قام المغرب باسترجاع أجزاء من صحرائه التي تبلغ مساحتها حوالي 284 ألف كيلوميتر مربع عام 1976 بعد المسيرة الخضراء التي نظمها الملك الراحل الحسن الثاني، وشارك بها عشرات الآلاف من المغاربة الذين دخلوا المنطقة بدون سلاح، مما أدى إلى توقيع اتفاقية مدريد بين إسبانيا التي كانت تحتل الصحراء والمغرب خرجت بعده القوات الإسبانية من المنطقة. لكن استرجاع المغرب لأقاليمه الصحراوية الجنوبية رافقه اعتراض الجزائر على العملية، حيث اعتبرت استرجاع المغرب لصحرائه مسا بالتوازن في المنطقة على حد تعبير بومدين يومها. وخلقت الجزائر صعوبات كثيرة للتشويش على موقف المغرب. من قبيل مراودة نظام فرانكو لتسوية ملف الصحراء معها بدلا من المغرب. ولما باءت مخططاتها بالفشل لم تتردد في الاحتضان والتحكم في ما يسمى جبهة البوليزاريو التي. دخلت في صراع مسلح مع المغرب إلى عام 1991 حيث وضعت الأممالمتحدة أول مشروع للتسوية بين الطرفين وأشرفت على توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار. منذ عام 1991 توالت الحلول المقدمة من قبل الأممالمتحدة لحل أزمة الصحراء المزمنة، لكن بدون فائدة، وذلك بسبب الخلافات التي كانت تظهر في كل مرة بين المغرب والبوليساريو من جانب، أو بين المغرب والجزائر من جانب ثان. ففي يناير من تلك السنة قدم الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة خافيير بيريز دوكويلار أول اقتراح للحل تمثل في تنظيم استفتاء وسط الصحراويين للاختيار بين الانفصال أو الاندماج في المغرب، وقد وافق المغرب وجبهة البوليساريو على هذا المقترح في البداية، لكن الترتيبات الإجرائية التي تهم تطبيق هذا الحل مثل إحصاء الهيئة الناخبة وعمليات تحديد هوية الصحراويين من غيرهم أدت إلى نشوب خلافات قوية بين الطرفين، حيث رفضت البوليساريو اللوائح التي تقدم بها المغرب بحجة أن المقيدين فيها لا علاقة لهم بالصحراء، كما رفض المغرب أيضا الاعتماد على آخر إحصاء قامت به إسبانيا لسكان الصحراء عام 1974 قبل مغادرتها للصحراء بعامين. وعقب تعيين وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر عام 1997 مبعوثا خاصا للأمين العام الأممي مكلف بقضية الصحراء، انعقدت أولى المفاوضات المباشرة بين المغرب والبوليساريو أثمرت اتفاقا حول آليات تنظيم الاستفتاء وتحديد الهيئة الناخبة سمي باتفاق هيوستن، لكن الخلافات برزت مجددا حول تفسير المعايير الخمسة لتحديد هوية الصحراويين المخول لهم المشاركة في استفتاء تقرير المصير. وطيلة ثماني سنوات كان الاستفتاء يتأجل في كل مرة، كان آخرها العام 1999 عندما قرر مجلس الأمن الدولي في تقريره الدوري عن الصحراء أن خيار الاستفتاء أصبح متجاوزا بسبب عمق الخلافات غير القابلة للتذويب. وفي يونيو 2000 قدم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان اقتراحا ثانيا بناء على تصور جيمس بيكر سمي بالحل الثالث باعتباره يتجاوز الحل العسكري الذي كان قائما بين الطرفين إلى حدود 1991 وخيار الاستفتاء الذي بات مستحيلا. وقد جاء الحل الثالث كحل سياسي بعد فشل الآليات القانونية لتنظيم استفتاء تحت إشراف الأممالمتحدة. وتضمن الحل المذكور منح الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية لمدة خمس أربع أوسنوات يتم بعدها تنظيم استفتاء وسط المقيمين في تلك الأقاليم، لكن البوليساريو والجزائر رفضتا هذا الاقتراح واعتبراه تنازلا لصالح المغرب. وفي فبراير 2002 قدم المبعوث الخاص جيمس بيكر اقتراحا جديدا سمي بالحل الرابع الذي دعمته الجزائر، ويقضي بتقسيم الأقاليم الصحراوية بين المغرب والبوليساريو، بحيث يمارس المغرب سيادته على إقليم الساقية الحمراء، بينما يبقى إقليم وادي الذهب تحت سيادة البوليساريو، وهو الأمر الذي رفضه المغرب بقوة، وماكان له إلا أن يرفض اقتراحا مسموما يخدم مصالح الجزائر وطموحاتها باعتبارها المتحكم وصاحبة نفوذ داخل جبهة البوليساريو. خلال جولته المغاربية في شهر يناير ,2003 اقترح جيمس بيكر حلا خامسا لإنهاء أزمة الصحراء التي طالت أكثر من اللازم. غير أن حظوظ نجاح هذا الحل تبقى قليلة بالنظر إلى مسارعة الأحزاب المغربية إلى رفضه، بالرغم من أن المسؤولين المغاربة التزموا الصمت بانتظار جلسة مجلس الأمن، كما لم يفصح الوزير الأول المغربي عن طبيعة التعديلات أو المقترحات التي قدمتها الحكومة المغربية لبيكر خلال زيارته للرباط، وذلك أثناء لقائه مع زعماء الأحزاب السياسية في مارس 2003 الماضي لوضعهم في الصورة فيما يخص اقتراح المبعوث الأممي. ويتضمن الاقتراح الجديد ترتيبات لا تعطيه فرصة للنجاح من الآن. فهو يحتفظ ببعض القضايا التي وردت في الحل الرابع مثل الحكم الذاتي لمدة أربع سنوات بدل خمس سنوات، يتم بعدها تنظيم استفتاء، عدا ذلك يتضمن الاقتراح أوإتفاق الإطار. اتضح مع مرور السنوات أن الحل الحقيقي لقضية الصحراء المغربية لا يمكن أن يكون بقرار تفرضه الأممالمتحدة على المغرب بقدر ما يكمن في الحوار المباشر بين المغرب، وبين الجزائر باعتبارها الممسكة بخيوط ودواليب جبهة البوليزاريو. حوار صريح يستحضر من جهة التاريخ والقانون ومصلحة المنطقة ككل التي لا يمكن لها أن تستقر بتشجيع ودعم قيام كيان سرطاني داخلها خاصة مع تحذيرات الكثير من المراقبين للانزلاقات التي يمكن أن يسقط فيها الانفصاليون، والتي قد لاتؤثر فقط على استقرار منطقة المغرب العربي بل على الاتحاد الأوربي وغيره، ومن جهة أنه ليس في صالح المنطقة أيضا أن تتدخل القوى الدولية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية في الموضع على حساب التسوية الثنائية، وخاصة بالنسبة للجزائر التي سعت إلى تدويل ملف الصحراء بإصرار.لأنه وكما قال محمد العربي المساري فإن كل انغمار أميركي في الملف يفقد الأطراف المعنية حرية الحركة. الحوار المذكور سارع المغرب إلى المطالبة به أسبوعين قبيل تقديم الأمين العام الأممي تقريرا حول الصحراء المغربية إلى مجلس الأمن يوم30 أبريل الجاري، وجدد استعداداه لذلك بعد انتخاب بوتفليقة لولاية ثانية على لسان محمد بنعيسى وزير الخارجية والتعاون، مؤكدا في الوقت نفسه على تشبت المغرب بالحل السياسي النهائي التوافقي في إطار ثوابت الدولة المغربية و عزمه على مواصلة التعاون مع الأممالمتحدة. مروان العربي