأجهزة الأمن الاخرى بالتصدي للانقلابيين واعتقالهم، وبالقيام بواجبها في حماية مؤسسات الدولة وحماية جموع الشعب. الاستجابة السريعة من أغلب عناصر الشرطة والأمن لأوامر الوزير، ساهمت مساهمة كبيرة في تغيير ميزان القوة ضد الانقلابيين.
وثالث هؤلاء كان قائد الجيش الأول، أكبر فيالق الجيش التركي، والذي يتخذ من معسكر السليمية العسكري في اسطنبول مركز قيادة له.
أدرك الجنرال اوميت دوندار سريعاً أن الانقلابيين نجحوا في احتجاز رئيس الأركان والسيطرة على مقر قيادة القوات المسلحة. ولكن هذا لم يفت من عضده، وكان أول الضباط الكبار الذين أعلنوا معارضتهم للانقلاب والتوكيد على أن الانقلابيين لا يمثلون المؤسسة العسكرية، بل مجرد فئة متمردة عليها. وهذا ما دفع رئيس الحكومة، بعد أن أصبح غياب قائد الأركان يمثل معضلة كأداء في طريق إعادة بناء النظام وتسلسل القيادة في الجيش، إلى تعيين دوندار قائماً بأعمال رئيس الأركان.
ولا يقل عن دور هؤلاء، على الإطلاق، إن لم يزد، ما قام به رئيس جهاز الاستخبارات، د. حاقان فيدان، من التحذير المبكر من المحاولة، وقيادة أعضاء جهازه في مقاومة صلبة لهجوم الانقلابيين البربري على مقر جهاز الاستخبارات، ثم، خلال المرحلة التالية، في لعب دور رئيسي في مطاردة قيادات الانقلاب، ومشاركة وحدات الأمن في إلقاء القبض عليها.
وإلى جانب هؤلاء جميعاً، كان الدور الهام الآخر الذي قام به قائد القوات الخاصة لوزارة الداخلية، الجنرال زكاي أكساكيالي، ليس في الإعلان عن معارضة المحاولة الانقلابية وحسب، بل وفي مقاومة الانقلابيين وطردهم من عدد من المواقع الهامة، أيضاً. في ساعات الغموض الأولى حول الولاء، كانت القوات الخاصة أول قوة ذات وزن تقف في مواجهة الانقلابيين.
أخيراً، وليس آخراً، فشلت المحاولة لأن الانقلابيين لم يجدوا جهة سياسية واحدة تقبل أو تؤيد ما قاموا به. هذا ليس 1960، عندما هاتف جمال غورسيل، قائد الانقلاب، رئيس حزب الشعب ورئيس الجمهورية الأسبق، المخضرم، عصمت أينونو، وقال له «نحن بانتظار أوامرك يا باشا»؛ ولا 1980، عندما أظهرت كافة الأحزاب التقليدية قبولاً ضمنياً بالانقلاب.
بعد أكثرمن ستين عاماً من النضال من أجل الديمقراطية، تعلمت الطبقة السياسية التركية الدرس. ومن اللحظة التي أدرك فيها قادة أحزاب المعارضة أن الحكومة قررت التصدي للانقلابيين، أعلن الواحد منهم تلو الآخر معارضته للمحاولة الانقلابية وتأييده لموقف الحكومة ورئيسها.
هكذا، ولهذا كله، أخفق الانقلابيون، في واحدة من أخطر المحاولات لتقويض الحريات والديمقراطية في المشرق برمته. وليس ثمة شك أن ما شهدته تركيا في تلك الليلة الطويلة، يغري بالمقارنة مع ما عاشته مصر في الأيام الثلاثة الأولى من يوليوز 2013.
ثمة تباين في الظروف والسياقات، بالطبع، ولكن، إن كان للطبقة السياسية التي مهدت الطريق للانقلاب على الديمقراطية الوليدة في مصر، من مثقفين وحزبيين وشخصيات عامة، أن تبحث عن مرآة كبرى لرؤية عارها على حقيقته، فعليها بالتأكيد النظر إلى تركيا ليلة 15/ 16 يوليوز 2016.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.