الأرض ما تزال تدور حول نفسها وحول الشمس في مجموعة اكتشفها الإنسان بالنظر في الملك والملكوت. المجموعة الشمسية تدور هي الأخرى في السماوات الدنيا والعليا في نظام كوني عامر بالكواكب والأقمار السيارة، منها ما نعلمه، وكثير في حكم المجهول. وكل في فلك يسبحون. والناظر في تلك الحركة المذهلة يتملكه الإعجاب والدهشة ويشعر بالقهر الكوني والإلهي إلى جانب إحساس بالجمال الأعلى في الحركات والسكنات والدورات المتناسقة. لكن، ما أن يهبط إنسان هذا الزمان بنظره إلى الكوكب الأزرق وما يعتريه من تخريب متعمد من الإنسان الأبيض حتى يشعر بالدوار والخطر، ويتملكه شعور قاهر بالخوف على الحياة والأحياء في الزمن القريب. إذ في هذا العالم السفلي لا تدور الأرض حول القيم الإنسانية للحفاظ على طاقاتها الروحية والنفسية والنسلية والمالية والاجتماعية، بل تدور الأرض حول الاقتصاد والقوة المالية. وما ذلك إلا بتدخل من إنسان لا يعترف إلا بنفسه، ولا يرى في نفسه إلا إلها حاكما بالأمر والنهي والنقض والإبرام والحرب والسلم. ففي قلب السوق المعولم يقوم هؤلاء بتكديس الأموال وتدمير الدول وتخريب الطبيعة والمجتمعات. من 1950 إلى 1990 حسب ما يذكره جان زيغلير في كتابه سادة العالم الجدد (نونبر 2003)، تناقصت المساحة الإجمالية من الغابات العذراء بأكثر من 350 مليون هكتار (18% من الغابات الإفريقية و80% من الغابات الأوقيانوسية والآسيوية و18% من الغابات اللاتينية الأمريكية الكاريبية دمرت). ويقدر أن 3 ملايين هكتار من الغابات تدمر حاليا كل سنة. ولا يخفى الأثر السريع على المناخ والمنتوج الزراعي والمناطق الصالحة للزراعة. إفريقيا وحدها تضاعفت المساحة المتصحرة فيها إلى الثلثين، وفي آسيا أصيب 4,1 مليار هكتار بالآفة، وفي جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط أصبح ثلثا الأرض الصالحة للزراعة مهددا بالجفاف. وفي مطلع القرن الواحد والعشرين يهدد الجفاف مليارا من بني آدم، بينما لا يجد مئات الملايين الآخرون شربة ماء عذب، ويهيم 250 مليونا من اللاجئين البيئيين على وجوههم تاركين أرضهم وديارهم. التخريب المتعمد للبيئة والطقس والغلاف الجوي، وتشريد المستضعفين لا تقوم به الآلة الحربية غربية الصنع والتوزيع وحدها، بل تقوم به الآلة الصناعية الاقتصادية والتجارية المسنودة برؤوس الأموال الضخمة. وكثيرا ما تكون الآلتان معا في يد واحدة ويديرهما رأس مدبر مدمر واحد. ولأن الإدارة الأمريكية تمثل مصالح الشركات العملاقة في الكوكب الأزرق، فإنها وقفت دوما بالمرصاد ضد المؤتمرات الدولية المنعقدة حول البيئة والأرض، رافضة الامتثال لأي قرار بتخفيض الغازات الممنوعة. لكن هذه الإدارة اعترفت في السر بالخطر الداهم المقترب، وستكون هذه الورقة من أهم الأوراق الانتخابية التي تزيد في متاعب الرئيس بوش ومسؤوليته عن المناخ العالمي وتهدده بالسقوط. ويتوقع الخبراء العلميون الذين يشهدون أن التركيبة الكيميائية للمناخ تغيرت بما لم تكن عليه منذ 40 مليون سنة، أن الحرارة التي سترفع بنسبة 8,5 درجة في نهاية هذا القرن ستزيد في علو مستوى مياه البحر بمتر واحد، فتخيلوا الأراضي التي ستجتاحها البحار وتمحوها من الخريطة، وعلى رأسها المملكة البريطانية. فهل ستبقى الأرض صالحة للعيش والسكن؟ وهل ستشرق الشمس يومئذ من مغربها؟ هؤلاء المفسدون لا يقلون جريمة عن سفاكي الدماء ومشعلي الحروب الظالمة، وإرهابهم لا يقل دموية عن إرهاب المجموعات المسلحة في العالم، ومواجهة المفسدين الكبار صارت من الفرائض والواجبات على كل الحركات التحررية السلمية الدولية، ومنها الحركات الإسلامية. الحسن سرات [email protected]