هناك ألفاظ وعبارات في كل لغة، تحتل مكانا ما داخل المنظومة اللغوية بلسان قومها، بحيث قد لا تتجاوز محمولا ضيقا، ينتظم ضمن وحدات مفهوم معين، تبرز تمثلاته من خلال تطبيقات عملية تشكل جزءا من السلوك الاجتماعي العام، حتى إذا ما حدث حادث له صلة أو شبهها بمضمون إحدى تلك الألفاظ، انتخبت لها مرادفات وأضداد، وتزاحمت حول مضمونها المعاني لتكشف عما تستنبطه كل فئة للتعبير عن الرضى أو السخط، مؤيدة أو رافضة. ولسوء حظ مادة أرهب يرهب إرهابا، ورهب يرهب ترهيبا، في اللسان العربي، أصابها ما أصابها مما لا تتحمله!! تلك العبارة التي تتردد كثيرا، في المجال التربوي، والأخلاقي، في مقابل لفظة رغب، يرغب ترغيبا، لتشعر المخطئين بنتائج أخطائهم عن طريق الاتعاظ وأخذ العبر، وليدل محمولها الفلسفي، من ثم على ما تنطوي عليه النفس البشرية من شرور وآثام يقتضي علاجها المواجهة المقنعة المكتسبة من تجارب الحياة وفضائل الأخلاق ولكل مقام مقال... لذلك، كان من حق أي مجتمع ودولة الاستناد إلى مضمون تلك العبارة متى استدعت مصلحة المجتمع إصلاح من ضل سعيهم في الحياة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية تتمثل الدولة ذلك المعنى في شكل استعداد يبرز قدرتها على مواجهة المعتدين، مما قد يدفعهم لخيار المصالحة والمسالمة؛ قال تعالى في سورة الأنفال، الآية ,60 منبها على ضرورة ذلك الاستعداد وفائدته في مواجهة العدو (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) ذلك الاستعداد الذي قد يدفع العدو إلى التراجع ليجد راحة الأمان ممدودة. قال تعالى في الآية الموالية (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها...). ومن خلال كل ذلك نجد أن المعنى الأصلي لكلمة أرهب مرادف لقوة التخويف دون أن يتضمن معنى الاعتداء الفعلي، حيث تتشكل عناصر الجريمة بركنيها المادي والمعنوي، والذي يستند إليه الحاقدون على الإسلام والمسلمين برفع كلمة أرهب إلى مستوى اعتدى علما أن هذا المعنى قد يتحقق كلما صدر عن سوء قصد بحيث يراد به الاعتداء، على أن ذلك المعنى في ظل الأمر الإسلامي يظل مجرد أسلوب للهداية والإصلاح أو دفع الظلم عن الحق، وإلا كان اعتداء حين القيام به لفرض السلطان على الطرف الآخر قصد السيطرة ووضع اليد على حق الغير. قال تعالى: (واسترهبوهم، وجاؤوا بسحر عظيم) فمفهوم الاعتداء واضح هنا لجلب مصلحة على حساب الطرف المظلوم... وهو ما يرفضه الإسلام. إذن، لا ينبغي أبدا الخلط بين ما يقوم به المعتدي، وبين ردود الفعل التي تصدر عمن وقع الاعتداء عليه، حتى يتبين مرة أخرى، أن الإسلام من خلال فعل ترهبون في الآية السالفة لم يقصد ظلما ولا هضما للحقوق، وهو الذي كثيرا ما يوصي بالقصاص على قدر الاعتداء حتى وإن كان المعتدي عدوا للإسلام نفسه. يقول تعالى: (فاعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم..). أجل بقيت عبارة أرهب إرهابا في حدودها الفاضلة تربويا وأخلاقيا في التعامل الإسلامي إلى أن جاءت أحداث 11 شتنبر التي هزت الولاياتالمتحدةالأمريكية ليتوسع مفهوم هذه العبارة ويتحمل أثقال الاعتداء بشروره المقيتة، ثم لينسب ظلما من قبل الأمريكان ومن والاهم إلى جيل أمة قد قال عنها عالم السر والنجوى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر...) مؤكدا روح التسامح والدعوة إلى ما فيه خير الإنسانية جمعاء، مع ضرورة النهي عن المنكر، بل ومحاربته من قبل من أسندت إليهم مسؤولية الأمن والدفاع عنه... بعيدا عن اعتداء لا يكون لرد المظالم. ولكن أولئك قد جعلوا الإرهابي، في قواميسهم بمعنى المعتدي، هو كل من التزم بالدفاع عن وطنه وأمته في مواجهة الجبروت الأمريكي والإسرائيلي والروسي... الخ، وهكذا سمي أفراد الفصائل الفلسطينية المناضلة ضد الاستعمار الإسرائيلي إرهابيين بمعنى معتدين وسمي الشيشانيون إرهابيين، لأنهم وقفوا ضد مستحوذ ظالم، كما سمي العراقيون الرافضون لوصايا الولاياتالمتحدةالأمريكية إرهابيين، ليتسع ذلك المفهوم فينسحب على كل الجماعات والدول التي تسعى لإثبات ذاتها في مواجهة الطغيان الأمريكي والإسرائيلي بوجه عام، في الوقت الذي يستنكر فيه كل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد تلك الممارسات المتوحشة التي يقوم بها الجنود الأمريكان في العراق والجنود الإسرائيليون بفلسطين، ليظهر ذلك الاعتداء الصريح، ولتكتمل صور الجريمة المنظمة مع سبق الإصرار والترصد، ليعبر من ثم عن إرهاب مقصود، واعتداء غاشم يتمثل في القتل والنفي، والاستفزاز، وإهدار لخيرات تلك البلدان المستعمرة. إن مفهوم الإرهاب خارج الإطار الإسلامي والتربوي يندرج حتما ضمن لائحة مدارج الاعتداء ليصح قولنا كل ظالم... فهو إرهابي لأنه يدفع بالمعتدى عليه إلى الخوف والخسارة، في الآن نفسه، مما يحمله على كراهية الطرف الآخر والحقد عليه، بل قد يجهد نفسه في البحث عن أساليب الانتقام، فتفترس الحضارة بأنياب الأقوياء. ومن خلال هذا المفهوم، نستطيع أن ننظر إلى الإرهاب بمعنى الاعتداء في جوانب شتى من المواقف المرفوضة أخلاقيا ودينيا، قد يحاسب عليها القانون، وقد يتغافل عنها، إنها تتمثل في كل حالة يتم فيها هضم حق أو تقصير في واجب، أو استغلال لمنصب في فرض رأي خاطئ... حيث تتصل خيوط المظلمة بمستهلك، أو مستثمر، أو متعلم أو متقاض... حتى إن بعض من أولئك يشتكي حكومة بلده، خصوصا إذا كان المعتدي على حقه مسؤولا في جهاز حكومي أو إداري، اعتقادا منه أنها غافلة عما يقع، وإن كانت منه بريئة براءة الذئب من دم يوسف، حينئذ تنشب الفتنة أظافرها في جسم وحدة الأمة، وينشأ ذلك الصراع الآثم بين من يغارون على وحدة أمتهم ووطنهم فيحنوا لاستقرار دائم يعززه الإخلاص في المسؤوليات، وبين من يجعلون تلك المسؤوليات حصان طروادة لتحقيق أغراضهم الخاصة في غفلة عن المجتمع والدين والقانون..!! فلنحذر إذن أولئك الذين ينشأ الظلم الاجتماعي والبيروقراطي تحت عباءاتهم، حتى إذا ما قوي اتهمت الدولة بالتخلف، وانفتحت جيوب الفتنة والمظالم والاعتداء الإرهاب بالمعنى الحديث فتنتحر المبادئ وتموت الآمال في مهدها. وما الظلم إلا أن تقيم بفتنة مشانق يقضي تحتها البراء وكل ظالم معتد... فهو إرهابي. امحمد الإدريسي