مازلنا نواصل نشر أعمال والدنا رحمه الله في هذه السلسلة المخصصة لكتاباته العديدة في ميادين شتى، وكان دأبنا هو تبيان جوانب ما جال فيه يراعه، وكنا كل مرة نحاول أن نأتي بالجديد، لهذا ارتأينا هذه المرة أن نخوض في الجانب الأدبي، وخاصة الجانب الشعري الذي يحتل فيه منزلة رفيعة بثقافته الواسعة وبمواهبه الشعرية، ولا أدل على ذلك من غزارة إنتاجه في هذا المضمار( حوالي عشرة آلاف بيت شعري). بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه مازلنا نواصل نشر أعمال والدنا رحمه الله في هذه السلسلة المخصصة لكتاباته العديدة في ميادين شتى، وكان دأبنا هو تبيان جوانب ما جال فيه يراعه، وكنا كل مرة نحاول أن نأتي بالجديد، لهذا ارتأينا هذه المرة أن نخوض في الجانب الأدبي، وخاصة الجانب الشعري الذي يحتل فيه منزلة رفيعة بثقافته الواسعة وبمواهبه الشعرية، ولا أدل على ذلك من غزارة إنتاجه في هذا المضمار( حوالي عشرة آلاف بيت شعري). لقد كانت سنة 1354ه سنة العطاء الشعري عند والدنا، ففيها صدرت منه أروع القصائد الشعرية، كقصيدته البائية في الذكرى الألفية للمتنبي، وكقصيدته الدالية التي أعذل فيها على حد تعبيره محمد المهدي وأخاه أحمد شوقي المراكشي، ومنها الرائية التي صدرت منه يوم أعرس مولاي عبد الله إبراهيم، هذا زيادة على قصائد أخرى، منها تشطيره لواوية النقيب عبد الرحمن بن زيدان التي قالها في المغفور له الملك محمد الخامس بمناسبة عيد العرش، وبما أنه في هذه السنة كان في أوج عطائه كما يقولون شطر أيضا القصيدة النونية للأديب الشاعر الحسن بن أحمد البونعماني، التي كان قد قالها أيضا في عيد العرش على غرار ما فعله ابن زيدان، نقول إن هذه القصائد كما يقول أرسلها في إضبارة إلى الحسن البونعماني، الذي كان آنذاك ( 1354ه) ضيفا على النقيب ابن زيدان، فما كان منهما بعد أن حللاها واندهشا من روعتها إلا أن يبايعاه على إمارة الشعر بالقطر المغربي. لهذه الأسباب نود أن نبين هذه المبايعة التي كان قد ذكرها والدنا في كتابه (الرسالتان صفحة 173) بدون إعطاء التفاصيل، وهو ما دفعنا الآن إلى الكشف عنها، وقد أوردها في مخطوط كتابه مشيخة الإلغيين من الحضريين عند ترجمته للنقيب ابن زيدان، حيث ذكر القصائد التي ذكرناها آنفا، وذكر الرسالة (الوثيقة) التي أرسلها له الشاعر الفحل الحسن البونعماني، والتي ثمن فيها على شاعريته وعلى مبايعته هو وابن زيدان للإمارة الشعرية، وسنورد هنا ما جاء في ذلك كله، على أننا اضطررنا إلى عدم نشر القصيدتين الرائية والدالية كاملتين وذلك حتى يتسنى ذكر بعض الأبيات من تشطيره لواوية ابن زيدان ونونية البونعماني في الشطر الثاني من هذا المقال، وعلى أن نضيف إليها بعض أبيات البائية التي قالها في الذكرى الألفية للمتنبي. إننا في هذه الحلقة لا نريد الخوض في التعريف بشعر والدنا ولا تحليله ولا مناقشته، وإنما كان هدفنا هو تبيان هذه النقطة (الإمارة الشعرية)، وبعدها نترك المجال لذوي الاختصاص الذين كتبوا وقالوا الشيء الكثير عن الجانب الشعري هذا، ونود فقط أن نشير إلى أن الرصيد الهام الذي تركه والدنا من الأشعار والقصائد والأبيات الشعرية جاوز تسعة آلاف بيت شعري، وربما اقترب من عشرة آلاف، حيث أننا نعلم له أن ما نشر في ثنايا كتبه وفي بعض المجلات والجرائد والكتب الأخرى لغيره، جاوز سبعة آلاف وخمسمائة بيت شعري، وهناك ما يزيد على ألفي بيت شعري وزيادة هي التي لم يدونها في كتبه، ولدينا منها الشيء الكثير جمعناها في مجموع أسميناه المختار من شعر السوسي محمد المختار، وذلك منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وقد جمعنا هذا كله من مصادر متعددة كالكثير من الأصول التي تحت أيدينا ومن بين ما وجدناه في خزانة والدنا إما مندسا في الكتب والأوراق، أم في بعض الدواوين لبعض السوسيين الذين كانوا يعتنون بجمع ما أمكن جمعه من قصائد ورسائل وفتاوى وظهائر وغيرها، ومن أهمها ديوان لأحد الإلغيين وكناشات عديدة، بل وجدنا العديد منها بخط والدنا في أغلفة بعض مخطوطات كتبه وكتب غيره. رضى الله عبد الوافي المختار السوسي المكلف بنشر ثرات والده للاتصال: 51 97 46 070 العلامة محمد المختار السوسي ومبايعته من طرف الشاعر المفوه الحسن بن أحمد البونعماني، ونقيب الشرفاء العلويين عبد الرحمن بن زيدان على إمارة الشعر بالمغرب، حسب ما دونه عند ترجمته للنقيب ابن زيدان في مخطوط كتابه مشيخة الإلغيين من الحضريين ......... كان الأخ الشاعر البونعماني كتب إلي أواسط سنة 1354ه بقصيدة واوية لابن زيدان مطلعها: زمن الإقبال وافى في زهو *** وازدهاء وازدهار وسلو وهي قصيدة طويلة في هذا الروى الغريب يمدح بها جلالة السلطان في عيد العرش بتلك السنة، وكذلك قال البونعماني قصيدة في الموضوع نفسه مطلعها: اليوم يظهر شاعر الوجدان *** العبقري الممتاز بالتبيان فأوعز إلي أن أشطر القصيدة الزيدانية كاقتراح من النقيب نفسه، فصادف مني ذلك قابلية تركتها في قصائد صدرت عني إذ ذاك، منها قصيدة بمناسبة ذكرى المتنبي، مطلعها: هزت قبور بني حمدان في حلبا *** ذكرى تسابق فيها ألسن الأدبا ومنها قصيدة دالية كنت أعذل فيها الأخوين محمد المهدي، وأخاه الأديب أحمد شوقي، وهما من تلاميذي، وسبب ذلك أنني دخلت إلى منزلهما، فصادفت عند أحدهما أحد الطلبة، فاستحيا أن أراه هناك، فاختبآ مني معا حياء لا غير، ولكن صادف ذلك مني حرجا في صدري، فتفجر في ضمن دالية مطلعها: مددت حبال الوصل نحوكم مدا *** وحاولت جهدي أن أصول لكم عهدا ومنها رائية أخرى مطلعها: إلى أين دياك البيان الذي أدري *** فما هكذا عودت إن جيت للشعر وسببها أن الأديب عبد الله بن إبراهيم أعرس إذ ذاك، فتقدم إليه أدباء الشباب بالتهاني الشعرية، فنددوا علي حين تأخرت عن ذلك، فحاولت مطلعا، فلم يتأت لي، فجاء هذا المطلع، فاستغللته ثم تخلصت من معناه بعد أبيات إلى الموضوع، وهي قصيدة تبلغ نحو سبعين بيتا. بهذه القصائد شحد غراري، فحين جاءت القصيدة الزيدانية شطرتها بسهولة، ولكن بنوع من الشعر لا يحتاج إلى أن يوصف، لأنه من النوع العادي، ثم ثنيت بقصيدة البونعماني، فأرسلتهما مع القصائد الثلاث المتقدمة كلها في إضبارة واحدة، فأجابني الأديب البونعماني، وهو إذ ذاك في حضرة