لا منطق يمكن ان يعتبر بأن الذين رافقوا عقبة بن نافع وغيره من الفاتحين إلى المغرب كانوا أكثر من السكان الأصليين، أو أن من بقي منهم هنا في المغرب أكثر ممن عاد إلى بلاده. وإذا اعتبرنا هذه الحقيقة فإن أغلب المغاربة يكونون أمازيغ ولكنهم أمازيغ أسلمهم العرب وعربهم الإسلام الذي اختاروه لهم دينا و استماتوا في الذود عنه والتشبث به. والذين عبروا المضيق وأحرقوا السفن خلفهم وراء طارق بن زياد كانوا أمازيغ مسلمين ذهبوا لتبليغ الرسالة التي تلقوها واعتنقوها رغبة واختيارا. قبل مجيء العرب بالإسلام دينا لم يسبق لمحتل أن تمكن من الاستقرار بالمغرب هانئا لمدة طويلة، وآخر الأمثلة هو الاستعمار الفرنسي الذي لم يتمكن من البقاء في المغرب أكثر من أربع وأربعين عاما بعد أن انطلقت مقاومته منذ دخوله، لتكون فترة استعمار المغرب أقصر فترة عرفها التاريخ الاستعماري المعاصر. بل إن الاستعمار لم يستطع أن يلغي الدولة المغربية كما ألغى غيرها في مستعمراته، ولكنه أقام إلى جانبها إقامة عامة تمارس الحكم الاستعماري. وذلك فقط لأنها دولة قائمة على ثوابت راسخة متأصلة من دين الأمة المتمثل في الإسلام.لأن قيام الدولة على أساس هذا الدين ساهم في تماسكها واستمرارها. وهو الذي لا يزال يحافظ لها على رسوخها وثباتها.بعد أن انهارت جميع الدول التي قامت على نزعة قومية شوفينية. فقد كانت دولة الخلافة العثمانية تجمع كل المسلمين باستثناء المغاربة الذين ظلوا منفردين بدولتهم الإسلامية. ولم يستنكف العرب ولا غيرهم أن يحكمهم أتراك ما داموا يحكمون بالإسلام كما لم يستنكفوا من قبل أن يحكمهم الكردي صلاح الدين الأيوبي. وكذلك من بين تسع سلالات ملكية حكمت المغرب ثلاثة منها فقط كانت عربية الأصول (الأدارسة والسعديون والعلويون) ولم يستنكف قط العرب أن يحمكهم الأمازيغ ولا الأمازيغ أن يحكمهم العرب ما دام أساس الدولة الإسلام وليس القومية. ولكن عندما قال العثمانيون نحن نحكم لأننا طورانيون قال العرب ونحن عرب وقال الأكراد ونحن أكراد؛ فتشتت الدولة وتفرقت وضعفت؛ فزادها المستعمر تفريقا. أما الدولة المغربية التي لم يستطع المستعمر حتى وهو يسيطر على مفاصل البلاد أن يلغيها -لهذا السبب- فإنها لم تقم قط على القومية ولم يسبق أن كان اسمها مثلا: المملكة العربية المغربية أو المملكة الأمازيغية المغربية، إنها المملكة المغربية وكفى. تعيش فيها كل مكونات الإنسية المغربية من عرب وأمازيغ وزنوج وموريسكيين في انسجام وتلاحم مادام أساس الدولة الإسلام وليس العرق. فلماذا يريد أقوام تأسيس حزب على أساس عرقي؟ هل يريدون كما حدث للدولة العثمانية أن يقول العرب ونحن عرب ويقول الزنوج ونحن زنوج والموريسكيون ونحن موريسكيون؟ هل يريدونها شوفينيات متفرقة؟ نعم يجب رد الاعتبار لثقافتنا الأمازيغية التي أُجحِف حقها من طرف من تولوا أمور التعليم ببلادنا من أول الاستقلال؛ فخصصوا حصة مبتسرة في تاريخ المغرب تقول: إن سكان المغرب الأصليين هم الأمازيغ، ثم ضربوا بعد ذلك صفحا عن تاريخ وحضارة عريقين وألحقونا بتاريخ المشرق العربي وكأننا بدون تاريخ ولا حضارة. فهل منع المصريين إسلامُهم أن يهتموا بحضارتهم الفرعونية حتى جعلوا منها علما عالميا قائما إسمه الإيجيبتولوجيا؟ فلماذا ضربنا نحن صفحا عن تاريخنا وألحقنا كل شيء بتاريخ المشرق العربي وكأن المغرب وجد فقط عندما دخله العرب؟ إن هناك من الباحثين من يعتبر أن الأمازيغية كانت هي اللغة المنطوقة للفراعنة أنفسهم وهي إذن إذا كان الأمر كذلك فك تشفير الهيروغليفيا الفرعونية. ألم تسع ملكة مصر كيلوباترا إلى أن زوجت ابنتها من الملك الأمازيغي جوبا الثاني. والكل يعلم أن أمم ذلك الزمن كانت تسعى للمصاهرة مع ملوك الأمم الأخرى إما تقربا منهم أومخافة من قوتهم، أو طمعا في حلفهم بسبب قوتهم ومكانتهم. بل إن المتأمل في الفنون الأمازيغية من أحواش وأحيدوس وغيرها التي وصلت إلينا يرى أنها في تنسيقها وانضباطها لتنظيم معين تدل على أنها نتاج حضارة كبيرة ومدنية راسخة، لأن الفنون البدائية لاتكون منظمة أبدا؛ فالتنظيم والانسجام لا يتولد إلا عن تراكم ضمن حضارة قوية.لماذا لم نهتم بكل هذا الرصيد الثقافي الغني؟ لماذا لم نبحث مثلا في المنقوشات الموجودة داخل مُغَّارات تزنتيشكا كما تم البحث في منقوشات الهيروغليفيا المصرية؟ إننا في حاجة إلى بحث أركيولوجي علمي لاستخراج ثروتنا الثقافية المدفونة في أعماق هذه الأرض الطيبة وليس إلى استخراج نزوعات عرقية لم تقم بيننا قط.فنحن مغاربة جميعا، ديننا الإسلام. وعليه قامت دولتنا ولم تقم قط على أي نزعة عرقية. ولا يجوز لأحدنا أن يقيم حزبه على هذه النزعة. إننا مع إيلاء الاهتمام الكبير لثقافتنا الأمازيغة، ولكن على أن يكون رائدنا في هذا الفتى الأمازيغي النقي التقي طارق بن زياد وليس كسلية. ومن يرغب في غير ذلك فإما أنه جاهل بحقيقة الدولة المغربية التي حافظت على وحدتها رغم أعتى العواصف، وإما مغرض مدفوع بأن يعيد علينا الظهير البربري من النافذة بعد أن طردناه من الباب.