في معرض التعليق على جريمة اغتيال الشيخ أحمد ياسين، قال أحد قادة الكيان الصهيوني إنها إشارة إلى أن موسم الصيد قد بدأ. وتنطوي هذه العبارة على صورة مجازية لها دلالتها التي تستحق التحليل. فهي تعبير متبلور عن الإدراك الصهيوني للذات وللآخر. أما الآخر، أي الفلسطينيين العرب، فهم في التصور الصهيوني، مجرد كائنات طبيعية، حيوانات تجري في أرض بلا شعب. وفي المقابل، يوجد المستوطنون الصهاينة، الذين يقدمون أنفسهم بوصفهم الرواد الصيادين (الذين لا يحملون أية أعباء أخلاقية، أي أنهم مخلوقات داروينية كاملة)، حيث أتوا إلى هذه الأرض وزعموا أن لهم فيها حقوقاً مطلقة، بما في ذلك اصطياد الحيوانات الوحشية التي تجري فيها والتي وُجدت فيها بالصدفة لآلاف السنين(!) إلا أن هذه الرؤية اصطدمت بمعضلة لا مناص من التصدي لها، وهي أن عدد الحيوانات الوحشية آخذ في التزايد، وأداءها يزداد دقة وإبداعاً، كما أنها متمسكة بالبقاء على هذه الأرض، فما السبيل إلى إيقاف هذا؟ يتمثل الحل الصهيوني في اصطياد القيادات حتى تجري الحيوانات بلا اتجاه وربما تتقاتل فيما بينها. ويبدو أن الصهاينة قد وقعوا صرعى خريطتهم الإدراكية وصورتها المجازية المتوحشة التي بسَّطت الواقع لهم وحولته إلى عنصرين اثنين: صياد ماهر، وفريسة سهلة؛ صياد يتحرك بشراسة ليصطاد فريسة ضائعة تجري دون هدف واضح إلى أن يرديها الصياد صريعة برصاصه. في حالة المقاومة الفلسطينية، فإن المركز ليس بالضرورة أقوى من الأطراف، ولا يأخذ التنظيم الشكل الهرمي، ولا وجود لقيادة تمسك بيدها كل الأمور بمعزل عن الجماهير. فالقيادة تسير مع الجماهير جنباً إلى جنب، كما هو الحال في المجتمعات التقليدية التي لا تعطي أهمية مطلقة للنخبة أو الدولة، إذ تتم الإدارة من خلال عدد هائل من المؤسسات الأهلية والوسيطة (مثل الأسرة، وعلاقات القرابة، والأوقاف)، ومن خلال النصح والإرشاد وقدر من الإجماع. وفي هذه الحالة، لا تتأثر الأطراف إذا أُصيب المركز أو غاب، فالأطراف لها شخصيتها المستقلة ووتيرة حركتها التي تتسم بتموجاتها ومنحنياتها الخاصة، وإن كان المركز ينظمها. وهذا التماسك بين أفراد الجماعة يمكنها من الاستمرار في الأداء بدون توجيه يومي أو رقابة صارمة من القيادة. ومن هنا، يصبح اعتقال القائد أو حتى اغتياله عنصراً يزيد التلاحم والتماسك والتراحم، بدلاً من أن يكون عنصر تراجع وانهيار. حين تُوفي خالد الحسن (أبو سعيد)، رثيته بهذه الكلمات: هل تموت الفروسية بموت الفارس؟ هل تموت البطولة باستشهاد البطل؟ وهل يختفي الصمود برحيل بعض الصامدين؟ وها أنذا أرثي بطلاً وفارساً وشهيداً آخر بنفس الكلمات، بنفس الأسئلة البلاغية، فالمقاومة مستمرة والحمد لله. د. عبد الوهاب المسيري