هذه أحاديث جليلة ذات مواضيع عظيمة، وهي أحاديث مَن أوتي جوامع الكلم والذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. منها ما يدعو إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة وإخلاص الدين له، ومنها ما يحذر من الشرك والبدع والمعاصي والموبقات، ومنها ما يدعو لحب الله ورسوله والمؤمنين، ومنها ما يحث على التمسك بالكتاب والسنة واتباع منهج الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، ومنها أيضا ما يدعو إلى مكارم الأخلاق وطيب المعاملات، وكريم السجايا والخصال. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال: >إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله (وفي رواية إلى أن يوحدوا الله)، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب<. التخريج الحديث أخرجه البخاري في موضعين(1395/1458) ومسلم حديث رقم,31 والنسائي 3/,5 وابن ماجة حديث رقم,1783 والدارمي حديث رقم1662 وأحمد233/1 راوي الحديث هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحبر البحر لسعة علمه، وهو أحد المكثرين من الصحابة في الرواية، وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة، مات سنة68 هجرية. المفردات بعث: أرسل أهل الكتاب: هم اليهود والنصارى شهادة أن لا إله إلا الله: الاعتراف بأنه لا معبود بحق إلا الله، وأن عبادة ما سواه باطلة وشرك به سبحانه افترض: أوجب وحتم صدقة: المراد بها في الحديث الزكاة المفروضة كرائم: خيار المال وأنفسه وأكثره ثمنا. بيان منهج الدعوة إلى الله يبين هذا الحديث الخطوات الواجبة التي يجب أن يسلكها الداعي إلى الله، فأول شيء يجب أن يبدأ به هو الدعوة إلى التوحيد، وإفراد الله وحده بالعبادة والابتعاد عن الشرك صغيره وكبيره، وذلك يكون بشهادة أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله. والمقصود بهذه الشهادة أن العبادات بكل أنواعها حق ثابت لله وحده لا يستحق سواه منها شيئا، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا رجل صالح، ولا شجر ولا شمس ولا قمر. فلا يدعى إلا الله وحده ولا يستغاث إلا به ولا يستعان إلا به، ولا يتوكل إلا عليه ولا يُخاف ولا يُرجى إلا هو. فمن صرف شيئا من هذه العبادات أو غيرها لغير الله فقد أشرك بالله ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار. شروط شهادة أن لاإله إلا الله ليس المراد من لا إله إلا الله مجرد النطق بها، بل لابد من معرفة معناها والعمل بمقتضاها ولابد من استكمال شروطها، وهي سبعة: العلم المنافي للجهل اليقين المنافي للشك القبول المنافي للرد الانقياد المنافي للترك الإخلاص المنافي للشرك الصدق المنافي للكذب المحبة المنافية لعدمها أو ضدها شروط شهادة أن محمدا رسول الله والمقصود بشهادة أن محمدا رسول الله: معرفة معناها والعمل بمقتضاها، فليس المراد أبدا مجرد التلفظ بها، فهي تعني تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر وعبادة الله بما شرع على لسان هذا الرسول الكريم لا بالهوى ولا بالابتداع، فعلى كل مسلم معرفة معنى الشهادتين حق الفهم والمعرفة، والعمل الجاد بمقتضاها وهو التصديق والايمان والعمل بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة، فيما يتعلق بالعقائد والعبادات والتشريعات في كل مجالات الحياة. ما يستفاد من الحديث التوحيد هو أساس الإسلام. أهم الأركان بعد التوحيد هو الصلاة. وأوجب أركان الإسلام بعد الصلاة هي الزكاة. والإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه أو نائبه. وفي الحديث دليل على أنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد. وفيه أنه لا يجوز دفعها لغني. وفيه أنه يحرم على العامل في الزكاة أخذ كرائم المال. وفيه تنبيه على التحذير من جميع أنواع الظلم. وقبول خبر الواحد العدل في العقيدة وما يوجب العمل. وفيه أيضا أنه يبدأ الداعي بالأهم فالأهم.