مع أنني لا أحبذ استعمال العامية في مقالاتي وكتاباتي، فإنني لا أجد أفضل ولا أدل من هذا المثل المغربي، عنوانا على ما تعانيه التربية الإسلامية بيننا، من ظلم وحصار وتضييق في العقدين الأخيرين، وفي هذه الأيام على وجه التحديد. يظهر أن بعض التقارير الغربية، التي تصنف المغرب قاعدة خلفية للإرهاب، بسبب كثرة المقاتلين المغاربة – الشماليين على وجه الخصوص – في صفوف تنظيم داعش المتطرف، وبسبب تفجيرات باريس الإرهابية الأخيرة، التي تورط فيها بعض المغاربة، قد وجدت فيها بعض الجهات والدوائر الغربية فرصة سانحة، لتكثيف الضغوط على صانع القرار المغربي، في اتجاه مراجعة جديدة لمناهج التربية الدينية (الإسلامية)، من أجل إعادة عصرها، وتخفيف جرعتها، واستخراج ما تبقى فيها من أحكام وشرائع وقيم إسلامية، حتى تتحول إلى مادة فكرية وثقافية رمادية خالية من كل جوهر وروح، وإلى مواضيع معرفية "محايدة" لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، فلم يجد المغرب بدا من الاستجابة لتلك الضغوط، لأسباب وإكراهات متعددة معلومة، وإلا فالمسؤولون عندنا يعلمون علم يقين أن لا علاقة للتربية الإسلامية بالتطرف والإرهاب، وأن خريجي التعليم الديني هم أكثر المغاربة برودة ودروشة ومسالمة إلى حد الإفراط أحيانا. سبق لي أن عملت أستاذا للتربية الإسلامية بالسلك الثانوي التأهيلي لمدة ثلاثة عشر عاما، وسبق لي أن درست مناهجها واشتغلت على مقرراتها، وحدة وحدة ودرسا درسا، وأنا اليوم – ومنذ حوالي ست سنوات – أعمل أستاذا للدراسات الإسلامية والعلوم الشرعية بالجامعة، وشهادتي بحكم التجربة والخبرة، أن هذه المناهج والمقررات أبعد ما تكون عن شبهة التطرف والتشدد، وأقرب ما تكون إلى الوسطية والاعتدال، إلى درجة المبالغة والإفراط أحيانا، وأن حضور الثوابت الدينية للمغاربة فيها، المتمثلة في العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف السني، حضور وازن لافت ملحوظ، وأن لها انفتاحا واسعا على سائر العلوم والمعارف العصرية، كاللغات الأجنبية، والعلوم الإنسانية كعلم النفس والاجتماع وغيرها. فماذا سنراجع في هذه المناهج والمقررات إذن؟. إذا كنا جادين في محاربة التطرف والتشدد حقا، فعلينا بمحاربة جميع أنواع التطرف: الديني، والعلماني، والعرقي، والفني، والإعلامي، والفكري، والأدبي، وغيرها، لا أن نختزل مفهوم التطرف في نوع ونمط واحد، ونغض الطرف عن باقي الأنواع والأنماط، مع أن بعضها أسوأ وأخطر من التطرف الديني، وبعضها الآخر هو الذي يصنع للتطرف الديني بيئته ويتسبب في ظهوره. وإذا كنا جادين في محاربة التطرف والتشدد حقا، فعلينا بمحاربة أسبابه واجتثاث جذوره، المتمثلة في الفقر والبؤس والبطالة والهشاشة والحرمان والإقصاء والجهل والأمية، ومشتقاتها ومثيلاتها من المشاكل الاجتماعية والظواهر المرضية. وإذا كنا جادين في محاربة التطرف والتشدد حقا، فعلينا بمراجعة سياستنا الدينية، بما يرفع الوصاية الزائدة والرقابة المفرطة على الشأن الديني، ويسمح بتأطير ديني صحيح وفعال، ويمكن العلماء الحقيقيين والدعاة الربانيين من منابر الجمعة ومن دروس العلم والوعظ، ويقطع الطريق أمام الذين جعلوا من الدعوة إلى الله طريقا إلى المناصب والمكاسب، وأساءوا إلى صورة الإسلام الرسمي المغربي، من الوصوليين والانتهازيين. وإذا كنا جادين حقا في محاربة التشدد والتطرف، فعلينا بوقف الحملات العلمانية الغاشمة المتكررة، التي تستهدف ثوابت الدين، وقطعيات الشريعة، ومقدسات المغاربة، باسم حرية الرأي والتعبير، والتي تترك من مشاعر السخط والإحباط والإحساس بالدونية والاحتقار والاستفزاز، في نفسيات الشباب، ما يدفعهم إلى تبني مواقف متشددة وآراء متشنجة، من باب رد الفعل، ومن باب الغيرة الدينية والحمية الوطنية، وخاصة عندما لا يرون مواقف جادة وردود فعل مناسبة لا من المجالس العلمية ولا من الشخصيات الدينية الرسمية. وأما مراجعة مناهج ومقررات التربية الإسلامية، فمهما بذل فيها من جهد ووقت ومال، فإنها لن تأتي بأفضل بكثير مما هو موجود، اللهم إلا إذا كانت هذه المراجعة بمعنى مزيد من التحسين والتدقيق والتجويد، فيتعلق الأمر حينها بعمل تربوي بيداغوجي عادي ومطلوب في كل وقت، ولا يحتاج إلى تعبئة استثنائية، ولا إلى جهود وأموال وأوقات ولجان خاصة.