من الواضح أن صوتين كانا يتجاذبان القمة العربية، يميل الأول إلى الاستجابة للاملاءات الأمريكية تحت لافتة الانحناء للعاصفة أحياناً، وتحت ذريعة الممكن والمتاح أحياناً أخرى، أما الثاني فيميل إلى مقاربة سياسية أكثر اعتدالاً تراوح بين الاستجابة والممانعة، على تفاوت بين مساندي هذه المقاربة. الآن يمكن القول إن عدم القدرة على حسم سؤال أي الاتجاهين سيجد صداه في البيان الختامي قد دفع إلى إلغاء القمة، سيما وأن دولة الاجتماع قد ذهبت في الاتجاه الأول كما هو واضح من السياق العام لما جرى. أما مسألة التأجيل "إلى أجل غير مسمى" كما جاء في إعلان الإلغاء فهي تعبير عن اتساع مساحة التباين في المواقف، كما هي تعبير عن قدرة البعض على الذهاب بعيداً في خلخلة الصف العربي ودفعه إلى مزالق لا تحقق ما هو دون الحد الأدنى من المصالح العربية. لا نقول ذلك لأننا كنا نعوّل كثيراً على القمة، لكن الإبقاء على حد أدنى من التضامن العربي، أو لنقل التفاهم العربي على الأبجديات، يظل مطلوباً من زاوية المصلحة العربية، سيما ونحن في زمن يراد فيه شطب ذلك كله من القاموس العربي، وبالطبع من قبل الطرف الآخر الأمريكي والصهيوني الذي يريد لمصطلحات من أمثال التضامن العربي، والتعاون العربي، ناهيك عن الوحدة العربية أن تغدو جزء من الماضي الذي سيمحوه زمن "الشرق الأوسط الكبير" الذي لا مجال فيه لأمة عربية، بل لدول متناثرة لكل واحدة منها أجندتها الخاصة، بدليل أن داخل هذا الشرق الأوسط عرب وأتراك وأفغان وفرس، ويهود أيضاً!! ما يمكن أن يقال هنا هو أن أصحاب رؤية الاستجابة لخطط الإصلاح الأمريكية وما تنطوي عليه من مواقف سياسية وغير سياسية لا ينطلقون من رؤية الأمة، بل من مصالح خاصة بأنظمتهم كما يرونها، لكن الأسوأ هو أن أصحاب الرؤية الثانية لا يجدون من التماسك والجرأة ما يكفي للتقدم إلى الإمام، سيما وهم يعجزون أو بعضهم، وربما أكثرهم عن رؤية حجم المأزق الأمريكي في العراق، وفي أفغانستان، كما هو حال المأزق الإسرائيلي مع المقاومة. والحال أن رؤية واضحة كهذه ربما أفضت إلى قوة في الطرح وقوة في الموقف، لأن جزءً أساسياً من الموقف الحالي يصاغ بناء على رؤية موقف الطرف الآخر وعناصر قوته وضعفه. ما جرى في تونس كان مؤسفاً إلى حد كبير، وإذا كان للبعض أن يقول إن دم الشيخ أحمد ياسين قد ساهم في إفشال القمة، فإن الأصل أن يقال إن دمه لم يكن كافياً عند البعض كي يدفع مواقفهم نحو ما هو أفضل من الهزال القائم، فكان التأجيل هو الملاذ من الإحراج أمام الشعوب وهي في ذروة غضبها مما جرى. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني