من حق رئيس الوزراء الفلسطيني أن يقدم خطاباً من نوع خاص بين يدي زيارة الوفد الأمريكي إلى المنطقة، سيما وأن معظم عناصر الوفد هم من عتاة الصهاينة الذين يمثلون إدارة هي الأسوأ على صعيد الملف الفلسطيني في تاريخ الولاياتالمتحدة، لكن ذلك كله شيء والمبالغة في هجاء المقاومة الفلسطينية تحت اللافتة التقليدية حول قتل المدنيين شيء آخر. فكيف حين يضاف إلى ذلك التأكيد على كونها عقبة في طريق السلام. الأغرب أن يشتمل حديث السيد قريع أمام أعضاء المجلس التشريعي على إشادة واضحة بالإنسحاب الإسرائيلي من غزة بوصفه "فرصة يجب أن نتعاون جميعاً على اقتناصها بكل وعي وحكمة وشجاعة..". وهنا ينهض السؤال البديهي حول المسار الذي صنع تلك الفرصة، وفي عهد رجل مثل شارون جاء بعنتريات لا مضمون لها غير إخضاع الشعب الفلسطيني. والواقع أن إنجاز غزة لم يتحقق بسيف التفاوض بل بالمقاومة والاستشهاد، الأمر الذي يجعل هجاء السيد رئيس الوزراء في غير مكانه ومكافأة غريبة لجحافل من الشهداء والأسرى ولتضحيات جسيمة قدمت من أجل تحقيق انتصار حقيقي وليس تقدم مزعوم على طاولة التفاوض. لعل السؤال الآخر الذي يطرح نفسه في ظل حديث العقبة أو العقبات في طريق السلام هو أين هي تلك العقبات التي حالت دون التوصل الى ذلك السلام أثناء مسيرة اوسلو يوم توقفت العمليات الاستشهادية في النصف الثاني من التسعينات؟ ولماذا لم يصل ذلك المسار بالفلسطينيين إلى الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، فضلاً عن عودة اللاجئين؟! من الواضح أن عملية استرضاء للولايات المتحدة تجري في غير مكانها، وفي وقت تعطي إدارتها الضوء الأخضر لشارون كي يواصل عدوانه على الشعب الفلسطيني، ليس لوقف العمليات الاستشهادية، بل للتغطية على هزيمته، وطمعاً في ايجاد قيادات فلسطينية توافق على تحويل فراره من غزة إلى جزء من صفقة تحفظ عليه ماء وجهه، في ذات الوقت الذي تشكل فيه محطة باتجاه مسار سياسي يخدم برنامجه التفاوضي، كما يخدم واشنطن التي تريد التهدئة لكي لا تنشغل عن ورطتها في العراق. من العبث استمرار الحديث عن العمليات الموجهّة ضد ما يسمى المدنيين بهذه الروحية، لأن الموقف من العمليات التي تستهدف العسكريين لا يختلف كثيراً. ثم لماذا لا يجرّب لبعض قدراتهم في ممارسة تلك العمليات حتى يحسنوا شروط التفاوض، أو يدعموا في أقل تقدير من يملكون الإستعداد لتنفيذها، أم أنه هجاء وكفى؟! هنا يجدر القول إن قوى المقاومة ليست مغرمة بنمط واحد من العمليات، بدليل أن أنواعاً شتى منها لا زالت تنفّذ في الضفة الغربية وقطاع غزة على رغم قلة الإمكانات، لكن الضغط على أعصاب الاحتلال ينبغي أن يظل قائماً بكل الوسائل، وبصرف النظر عما إذا كانت تمس مشاعر البعض أم لا. وقد سمعنا قبل أيام عن مشروع كان سيقدم إلى القمة العربية حول العمليات الاستشهادية، في تطوّر بالغ السوء ندعو الله أن لا يحظى بالقبول، لأن الفلسطينيين في حاجة إلى تصعيد الدعم لنضالهم وليس التراجع إلى الخلف بما يمنح العدو ضوء أخضر لمزيد من استهدافهم واستهداف رموزهم. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني