قدم الأستاذ مصطفى الفنش، قاضي الأسرة لدى المحكمة الابتدائية ابن سليمان عرضا حول تجربة هذه المحكمة، خلال الندوة الوطنية بالمحمدية يومي 22 و 23 أبريل 2004 في موضوع قضاء الأسرة : الواقع والآفاق، بسط فيه كيفية عمل قسم قضاء الأسرة من حيث الهيكلة، وبسط فيه الأحكام المعروضة على هذا القسم، سواء أثناء العمل بمدونة الأحوال الشخصية أو بعد بدء تطبيق مدونة الأسرة الجديدة منذ 5 فبراير .2004 ومما جاء في عرضه ما يلي: يكتسي قضاء الأسرة أهمية كبرى باعتباره ملاذا تلجأ إليه الأسرة لبسط مشاكلها ومعالجتها وإعادة استطرادها والبعد عن تصدعها والبحث عن الحلول اللازمة لذلك. وابتداء من 4 شتنبر ,2003 ظهر مفهوم جديد على ساحة القضاء سمي بقضاء الأسرة. أسباب ودواعي ظهور قضاء الأسرة من بين أسباب ظهور قضاء الأسرة تراكم عدد قضايا الطلاق وظهور عدة ملفات للمنازعات الأسرية، خاصة قضايا النفقة والرجوع إلى بيت الزوجية، والتي يترتب عنها بدورها عدة ملفات وشكايات لدى النيابة العامة بسبب إهمال الأسرة، وكذلك القضايا المتعلقة بإهمال الأطفال. إضافة إلى أمور تنظيمية، إذ كانت غاية المشرع استحداث قسم قضاء الأسرة، هذا العمل دفع لتخصيص وحدة كاملة متكاملة، كما صار عليه بالنسبة لإحداث المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية. هذه الظروف جعلت الضرورة ملحة للبحث عن قضاء للتخفيف من عبء المشاكل الأسرية، وكانت آلية تنفيذه هي الدعوة إلى استحداث قسم قضاء الأسرة داخل المحكمة الابتدائية، دون تمكينه من آليات ومساطر الأوجه التي يسعى إلى تطبيقها إذا كانت تعتمد على الولاية العامة للمحكمة. هذا القسم يخصص له جناح في المحاكم قسما متكاملا للبث في القضايا ذات الصلة بموضوع الأسرة، وقضايا الأحوال الشخصية وشؤون القاصرين والتوثيق والحالة المدنية وكفالة الأطفال المهملين وإهمال الأسرة والعنف ضد الأطفال. مكونات قسم القضاء الأسري هو عبارة عن جناح له باب مستقل يتكون من رئيس القسم، وهو قاض يشترط فيه الأقدمية من الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية على الأقل، ومن هيئة حكم تتكون من ثلاثة قضاة ومن قاضي أسرة مكلف بالزواج، معين بقرار وزاري، وقاضي التوثيق وشؤون القاصرين بجميع آلياته، ونائب وكيل الملك وكتابة ضبط خاصة بالقسم وكتابة ضبط خاصة بالنيابة العامة، إضافة إلى مكتب الترشيد وصندوق خاص. كيفية العمل داخل القسم لقد كان نظام العمل في هذا القسم في ظل مدونة الأحوال الشخصية لا يعدو أن يكون هيكلة ضمن المحكمة الابتدائية، إذ أن جل القضايا التي كانت تعرض عليه كان يتم البت فيها في إطار الولاية العامة للمحكمة، إلا أن الاهتمام كان منصبا على الأساس في تشريع القضايا وتبسيط الإجراءات وتمكين المتقاضين من الإجراءات الخاصة، كتزويدهم بالنسخ والأحكام في أقرب الأوقات، وتمكينهم من الاطلاع ومتابعة الإجراءات المتعلقة بالقضايا الخاصة بهم. وهو ما انعكس على سير هذا القسم، وقد عمل القضاء والنيابة العامة على تفعيل التجربة التي عرفتها المحكمة الابتدائية ابن سليمان، إذ تم إحداث مكتب خاص باستقبال الشكايات المرتبطة بالمشاكل الأسرية، وكذلك تلك المتعلقة بطلب المساعدة القضائية، وأيضا المتعلقة بجميع المشاكل التي لها ارتباط بالمشاكل الأسرية. وقد ساهم قاضي التوثيق في هذه التجربة، إذ عمد إلى إحداث مكتب خاص بالنساخ، كما تم تفعيل بعض المقتضيات، من بينها استحداث السجلات لكتابة ضبط قاضي التوثيق، منها سجل خاص لكفالة الأطفال المهملين، والثاني خاص بطلبات الإذن بالزواج (زواج القصار)، وأغراض الإذن بثبوت الزوجية، وثالثها تم تفعيله والسهر على تطبيقه بجدية يتعلق بنسخ الرسوم لأصحابها. والهدف من ذلك هو تسريع وتيرة العمل في هذا القسم، وبالتالي أصبح قضاء التوثيق أكثر تنظيما وضبطا، وفي هذا الإطار تم حث العدول على ضرورة تسريع وتيرة الرسوم وتسليمها لأصحابها قصد تفادي المشاكل التي قد تطرأ على ذلك من بعد، وقصد تفادي الشوائب والمعيقات التي قد تطرأ عند عدم توقيع تحرير رسم من طرف السادة العدول. وتجدر الإشارة إلى أن نوع القضايا المعروضة على هذا القسم مرتبطة بمصير الأسرة وبالحياة الشخصية والفرد، الأمر الذي استلزم إعطاء أهمية بالغة لعامل الزمن كما تم القول بذلك. وتدليل بعض الإجراءات المسطرية قصد مواجهة الصعوبات التي تجعل العمل في هذا القسم يتعذر في الوصول إلى الغاية من إحداثه، فالإشكال كان مطروحا على المستوى الإجرائي. ذلك أن تأخير البت في القضايا أو في بعضها كان يتم على مستوى التبليغ أو التنفيذ. وفي هذا الإطار، وتيسيرا لهذه الإجراءات وتخفيفا من العبء على المتقاضين، فإن عمل القضاء الأسري في محكمة الاستئناف في ظل تجربة مدونة الأحوال الشخصية سار على نهج اجتهاد يكمن في جعل مسطرة للتبليغ وللتنفيذ في مسطرة واحدة، بعد أن كانتا منفصلتين تنفذان بفارق زمن قصير. وتم تكوين خلية داخل هذا القسم لحل معضلة التبليغ والتنفيذ، هذه الخلية تتكون من قاضي التوثيق الأسري ونائب وكيل الملك ورئيس كتابة الضبط، بالإضافة إلى الأعوان القضائيين، غايتها معالجة المشاكل المرتبطة بالتبليغ والتنفيذ، خاصة التأخر في القيام بها. هذه الأمور كلها انعكست بإيجاب على المردودية العامة بهذا القسم، إذ ظهرت حركية ودينامية تولدت من خلال شعور المتقاضين بأن هناك قضاء يهتم بمشاكلهم، إلا أن ذلك كان يتم في حدود ما يمليه القانون، وللتدليل على ذلك نورد بعض الإحصائيات المتعلقة بنشاط هذا القسم سنة .2003 بالنسبة لقضايا النفقة تم تسجيل 404 قضية حكم فيها 391 بالنسبة لقضايا الحضانة وتم تسجيل 7 قضايا وتم الحكم في 6 منها. بالنسبة لقضايا التطليق سجلت 62 قضية تم الحكم في 35 منها، وفي قضايا الأحوال الشخصية المختلفة الأخرى كالإهمال والرجوع إلى بيت الزوجية والنفقة، فقد تم تسجيل 190 قضية. بالنسبة لقضاء قسم التوثيق في نشاط القضاء الأسري في ما يخص الزواج المختلط لسنة ,2000 تم تسجيل 19 ملفا تم قبول 18 منها وحذف ملف واحد لرغبة الطرف بعدم إتمام المسطرة. بالنسبة لملفات التعدد تم تسجيل 24 ملفا وتم الحكم بقبول الطلب في 7 ملفات ورفض الطلب في 15 ملفا مع حذف 5 ملفات. وكان إلى حدود آخر سنة 2003 مازال يروج ملف واحد. بالنسبة لملفات كفالة الأطفال غير المهملين، تم تسجيل 11 ملفا، تم الحكم في 9 ملفات، وتم حذف ملف واحد، والرائج ملف واحد. بالنسبة لملفات الأطفال المهملين تم تسجيل 4 ملفات، كانت فيها 3 ملفات رائجة. بالنسبة لملفات ثبوت الزوجية تم تسجيل 36 ملفا تم قبول 30 ملفا وكان الرائج فيها 5 ملفات. بالنسبة لملفات زواج من ليس في سن الزواج، تم تسجيل 20 ملفا وتم البت في 14 ملفا. وبالنسبة للملفات النيابية القانونية تم تسجيل 38 ملفا، وتم الحكم وفق الطلب في 27 ملفا والباقي مازال رائجا. بالنسبة لملفات الطلاق، تم تسجيل 100 ملف تهم الطلاق الرجعي، وتم البت في 67 منها. أما بالنسبة لملفات الطلاق الخلعي، فتم تسجيل 180 ملفا، تم البت في 68 منها. وبخصوص الطلاق قبل البناء، تم تسجيل 60 ملفا وتم البت في 49 ملفا. ورغم كل ما تمت الإشارة إليه من إيجابيات، فقد كان من الصعب في ظل مدونة الأحوال الشخصية التكهن بمستقبل هذا القضاء، وذلك على اعتبارين، أولهما عدم تخصصه بمعنى الكلمة، وثانيهما بحكم عدم توفره على الآليات والوسائل وكذا الطرق والمساطر التي يجب اتباعها. وضع جديد في ظل مدونة الأسرة لكن في ظل مدونة الأسرة الجديدة أصبحت الخطوط والفواصل واضحة في هذا الاتجاه، واعتبارا لكون المدونة الجديدة ذات الطابع الحداثي تهدف إلى تأهيل مؤسسات الأسرة، باعتبارها النواة الأساسية لمجتمع ديمقراطي تحفظ فيه حقوق أطرافها ومصالحهم، وذلك لضمان استقرار مؤسسة الزواج في ظل علاقة التكافؤ والمساواة والعدل، فقد جاءت باقتراح حلول عملية للمشاكل القائمة في الحياة الزوجية، لذلك أقرت عدة أحكام تشريعية تهدف إلى تكريس الحماية القضائية والقانونية والإدارية لمؤسسة الأسرة، وذلك من خلال إسناد البت في قضايا الأسرة لمحاكم متخصصة ومؤهلة، كما أقرت أيضا مجموعة من الضوابط والمعايير التي يتعين الاستناد عليها في اتخاذ أي قرار يتعلق بقضايا الأسرة، إضافة إلى وضع مجموعة من الإجراءات الإدارية والقضائية المبسطة لتحقيق الاطمئنان والاستقرار في العلاقة الزوجية. فهذه الضوابط والإجراءات ساهمت في استقلال قسم القضاء الأسري وفي التأثير على نمط التدبير الذي عرفه هذا القسم، سواء على مستوى سريان الدعوى أو على مستوى تصريف الجانب الإداري المتعلق بها إلى حين صدور الحكم فيها، وتبعا لذلك تمت إعادة هيكلة هذا القسم، والتي أفرزت قضاء أتاح تمرير العمل به بمنطق خدمة الوافد على الإدارة القضائية بأسلوب يمتاز بالسرعة والتيسير والتنفيذ مع النفاذ إلى روح المدونة وفحواها والغرض منها. وتبعا لهذا المنطلق أفرز الواجب الوظيفي داخل هذا الفضاء توزيعا وتخصصا سليما فرض نفسه كمعطى نوعي، بحيث أصبحت القضايا خلال الأسبوع كله، حسب جدول الجلسات التالي: الإثنين: صباحا: الحالة المدنية زوالا: الحالة المدنية الثلاثاء: صباحا: الحالة المدنية زوالا: التعدد الأربعاء: صباحا: الأحوال الشخصية زوالا: الأحوال الشخصية وباقي الأيام كلها: الحالة المدنية. إذن أصبحت كل القضايا يوميا يجب البت فيها ويوميا يجب اتخاذ الإجراءات فيها، تحال فوريا وبطريقة مبسطة وسريعة. وهذا التمرير السريع للقضايا على مستوى التنظيم وسير الجلسات، وعلى مستوى التفعيل الإجرائي، انعكس إيجابيا على مردودية هذا القسم، رغم أن تجربة العمل بمقتضى مدونة الأسرة لم تستغرق إلا مدة قليلة من الزمن، كما توضح الإحصائيات التالية: نشاط القسم الأسري منذ دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ منذ 5 فبراير 2004 إلى 22 أبريل .2004 بالنسبة لأنواع القضايا: النفقة تم تسجيل 110 ملفات المحكوم فيها 80 ملفا. الرجوع تم تسجيل 31 ملفا المحكوم فيها 20 ملفا. ثبوت الزوجية تم تسجيل 52 ملفا المحكوم فيها 30 ملفا. التطليق تم تسجيل 17 ملفا المحكوم فيها 15 ملفا. إثبات النسب تم تسجيل ملفين حكم فيهما. فسخ عقد النكاح تم تسجيل حالة واحدة حكم فيها. قضايا التحجير تم تسجيل 5 ملفات حكم فيها جميعا. الحالة المدنية تم تسجيل 690 ملفا المحكوم فيها 682 ملفا. الإذن بالزواج تم تسجيل 245 ملفا المحكوم فيها .245 الإذن بالتعدد تم تسجيل 3 ملفات حكم فيها. الزواج المختلط تم تسجيل 7 ملفات حكم فيها. الإذن بأنواع الطلاق تم تسجيل 84 ملفا حكم في 60 منها. عزيزة الزعلي