الزيدانية بما يأتي: فضيلة الأستاذ العلامة المرتجل الفياض الموهوب الخنذيذ سيدي محمد المختار، تحية طيبة، وإعجابا كثيرا. سيدي: لا أريد أن أتحدث لك الآن عما يخامرنا من نفثاتك السحرية، ولكنني أقول لك: هل تريد أن تتفضل بمبايعتي إياك على الإمارة الأدبية، وإن كنت قبل اليوم تأفف من هذا اللقب مفخرة سوس أم لا بد لنا من إقامة الدليل على هذه الجدارة، لتعلم أنك جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، ولتعلم من جديد أن القطر المغربي رأى أن يمنحك لقب أميرالشعراء بالمغرب، وإن كان الاستحقاق هو الذي يمنحه لك. في عشية أمس يوم السبت، توصلنا بكتابكم المنطوي على تشطيركم للقصيدتين الزيدانية والبونعمانية، فرأينا ما يدعو إلى الإعجاب بما رزقتم أيها الشاعر العظيم من الثروة الخيالية، وتوقد الذهن وسرعة الارتجال وفيضان القريحة وفخامة المباني، وتنسيق المعاني، ومعرفة اختيار التعابير المطرية، ومتانة الألفاظ المحكمة، إلى غير ذلك من لوائح التطلع في الفن، وإحراز السبق في الميدان، والفوز بالقدح المعلى. لما استوعبت تشطير قصيدتي، ورأيت ما زادها التشطير من جمال وروعة وقوة روح وإتقان الموضوع، غيرت المثل المشهور وقلت: هكذا يا سعد تورد الإبل، وهكذا ينبغي أن تكون القصيدة من أول، وأن تظهر بها منذ النشأة الأولى، لو كان البونعماني إلى ذلك موفقا، ولكن قيل من قديم: حيل بين العير والنزوان، وقبل الرماء تملأ الكنائن. هكذا شاء ربك أن يشاهد الناس بعين البصر والبصيرة التفاوت في الشأو والمدى بين الفرسان في الميدان، وأن يروا رأي عين المجلى من السكيت في المضمار، حين انجلى الغبار، وفي المجال تمتاز الرجال: ما كل ما يتمنى المرء يدركه *** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن قرأنا التشطيرين، وشرعنا في القصيدتين الدالية والرائية، إذا بنوع آخر من الطراز البديع يستوقف الأنظار، ويحرك النفوس ويملك الشعور ويبعث كل إعجاب بعبقرية ناسجه المبدع، فهناك لمسنا السحر الحلال الذي يأخذ بمجامعنا، ويدب في عروقنا دبيب الراح في مسا الأرواح في الأشباح، فنقف عند كل معنى معنى معجبين بما أوحاه خيالكم الصادق ودبجه يراعكم السيال، فهلم معي لتسمع قولك في الدالية: تكشف لي ما لم أكن قط حاسبا *** وأبدى لعيني فعلكم أمس ما أبدى فثرت وقد سمت الهوان ومن يسم *** هوانا يثر عن رغمه أسدا وردا ففاضت شراييني وغاض تجلدي *** وقد كنت عند الحادثات الفتى الجلدا والقصيدة كلها غرر ودرر، إنما أفردت هذه الأبيات لما فيها من وثبات الخيال، كوثبات الأسد الورد، أو وثبات شاعر عزوف غيور إذا سيم الهوان، أو رأى ما يمس بالشرف والكرامة مثل شاعرنا المختار. وأريد أيضا أن تقرأ معي كذلك قولك في الرائية: كأن لم أقل شعرا كأن لم تجل على *** سماواته روحي بأجنحة النسر كأن لم أكن رب القريض كأنه *** خمائل رفت بالغصون وبالزهر كأن لم أكن ذلك الذي تعرفونه *** أقول فآتي بالحلال من السحر عرفناك وآمنا بسحرك يا مختار، فلتكن مطمئنا، وإن سكت بعد تغريدك ألف عام، وكيف لا نعرفك ونحن لم نزل نكابد ونقاسي ما أوريته بزندك، وقرحته بين جوانحنا بشعرك، ونعالج ما نفثت من سحرك: كأن لم أقف في محفل بفصاحتي *** فأغدو خضما هاج باللجج الخضر أثير شعور السامعين كأنما *** دلفت إلى الجلاس في جحفل مجر أدير عليهم من بياني كأنني *** أدير عليهم من مشعشعة الخمر اتق الله يا مختار، أهكذا أصبحت تريد أن تقضي على هذه النفوس ببيانك الساحر الخلاب، وتستولي عليها بسلطان شعرك الجبار العنيد؟ وقد كنت أرفق الناس بها، ولم يشف غليلك إلا أن تسقيها من مشعشعة خمرك التي لا يصحو ثملها، وشدوت لها حتى جدت في السير، وهامت على وجه الأرض: رفقا بهن فما خلقن حديدا *** أو ما تراهن أعظما وجلودا ذلك ما رأينا من التشطيرين، وهذا ما شاهدناه من القصيدتين الدالية والرائية، ولم يبق إلا أن ينعقد الإجماع هنا وهناك على الاحتفال الرسمي للأستاذ محمد المختار ليبايعه كل واحد على إمارة الشعراء بالقطر المغربي، وسيادة الشريف النقيب الأديب الكبير مولانا عبد الرحمن بن زيدان من المبايعين منذ الآن، وهاك على ذاك يدي. ويلاحظ أن سيادة الشريف يؤكد أنه ليس ممن سامحوك قبل على مهاجرتك لفن الأدب وقرض الشعر وإيثار ما أنت فيه منهمك من أنواع الدروس المختلفة فقط، دون أن تعطي للأدب حظه منك، وما حظه منك إلا أعظم حظ، سامحك الله يا مختار، لقد جنيت على الأدب العربي بالمغرب بصدودك عنه وهجرك المستمر إياه، ونعيذك جميعا من مثل هذا القول الذي ختمت به قصيدتك الرائية الرنانة، التي كادت تنسي رائية ابن الهجم بين الرصافة والجسر، ألا وهو قولك: وأما نظيري فليقل رغم أنفه *** سلام على الدنيا سلام على الشعر وقد كنت أريد أن أجيبكم شعرا، ولكن حيل بيني وبين منيتي، والشريف رب المثوى، يسلم عليكم، ويشتاق إليكم كثيرا، وسيجيبكم في القريب، ونحن في أرغد عيش هنا بمكناس، أقضي جل نهاري في مطالعة الأغاني، وكل الليل في التمتع بالراديو، ومفاكهة ونعيم. 12 رمضان 1354ه الحسن البونعماني ذلك ما كتبه الشاعر البونعماني، ولا أقف أنا إزاء ما كتبه معتذرا تضاءل بالتواضع الكاذب، ولا منتفخا فخورا حين فزت من قلم الأخ البونعماني السيال، وبنظرات العلامة ابن زيدان بما رأيته، وإنما الذي علي أن أسوق القصيدتين الدالية والرائية، وللقارئ بعد ذلك نظره الحر، والناس أذواق، والنهار إذا طلع حقيقة في الأفق لا يخفى على ذي عينين، والتمويه والزخرفة لا يعليان من شأن السقط من المتاع، كما أن الغمط لا ينقص من نفاسة، ما كان في الحقيقة نفيسا، فأما الواوية الزيدانية المشطرة، فقد نشرت السعادة أصلها، ولا معنى لتخليدها هنا، بعدما خلدت في جوار قائلها المبدع الفنان، وأما القصيدة النونية البونعمانية، فسأرجئها إلى أن ياتي دوره مع أهله في القسم الرابع إن شاء الله (1). الدالية كنت أسمر كثيرا في دار جارنا القاضي ابن العربي الدكالي، إما معه وإما مع أولاده، نتدارس الأدب، ففي ليلة بين العشاءين وقعت تلك الحادثة، فخلدتها هذه القصيدة، فقال أحمد شوقي: هذا والله هو الظلم، فإننا ما أذنبنا كلنا فكيف تأخذ الجار بالجار، وهل ما وقع فيه أخي المهدي أتحمل أنا فيه حظي؟ فقلت له: أو لم تسمع قول الله تعالى: (واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)، فقال: وإنما سمعت قول ابن الحسين: (وعداوة الشعراء ييس المقتنى) فقلت له: سبق السيف العذل، وكان ما كان، والواقع لا يرتفع: 1 ) مددت حبال الوصل نحوكم مدا *** وحاولت جهدي أن أصون لكم عهدا 2 ) تصدون لاكني أوالي وصالكم *** وألقي وراء الظهر ذلكم الصدا 3 ) وتلوون عن وجهي وأقبل نحوكم *** بوجهي كأن لم يغد إعراضكم عمدا 4 ) أزاول من أجفالكم ما لو أنني *** أزاوله في الأسد روضت لي الأسدا 5 ) فكم جفوة نشرتموا لي طويتها *** بلطفى طي التاجر اللبق البردا 6 ) وكم مرة أعرضتموا عن زيارتي ***وصعرتموا لي في مناهجكم خدا 7 ) وإني على عهدي أواصل حبلكم***وكيف أرى إن خست إخواني العهدا؟ 8 ) مواصلة علمية لم يكن لها *** سوى البحث في الآداب من بيننا وردا 9 ) أظل على الشعدان يومي وانثنى*** إليكم فنجني من مباحثنا وردا 10 ) أفارق جلاسي وأسمر معكم *** لنشتار بالأبحاث ذالكم الشهدا ************************* 38 ) وهل كنت إلا حصنكم وسياجكم *** وسيفكم المجلو واليلب السردا 39 ) أدافع عنكم إن غمزتم إذا بمن *** يلم بكم ألقمته الحجر الصلدا 40 ) أسد لكم باب الهوى جهد طاقتي *** وأفتح باب الرشد كي تحرزوا الرشدا 41 ) طريقي طريق المصلحين وإذ ونت*** بكم طرق الإصلاح فلأطردن طردا 42 ) ستدرون في المختار من تفقدونه *** وفي ألسنة الشهباء تفتقد الجودا الرائية كنت دائما أشجع الشباب إلى أن ينهضوا إلى العلم الصحيح، وأن يلقوا ظهريا ما كان معتادا أن يتلهى به من لا يتبصر بعد في حياته، فكنت أزج نفسي بين تلاميذي كأحدهم في ميدان الأدب، تنشيطا لهممهم وشحذا لأفكارهم، فكنت أباسطهم وأقول دائما: إننا نحن الشيوخ كادت أيامنا تنقضي، والمستقبل لكم، ولذلك لما أعرس الأديب عبد الله بن إبراهيم المراكشي، وقد جرى أدباء الشبيبة في تهنئته، جاريتهم في ذلك مع ترديد ما كنت أباسطهم به، فجاءت هذه القصيدة كما ترى، وفيها تلويح لقضية وقعت في عرس القاضي أبي بكر المسفيوي، وقد كان هؤلاء الشبان ساروا فيها أشواطا يدلون بمقامهم، فكنت إذ ذاك أعاكسهم تنشيطا ومباسطة، واليوم ألقى لهم الزمام، وأمد إليهم يد الاستسلام، ولكل مقام مقال، وفي مراعاة ذلك تتفاوت الرجال. 1 ) إلى أين ذياك البيان الذي أدري؟ *** فما هكذا عودت إن جيت للشعر 2 ) أأعجز عن بيت وحيد وقد أرى *** قصائد يتلوها على مسمعي غيري 3 ) وهذا مكان القول لو كنت قائلا *** ولكن كأني قد فكري من الصخر 4 ) أهيئ قرطاسي وأشرع مرقمي *** ولا كن مريي لا يدر به فكري 5 ) كأن لم أقل شعرا كأن لم تجل علي *** سماواته روحي بأجنحة النسر 6 ) كأن لم أكن رب القريض كأنه *** خمائل رفت بالغصون وبالزهر 7 ) كأن لم أكن ذاك الذي تعرفونه *** أقول فآتي بالحلال من السحر 8 ) كأن لم أقف في محفل بفصاحتي *** فأغدو خضما هاج باللجج الخضر 9 ) أثير شعور السامعين كأنما *** دلفت إلى الجلاس في جحفل مجر 10 ) أدير عليهم من بياني كأنني *** أدير عليهم من مشعشعة الخمر ******************************* 68) هنيئا مريئا أيها النشء فامرحوا *** كما شئتم أعلين مرتفعي القدر 69 ) وقولوا كما شيتم قريضا كأنما *** تناولتموه من وجوهكم الغر 70 ) فما ضركم حدثان سن إذا انتحت *** بكم همم شماء للرتبة البكر 71 ) ليهنكم العيش اللذيذ بني الهنا *** ليهنكم الشعر البليغ بني العصر 72 ) وأما نظيري فليقل رغم أنفه *** سلام على الدنيا سلام على الشعر ******************************* تلك هي القصيدة الرائية التي أعلنت فيها رأيي في هذا النوع من الشعر، الذي هو باسم النظم أليق به من اسم الشعر إن أردنا الحقائق، وأنه كلام فارغ ليس عليه رواء، ولا هو من شعر كما يكون الشعر، ولا من نثر كما يكون النثر. ذلك وصف القصيدة عندي يوم قلتها، ولم أقصد بذلك النوع إلا مداعبة لأصحابنا الأدباء الجدد، ولكن الشاعر البونعماني تلقف من تلك الأبيات الأولى التي خرجت مخرج التأسف، على ما حرمته من الشعر الذي أختاره، فاقتبس منه ما اقتبس، وهو من نعرفه ذوقا وجودة إدراك، فله حكمه ولنا حكمنا، وللقارئ بعد ذلك حكمه المسمط الذي لا يتعقب، وما قولي هذا منصدرا عما يعهد من البلداء في مثل هذه المواقف من التواضع المزيف، وإنما أعلن ما أعرف، والسلام. الهوامش: 1 يعني بذلك رحمه الله الجزء الثالث عشر من المعسول عند ترجمته لسيدي الحسن البونعماني وهناك ذكر القصيدة كاملة ابتداء من صفحة 182وسنورد هنا بعضا منها، وكما قلنا من قبل فإن هذا الكتاب كان في الأصل فصلا من فصول المعسول تشطير واوية ابن زيدان في 8 9 1354ه اقترح علي الأستاذ الكبير الشيخ مولاي عبد الرحمن بن زيدان، أن أشطر له قصيدة قالها في جلالة السلطان محمد بن يوسف، بمناسبة عيد العرش. فقلت: (وما بين القوسين فالأصل) (1). 1 (زمن الإقبال وافى في زهو) üü ودنا السعد لنا أي دنو 2 طلع العيد علينا بهنا *** (وازدهاء وازدهار وسلو) 3 (وتجلى في جمال يومه) *** بيننا زهر ربى عند الزهو 4 حل عيد العرش في إشراقه *** (فانجلى كل عناء وجسو) 5 (وغدا الدهر لنا مبتسما)*** ثغره وهو إلينا في رنو 6 فالأماني انشرحت طلعتها *** (بعد تعيس وللبشر فشو) 7 (وجمال الملك في رونقه) *** زهرات ناضرات في الضحو 8 مثل ما كان بدا في مجده *** (عاد مع نصر عزيز بقرو) 9 (وبشير البشر أضحى معلنا) *** ان عرش الملك في أسمى سمو 10 قد علاه فائق أجداده *** (مذ بزوغ الملك في حين البدو) ومما جاء في آخرها: أدرك المغرب فضلا وعلا *** (منهم لا كان للفضل خبو) (ما حدى حادي التهاني قائلا) *** منشدا عندك في تلك البهو مطرقا عندك في إنشاده *** (زمن الإقبال وافى في زهو) *********************************** (1) 1 نقلنا ما جاء في هذه القصيدة مع تقديمها من ديوان خاص بوالدنا الناشر تشطير نونية الحسن البونعماني إن القصيدة المسطرة أسفله جاءت إلى الأستاذ سيدي محمد المختار من السيد الحسن البونعماني، الشاعر الأديب، هي وهذه المشطرة حوله، ولما جاءتا لم يطلب المذكور إلا تشطير الأولى (الزيدانية)، فأما هذه فإنما شطرت تبعا لتلك، حيث إن قريحته حفظه الله لم يزل يحس فيها بنشاط، فامتدت إلى هذه أيضا فشطرها، وإليكها في ثوبها القشيب الذي أبرزها فيه (وما بين القوسين هو الأصل)(2). -1(اليوم يظهر شاعر الوجدان) *** ويبين رب المنطق الفتان 2 ويرى الورى إن قال كل أنني *** (العبقري الممتاز بالتبيان) 3 (ياليتني أحظى به لكنه) *** قد حيل بين العير والنزوان 4 فبأي أفكار أصوغ كما أشا *** (وبأي لفظ أم بأي لسان) 5 (لا تعجبوا إن كنت يومي مجبلا) *** فالعضب قد ينبو غداة طعان 6 أواه أين أنا وأين قريحتي *** (كم آمن الشعر بسحر بياني) 7 ماذا علي اليوم بعد تفوقي *** في الأمس إن قلت شباه سناني 8 قد كنت لو وفقت أنشىء مفردا *** (إذ كان أكدى سائر الأقران) 9 (يا حسرتي من ذا يقوم بواجبي) *** ويشيد مدح جلالة السلطان 10 وأنا المجلى دائما في مدحه *** (أواه إن أحجمت في الميدان) *********************************** 71 أحرزتم في المجد ما يحويه من *** (يعزى لبيت المصطفى العدناني) 72 (لازال ملككم يعم ضياؤه) *** ما بين (آمركا) إلى (اليابان) 73 وعظيم فخركم يطير به النبا *** (ويسير سير الشمس في البلدان) 74 (والتاج معقود على هاماتكم) *** والسر في الهامات لا التيجان 75 والنصر يخدمكم ويخدم جيشكم *** (والملك في عز وفي ريعان) *********************************** 1 نقلنا هذا التقديم من أحد دواوين والدنا الخاصة، والتي ذكر فيها هذه القصيدة بخط أحد النساخ المتعاونين معه، وهي في 75 بيتا، وقد سقط سهوا البيت رقم 34 من هذه القصيدة عندما ذكرها والدنا في المعسول (ج 13 182 184) وهو هذا: 34 : (وتزيدنا الأطيار من نغماتها ) *** لله ما يهدي إلى الآذان الناشر فلتحيى ذكرى نبي الشعر قصيدة العلامة محمد المختار السوسي في الذكرى الألفية على وفاة شاعر العروبة أبو الطيب المتنبي، ننقلها من الجزء الأول من كتاب خلال جزولة، الجزء الأول صفحات 99 105 ( نأتي فقط ببعض أبيات منها وبما انتهت به). ........ فقدم لي سيدي إبراهيم قصيدة لي بائية كنت قلتها في العيد الألفي للمتنبي 26 رمضان 1354ه، وقد جاء في استدعاء في ذلك الحين من دمشق، ثم اكتفيت بأن جعلتها بين القصائد المغربية المنشورة في هذا الموضوع من تطوان في كتاب خاص، ولكنها غير محررة هناك، فإذا سردناها هذا النهار ...... فلنودها لتكون هذه النسخة الصحيحة هي المعتمدة: 1 هزت قبور بني حمدان في حلبا *** ذكرى تسابق فيها ألسن الأدبا 2 اليوم تسترجع الآداب دولتها *** يا سعد من يستلذ الشعر والأدبا 3 ماست على الواحة الأقلام من طرب *** ومن نيل مبتغاه فليمس طربا 4 تختال بين سطور الطرس مشية من *** نال انتصارا على الأقران والغلبا 5 فازت على السيف فاختالت بغبطتها *** والسيف في غمده ينقد مكتئبا ******************** 33 اليوم للمتنبي يوم معجزة *** أجل لحاظك كيما تبصر العجبا 34 أحيا لنا الأدب الحي النظير وقد *** أمسى زمانا يبابا دارسا خربا 35 وهكذا فلير الإعجاز إذ رجعت *** سبا إلى عهدها بعد افتراق سبا ******************** 75 ما مصر ما الشام مما أنت مالكه üü يا عاهلا فوق عرش الشرق منتصبا 76 الشرق أجمع في يمناك فاقض بما *** ترضى فلست تلاقي فيه أي إبا 77 هبت به ذكريات منك حافلة *** ففاض في ذكر ما أوتيته أدبا 78 فلتحي ذكراك ولتحي العروبة في *** تكريمها نبغاء الشعر والأدبا