يتوقع علماء الفلك حدوث ظاهرة الخسوف ليلة 13-14 رمضان 1425 موافق 28 أكتوبر 2004, انطلاقا من الساعة 01:15 الى الساعة 04:53 صباحا. وهو آخر خسوف قبل عام 2007.ويحدث الخسوف عندما يكون القمر وهو بدر في مستوى دوران الأرض حول الشمس ( خط الكسوف ) ويكون هناك اصطفاف بين الشمس والأرض والقمر، بحيث يغطس هذا الأخير في ظل اللكرة الأرضية المخروطي . وسوف تبتدئ الظاهرة لحظة دخول القمر من جانبه الأيسر في منطقة الظل على الساعة 01:15. ثم يحدث الخسوف الكلي حين يغطس القمر كاملا في ظل الأرض ( الساعة 2:.24 ). وهنا يكتسب القمر لون الآجر الأحمر الذي يضفي على الخسوف روعة وجمالا (انظر الصورة) ، كما أن السماء تظلم بعد أن كانت مضاءة بنور البدر، وتعود الكواكب والنجوم للظهور في كامل عنفوانها، بعد أن كان يطغى عليها نور القمر. وسيحتاج القمر الىساعة و عشرين دقيقة ليقطع ظل الأرض الضخم البالغ قطر مخروطه في موضع القمر حوالي مليون ونصف كيلمتر. ففي الساعة 03:44 سيبزغ القمر من جديد من جانبه الأيسر، ويخرج رويدا رويدا من منطقة الظل إلى أن يظهر كاملا على الساعة 04:53 صباحا. عظمة الهدي النبوي في التعامل مع ظاهرة الخسوف: ورد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: " إنكسفت الشمس على عهد رسول الله (ص) يوم مات ابنه إبراهيم فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال الرسول(ص) :" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا " متفق عليه. إنه موقف عظيم من الرسول(ص) تجاه الخرافة والأساطير، ودليل على غيرته على الحقيقة العلمية، واحترامه للسنن الكونية. ولو كان إنسانا مدعيا لوجدها فرصة ثمينة للإفتخار على الناس لكون الشمس نفسها تأثرت لموت ابنه، ولكنه (ص) كان في غنى عن ذلك وهو صاحب معجزة القرآن، وأبى إلا أن يعيد الناس إلى جادة الصواب ويدافع عن الحقيقة العلمية. ونقرأ بالمقابل في كتب التاريخ كيف استغل كريستوف كلومبوس معرفته الفلكية وقدرته على التنبؤ بكسوف الشمس في التأثير في نفوس إحدى قبائل الهنود في أمريكا الجنوبية, مرجعا ذلك إلى "قدراته المعجزة". وقد قال تعالى "والقمر إذا اتسق" وقال أيضا "الشمس والقمر بحسبان".فالآيتان والحديث دليلان على أن القمر والشمس آيتان من آيات الله، وأن كل ما يحدث لهما إنما هو وفق مشيئة الله ونظامه الذي أودعه في الناموس الإلهي الأعظم للكون، ولن يتأثر هذا القانون بموت أحد أو حياته ولو كان ابن رسول الله (ص) وهو أحب الناس إلى الله عز وجل. و من المحزن أن نجد المسلمين اليوم قد انحرفوا عن هذا المنهج العلمي في التعامل مع السنن الكونية, إذ لازالت تعشش في أذهان العامة تفسيرات خرافية للخسوف، كما أن خرافات المنجمين وخزعبلاتهم صارت تخصص لها الساعات الوافية في القنوات الفضائية و"الجرائد التقدمية" وصارت لها الآذان الصاغية حتى داخل الفئات الشابة المتعلمة. كيف نتعامل مع ظاهرة خسوف القمر؟ إن الخسوف آية عظيمة تستوجب منا النظر والتدبر مصداقا لقوله تعالى في الآية 190 من سورة آل عمران " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب"، ولا يليق بنا البتة أن نمر عليها ونحن معرضون، وبين أيدينا هذا القرآن الحافل بالكثير من الآيات الداعية إلى النظر في ملكوت السماء والأرض وما خلق الله من نجوم وكواكب ومجرات "أفلم ينظروا إلى السماء كيف بنيناها و زيناها وما لها من فروج".."و القمر اذا اتسق "..وآيات أخرى كلها إعجاز علمي مدهش؟ وفي التعامل الإسلامي مع هذه الظاهرة فوائد جمة.فهناك الفائدة التعبدية, إذ النظر في آيات الله في هذا الكون عبادة من العبادات، بل من أفضلها كما ورد في كثير من الأحاديث، كما أن حديث المغيرة بن شعبة السالف الذكر يدل على مشروعية صلاة الخسوف وهي سنة مؤكدة هذه فرصة إقامتها (يرجع لمعرفة كيفية إقامتها إلى كتاب" منهاج المسلم" لأبي بكر الجزائري). ثم هناك الفائدة العلمية, إذ هي فرصة ثمينة للتطبيق الميداني للمعلومات النظرية التي درسناها عن الظاهرة في المقررات الدراسية، والتي غالبا ما تنسى بعد الامتحان لأنه لم يواكبها الجانب التطبيقي، وللأسف الشديد أن وزارة التربية الوطنية لا تستغل مثل هذه الفرصة النادرة من أجل تنظيم خرجات فلكية للتلاميذ والطلبة من أجل متابعة الظواهر الفلكية لتثبيت المعلومات الملقنة نظريا ، وهذا من أكبر سلبيات مناهج تدريس العلوم ببلادنا, حيث غالبا ما يغيب الجانب التطبيقي الميداني. بل إن التعامل كان متخلفا مع ظاهرة مماثلة هي كسوف الشمس الذي وقع يوم 11 غشت 1999 عندما بالغت وسائل الإعلام العمومية في تحذير الناس من خطورته على البصر، فأصيب الجميع بالرعب وأقفرت الشوارع –إلا من هواة الفلك و بعض السواح..- وعطلت الإدارات وتوقفت الحافلات...ومن الناس من وصل به الرعب إلى إقفال الأبواب والنوافذ في حر الصيف..و في البوادي منعت البهائم من الخروج.. في صورة مخجلة عن تعاملنا مع ظاهرة فلكية نادرة جندت لها الدول المتقدمة كل الوسائل من اجل حث الناس صغارا وكبارا على متابعتها. أي نعم كان لابد من تحذير الناس من خطر النظر المباشر إلى الشمس دون أجهزة واقية، ولكن لم يكن هناك داع لكل ذلك التهويل وإعلان ذلك اليوم يوم عطلة. وهاهي مناسبة أخرى تمر في صمت ، في حين كان على الإذاعة والتلفزة ووزارة التعليم ووزارة الشباب,أن تبادر إلى التعريف بالظاهرة وحث الناس عامة,والتلاميذ و الطلبة خاصة الى عدم افلات فرصة مشاهدتها. ثم إن هناك الفائدة الجمالية. فقد لا يكون للمرء أي معرفة بالمعطيات العلمية الخاصة بالشمس والقمر والنظام الشمسي وأسرار ظاهرة الخسوف، ولكن هذا لا يمنعه من التمتع الجمالي بالظاهرة وبجمال وزينة السماء، ولعله إلى ذلك وجهتنا العديد من الآيات القرآنية الكريمة.. "وزينا السماء الدنيا بمصابيح "، " أفلم ينظروا إلى السماء كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج"، "وزينا السماء الدنيا بزينة الكواكب", "و زيناها للناظرين".. كلها آيات جميلة توقظ في المرء الإحساس بروعة الكون, وتربيه تربية راقية مبنية على التفاعل الوجداني الجمالي مع بديع صنع الله الذي أتقن كل شيء. ومما يزيد الجمال جمالا أن الخسوف سيقع منتصف شهر رمضان الأبرك,مما يعد بليلة رمضانية جميلة تمتد حتى وقت السحور. فلنبادر جميعا إلى التمتع بجمال الخسوف في هذه الليلة الرمضانية..والله نسأل أن نكون ممن لا يلبثون أن يقولوا بعد النظر و التدبر,مثلما كان رسول الله (ص) يقول حين ينظر إلى السماء: "ربنا ما خلقت هدا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار".آمين.. بقلم عبد الله هناوي –جمعية المبادرة نادي النجم القطبي للفلك الرشيدية