بعيداً عن الرؤية الأخلاقية لما جرى في الفلوجة، لأن قادة واشنطن هم آخر من يحق لهم الحديث عن الأخلاق، وهم الذين أداروا حرباً قامت على الأكاذيب من أولها لآخرها.. بعيداً عن ذلك هناك ملاحظة أساسية كشفتها القصة للذين لم يكونوا يدركونها من قبل على رغم وضوحها منذ شهور طويلة. إنها مسألة تواطؤ الإعلام مع الاحتلال ضد المقاومة، أكان تواطؤاً مقصوداً كما هو حال الإعلام الأمريكي ومه العراقي والعربي التابع، أم كان مضطراً يتحرك تحت طائلة الخوف من سوط الاحتلال وأتباعه في بلد ليس سوى قانون القوة. واقع الحال هو أن صدمة الشارع الأمريكي وقبله صهاينة الإدارة ومتصهينوها لم يكن ناتجاً عن قصة السحل أو التمثيل بالجثث فقط، بل كانت ناتجة عن صور الهجوم من أساسها، لأن العادة قد درجت على غياب أي صور للعمليات. وقد حدث ذلك لأسباب متعددة، لعل أولها تركيز جنود الاحتلال على ذلك من خلال نقل الجثث وتنظيف المنطقة ومنع التصوير. أما الأهم فهو عمليات الترهيب التي شنت بحق الإعلاميين وضد الفضائيات عبر حكاية المعرفة المسبقة بالعمليات التي عدت تهمة كبيرة تفضي إلى السجن والتعذيب، ما دفع إلى الابتعاد عن هكذا وجع رأس، حتى لو توفرت الأشرطة من قوى المقاومة نفسها التي تملك عشرات الأشرطة لعملياتها مما يعترف مسئولو الفضائيات أنهم حصلوا عليها لكنهم لم يجرؤا على بثها. حتى الآن لا يعرف بالضبط كيف خرجت قصة الفلوجة عن السياق العام، وهل سيكون ذلك إيذاناً بتكرارها أم أنها ستكون حالة شاذة لن يسمح الأمريكان بتكرارها. وقد لا حظنا كيف لم تجرؤ الفضائيات الرئيسية ( الجزيرة والعربية) على بث مشاهد الجثث، فيما فعلت ذلك فضائيات أخرى أقل أهمية، ربما لأنها تتعرض لضغوط أقل من قبل سلطات الاحتلال وزبانيتها من الأذناب. كما لاحظنا ذلك التراجع في طبيعة التغطية حيث توقفت الفضائيتان المشار إليهما عن استخدام مصطلح قوات الإحتلال واستبدلته بمصطلح قوات التحالف. لقد جاءت حادثة الفلوجة لتفضح اللعبة التي دأبت سلطات الاحتلال على إخفاءها منذ شهور ممثلة في حجم خسائرها على رغم اعترافها المتكرر بما يتراوح بين عشرين وثلاثين عملية في اليوم، مع أن الرقم الحقيقي يبدو أكبر من ذلك. كل ذلك يؤكد أن سياسات القمع والمطاردة ومعها لعبة التشويه الأمريكية لم تعد تجدي، فقد بات واضحاً أن المقاومة كانت ولا تزال عراقية، كما ثبت أنها في طور التصاعد والتجذّر أكثر فأكثر في أوساط الجماهير، ما سيكرسها كرقم هو الأصعب في المعادلة العراقية، الأمر الذي سيجعل خيارات الاحتلال بوجودها صعبة إلى حد كبير، حتى لو بدا أن آخرين غير الذين يقاومون هم الذين يقطفون الثمرة، لأن الأصل هو التركيز على إخراج الاحتلال قبل أية أسئلة أخرى حول مستقبل البلاد السياسي. ما جرى في الفلوجة يؤكد ما سبق وقلناه مراراً حول المؤامرة الإعلامية التي تتعرض لها المقاومة وضروة أن تساهم القوى الحية في الأمة في إحباط تلك المؤامرة، لأنه أقل القليل الذي يمكن أن تقدمه لمقاومة تدافع عن مصير العراق وحواضر الأمة جميعاً. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني