امتداداً لجملة من الفتاوى الإشكالية التي يطلقها عدد من العلماء في هذا البلد أو ذاك جاءت الفتوى الجديدة للشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بحق "الدش" والفضائيات. والحال أنه لو توقف الشيخ عند حدود الحديث عن الفضائيات عموماً أو الدش بشكل خاص، مع أن التفريق بين القنوات الأرضية والفضائية لا يحمل أي معنى، لما كان ذلك مدعاة للتوقف، أما تخصيص فضائية الجزيرة بالنقد اللاذع أو التحريم، إلى جانب اتهامها بأنها قناة صهيونية، فقد كان أكثر من مثير بالنسبة لمن سمعوا أو قرأوا ما قاله الشيخ. لا ندري بالطبع ما إذا كان حكم الشيخ على الجزيرة قد جاء تبعاً لمشاهدتها أم أن أحداً قد أخبره بأنها تبث الفكر الصهيوني أو تخدم الاستراتيجية الصهيونية في العالم العربي والإسلامي. ولا ندري بالطبع ماهية حكم الشيخ على ما تبقى من القنوات الخليعة إياها، كما نحتاج إلى معرفة رأيه أيضاً في قنوات لا تبث الموسيقى ولا تسمح بظهور النساء مثل (المجد)، وهل حقاً أن الشيخ لا زال يحرم بث الصور من أصلها؟! في كل الأحوال وبعيداً عن أية حيثيات يمكن أن يكون الشيخ قد استند إليها، فقد كان واضحاً لكل ذي عقل أن الفتوى لا تحمل الحد الأدنى من المنطق، لا بتحريمها للفضائيات، هكذا بالجملة، ولا بتخصيصها الجزيرة بالنقد والصهيونية ونشر الفتاوى والأفكار الإسلامية الخاطئة. هنا يمكن القول بكل بساطة أننا إزاء حالة مستعصية لعدد من المشايخ الذي لا ينتمون بحال من الأحوال إلى العصر الذي نعيش فيه، أكان بمنتجاته ومكتشفاته، أم، وهذا هو الأهم، بالواقع السياسي، خصوصاً ما يتصل بصراعات الأمة مع أعدائها، الأمر الذي يطرح تساؤلاً مهماً حول المنهجية التي تقوم عليها مسألة اختيارهم للمواقع التي يتصدرونها هنا وهناك. من الواضح أن المملكة العربية السعودية وهي البلد المسلم الكبير، والحاضن لأطهر بقاع الإسلام التي تهوي إليها قلوب المسلمين في الشرق والغرب، من الواضح أنها في حاجة إلى واجهات علمية وفكرية وشرعية تحسن تقديم الإسلام للعالم أجمع، وقبل ذلك للمسلمين الذين باتوا أكثر اطلاعاً على واقع ما يجري هنا وهناك بفعل ثورة الإعلام. لقد كان غريباً أن تتزامن هجمة الشيخ على الجزيرة في ظل هجمة مماثلة أكثر شراسة من الدوائر الغربية، والأمريكية تحديداً، عليها وعلى الفضائيات الأخرى المتهمة بالتضليل والتحريض على كراهية الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني. لكن ذلك يبقى مجرد جزء يسير من مشكلة أكبر تجد تجلياتها في مواقف وفتاوى من الصعب حصرها. مرة أخرى نقول إن المملكة العربية السعودية ومعها كل الدول العربية والإسلامية الحريصة على صورة الإسلام في حاجة إلى إعادة النظر في الكيفية التي يتم على أساسها اختيار العلماء لتصدر الفتوى والشؤون الدينية في الإطار الرسمي، ولا شك أن فيها الكثير الكثير من العلماء الكبار المطلعين على شؤون عصرهم، إلى جانب تبحرهم في علوم الشرع، ممن يمكنهم أن يقدموا الإسلام بصورة أكثر حيوية وإقناعاً من أناس لا على لهم بالدنيا، فيما يميلون في شؤون الدين إلى روحية التشدد في كل شيء. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني