لم يكن قرار قوات الاحتلال الأمريكي بإخراج فضائية الجزيرة من الفلوجة سوى شاهد جديد على ما سبق وأشرنا إليه ممثلاً في أزمة الإعلام التي تعيشها المقاومة في العراق منذ انطلاقتها ولغاية الآن. كانت المعادلة الأمريكية تقوم على محاصرة المقاومة إعلامياً، وإلى جانبها الحيلولة دون فضح ممارسات الاحتلال بحق العراقيين التي تجاوزت في بشاعتها ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة. يحدث ذلك والعين مصوبة على بعدين اثنين؛ يتعلق الأول بالداخل الأمريكي الذي يتحرك على إيقاع دماء جنوده في العراق، فيما يتعلق الثاني بحصار المقاومة حتى لا تمتد أكثر في الشارع العراقي وتجد صداها في الشارع العربي والإسلامي كما حصل مع انتفاضة الأقصى الفلسطيني. ما جرى خلال الأيام الأخيرة، سيما مطالبة قادة الاحتلال بإخراج الجزيرة من الفلوجة، فضح البعدين معاً، فالمحتلون لا يريدون أن يرى العالم بشاعة الجرائم التي يرتكبونها بحق المدنيين في سياسة عقوبات جماعية لا تخطئها العين. أما الجانب الآخر فهم لا يريدون للمقاومة الباسلة في المدينة أن تغدو رمزاً لتمرد العراقيين على الاحتلال. الجزيرة ضربت العصفورين معاً، ففضحت بشاعة الجريمة التي يرتكبها الاحتلال بحق المدينة وأهلها، كما نقلوا للعالم إصرار العراقيين على القتال حتى النهاية. وهنا كان على المحتل أن يطلب رأس الجزيرة ومراسلها أو موفدها أحمد منصور الذي كان يتحدث بنبض قلبه، لأن ما كان يراه بعينه لا يمكن إلا أن يحفر عميقاً في وعيه وهو العربي المسلم الذي لن تخطفه الصحافة من قيمه ومعتقداته. هل بإمكان أحمد منصور أن يتجاهل صور الأطفال في المستشفيات أو المساجد المهدمة أو النساء اللواتي يقذفن أبناءهن بعيداً عن المستشفيات أو يقضين موتاً هن ومن في بطونهن؟ هل كان بإمكان أحمد منصور أن يتجاهل أنه يتحرّك في مدينة تصنع البطولة وتقدم الشهداء ولا بد أن تجد لبطولتها صدىً في وعي جماهير الأمة؟ كيف لأحمد منصور أن يتجاهل ذلك كله ويتحدث بموضوعية عن قتال بين جيشين في معركة متكافئة مع أنه يدرك أن ثمة احتلال وثمة مقاومة، حتى لو أسفرت الضغوط على فضائيته إلى تحويل قوات الاحتلال إلى "قوات التحالف"؟ كان أحمد منصور يتصرف على سجيته. ينقل الصور. يترجم ما تقوله العيون. ينقل الصرخات الثكلى، كما ينقل صرخات الغضب والتهديد والوعيد. المحتلون هم سادة الموقف في الإعلام الدولي فلماذا يستكثرون على العراقيين أن تبث فضائية تتحدث بلسانهم شيئاً من معاناتهم؟ ما جرى في الفلوجة وفي سائر المدن العراقية خلال الأيام الماضية كان حرباً جديدة جاءت في ذكرى الاحتلال لتفسد فرحة المحتلين وتذكرهم بأن هذه الأرض لن تكون لهم. بل إنها ستظل تلعنهم حتى يخرجوا منها مذمومين مدحورين. رائعة كانت الفلوجة ورائعة كانت الجزيرة التي كفّرت عن قصورها مع المقاومة خلال الشهور الماضية. ورائع كان أحمد منصور، والمراسلون الآخرون. ويبقى السؤال موجهاً إلى القوى التي تصف نفسها بأنها حية. ماذا قدمت للعراق ومقاومته؟! ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني