في زاوية من مقهى صغير للأنترنت، جلس أحمد ذو العشرين عاما، وهو يتابع دردشته مع شخص آخر من دولة عربية. كان أحمد يشرح لصديقه على الجانب الآخر كيف يسير الوضع في العراق، وما هي المخاطر التي تواجهه كشاب عراقي، معتذرا عن عدم تواصله بكثرة، بسبب أعمال العنف والتفجيرات المتواصلة في بلاده، والتي تعيقه أحيانا عن المجيء لهذا المقهى للتواصل مع صديقه. ومثل أحمد، يفعل المئات من الشباب العراقيين، الذين تعرفوا على الدردشة خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد اتساع عمليات فتح مقاهي الأنترنت، التي تجاوزت 200 مقهى في بغداد وحدها، بعد أن سمح بافتتاحها منذ شهر يونيو من العام الماضي، حيث كانت أغلب المراكز التي في بغداد والمدن العراقية الأخرى، والتي لا تتجاوز 50 مركزا، تابعة للحكومة، وتخضع لرقابة مشددة. وتفتتح مقاهي الأنترنت منذ ساعات مبكرة من الصباح، ولكنها تغلق مع حلول الظلام أو بعده بقليل من ذلك، خوفا من عمليات السرقة، التي اتسعت وسط الفوضى الأمنية، التي يعيشها العراق، تحت ظلال الاحتلال الأمريكي. ويقول باسم محمد، صاحب مقهى أنترنت في منطقة الأعظمية ببغداد "يمكن أن نعتبر الزيادة في عدد مقاهي الأنترنت مؤشرا على زيادة الزوار. فعلى الرغم من أن افتتاح المقهى لم يمض عليه غير أربعة أشهر، إلا أن عدد مستخدمي الأنترنت كبير جدا، ليس في مقهانا فقط، وإنما في المقاهي الأربعة التي تقع في شارع واحد في الأعظمية". ويضيف قائلا: "كالعادة تعتبر نسبة عدد النساء إلى عدد مستخدمي الأنترنت أقل، وأغلبهن يستخدمن الأنترنت للاتصال بأزواجهن وأقربائهن في الخارج، إذ يوفر لهن الأنترنت اتصالا بصريا وصوتيا. ثم تأتي الطبيبات في المرتبة الثانية، بحثا عن زمالات ومراسلات وتبادل معلومات، ثم الباحثات والطالبات". إلا أن أحمد، وهو صاحب مقهى للأنترنت في منطقة المنصور، يقول: "أغلب روادنا من الشباب، الذين يميلون إلى الدردشة مع أصدقائهم من دول أخرى. وأعتقد أن أمور العراق وما هو فيه يأخذ الحيز الأكبر من الدردشة". ويضيف في مرات عديدة كنت أرى معارك في الدردشة بين بعض الأصدقاء ومستقبليهم في دول أخرى، غالبا ما تتعلق بالوضع السياسي في العراق. فهناك من يميل إلى اتهام العراقيين بأنهم سلموا بلادهم للغزاة، ويرد الشباب العراقيون على هذه الاتهامات بقوة، وأحيانا يقطعون التواصل، وربما يذكرونهم بالمقاومة المستمرة ضد الاحتلال". أغلب الشباب الذين يميلون إلى الدردشة من العراق لا يرغبون في الأحاديث العامة وغير المجدية، بقدر ما يحاولون عرض وجهة نظرهم إزاء القضايا، التي تدور في العراق، ومنها أعمال العنف، أو مواقف قوات الاحتلال الأمريكي، ومعاناتهم بسبب الاحتلال، ويسردون قصصا لأصدقائهم عن أوضاع الشباب العراقي في هذه الظروف. ويقول سلام جميل، الذي يواظب على برنامج يومي، لمدة ساعتين في الدردشة، مع بعض أصدقائه من الدول العربية: "إنهم لا يفهمون ما يجري في العراق... نحاول توضيح الأمور لهم... نعرض عليهم معاناتنا سابقا وفي الوقت الحاضر... وإنهم يتفهمون في أحيان كثيرة الظروف التي نمر بها". بينما يقول زميله مروان: "للأسف هناك بعض الشباب العربي يحاول أن لا ينسى الماضي، وهذا ما حصل مع صديق لي من الكويت، كان يظن أن كل العراقيين هم المسؤولون عن أحداث ,1991 ولكني قلت له إن ما يحصل لنا من احتلال بسبب فتح أراضيكم للقوات الغازية". ويواصل مروان القول عن صديقه الكويتي اختلفنا فافترقنا. ومثل هذه الأحاديث تكون مادة يومية للشباب، الذين يقضون أوقاتهم في الدردشة، التي غالبا ما تكون سياسية أكثر منها ترفيهية أو اجتماعية. قدس برس