شكلت جريمة اغتيال الشيخ الشهيد أحمد ياسين قطب الرحى في تناولات الصحف العربية الصادرة داخل الوطن العربي هذا الأسبوع، وعجت افتتاحيات أغلب تلك الصحف بالموضوع معبرة عن مزيج الغضب والسخط العارم، مصحوبا بالأمل في أفق سيقلب أوضاع الهزيمة والخنوع الذي كرس له المطبعون والاستسلاميون. الشهيد المقتول في أرضه الباقي في أرضه بمناسبة استشهاد شيخ المجاهدين أحمد ياسين، سكبت صحيفة السفير اللبنانية في مقالة لكاتبها المعروف طلال سلمان نثرا هو أقرب إلى الشعر في حق الشهيد، ومضى يقول: بثّ الفجر القاني الصبح الجديد بكوفية بيضاء على رأسه. لم يعد الشيخ بحاجة إلى مقعده ذي العجلات لكي يتنقل بين صلاة الدعوة وصلاة الجهاد. غمرت الدماء وادي النيل ...انهمرت الدماء نزولاً إلى بحيرة طبريا، وأكملت مسارها عبر مجرى نهر الأردن مرتقية هضاب الجولان إلى اليرموك... ثم إلى الفرات لكي يحملها إلى العراق فتلاقي دجلة إلى شط العرب وتلتف على خصر الجزيرة مع الخليج عبر مضيق عمان قاصدة اليمن. ها هي دماء الشيخ تفور وتنساب عبر ليبيا عمر المختار في اتجاه تونس التي تخاف من القمة العربية فتكاد تصرخ بأعلى صوتها: اللهمّ ادفع عني هذه الكأس!.. وفي الجزائر تتداخل الدماء بالدماء حتى تكاد الصحراء تغدو حقلاً من شقائق النعمان المغربية. وصب الكاتب جام غضبه على العرب وقمتهم العربية المزمع عقدها في تونس: لم تصب الصواريخ القمة العربية لأنها وهم أو سراب. ثرثرة بلا عمود فقري، بلا قوام، بلا نصاب، بلا قرار... وانعقادها عبء يهرب منه أهلها، فإن أصرت عليها واشنطن، ومعها دائماً تل أبيب، انصاعوا وتركوا لها أن تصدر بيانها الختامي مشترطين أن يترك لهم شرف الترجمة إلى... لغة القرآن بطبعته الحديثة المعدلة بالأمر! وردا على التهم المفبركة في أمريكا والغرب ضد حماس وقائده الشهيد، يقول صاحب المقال: الحقيقة صلبة كالأرض ومقدسة كالأرض ودامغة كالدم. لم يكن الشيخ أحمد ياسين أسامة بن لادن ولم تكن حماس طالبان الفلسطينية أو العربية. كان، ببساطة، صاحب قضية. لم يكن نبياً ولا رسولاً يبشر بكلمة الله. كان، ببساطة، صاحب الأرض المطرود من أرضه، المقتول في أرضه، الباقي في أرضه. لم ينسف الأبراج في العواصم البعيدة على رؤوس من فيها بغير تمييز، وبغير رأفة، بذريعة أنه يقاتل الظلم والقهر الاستعماري. لم يكن قاتلاً كما أولئك المستقدَمين من أربع جهات الدنيا ليأخذوا منه أرض أجداده بقوة السلاح. الشهيد يقطر دمه وفاء لفلسطين كلها صحيفة السبيل الأردنية في افتتاحية عددها ليوم الأربعاء كتب فرج شلهوب إهداء إلى روح الشيخ الشهيد، ونسجه بعضه كما يلي: لكل حي نهاية مهما طال به العمر، لكن كم هم أولئك الذين يحظون بشرف الخاتمة، على النحو الذي كانت عليه خاتمة شيخ فلسطين، الشيخ أحمد ياسين. ستة وستون عاماً، هي عمر الشيخ على هذه الأرض، توزعت بين المنافي والسجون ومخيمات اللجوء، بين الفقر واليتم وقسوة المرض والحصار، بيد أن الشيخ ظل في كل ذلك عنواناً كبيراً للصمود والتعالي فوق الجراح والالآم. فسلام عليك أيها الشيخ الشهيد في الخالدين.. سلام على روحك الطاهرة.. على قبس النور في عينيك، سلام على ساعدك المشلول... وقلبك الزاخر بالحياة.. ووعد الآخرة أجمل الكلمات لعينيك يا أجمل الشهداء.. للصمود الذي جاوز حد الصبر.. للوفاء المترسخ في روحك، والذي ما زال يقطر وفاء لفلسطين كلها.. بحراً ونهراً وناساً طيبين... كنت الأخ والأب لاطفالهم، كانوا عنواناً كبيراً في قلبك الكبير، ولهذا لم يكن غريباً ان تنتصب قاماتهم كأعلى ما تكون هامات الرجال ودون إيعاز من احد في يوم استشهادك. وغداً سيقتحم الرجال أوهام القاتلين، فالمسافة بين لعنة من دمك وموتهم جد قصيرة، جد قصيرة، ولن يفوز بها الغاصبون بالظفر. فالعين بالعين والسن بالسن، وفي الجروح اتساع للقصاص. فانصب مقاليعك يا شعب الصابرين.. بين عيون القاتلين، وارفع راية الدم فوق اعناقهم.. فهم لا ينتصرون.. لا ينتصرون.. وحربهم خاسرة. الشهداء دليل على أن الأمة تتعافى وأنها بخير وفي مقال للرأي بصحيفة الشعب المصرية، أكد عامر عبد المنعم للصهاينة أن قتل الشيخ المجاهد أحمد ياسين و إخوانه و تهديد الآخرين بالتصفية لن يوقف المقاومة. فما لا يعرفه هؤلاء المجرمون أن شجرة الآلام تروي بالدم، و لولا الشهداء ما وصل الإسلام إلى كل الأرض. و ما ضاعت الأمة إلا بعد أن ضن أبناؤها بالجهاد و تقديم أرواحهم لله. كما أن جثامين الشهداء تحببنا في الموت أكثر من الحياة. وأسود الإسلام لن يؤثر فيهم غياب قائد، وإنما هو قوة مدخرة عند الله يسبقهم إلى الآخرة ينادي من خلفه بأن يلحقوا به، و هنا يولد المزيد من القادة و تزداد طوابير الشهداء التي يأتي علي أيديها النصر بإذن الله. وتقديم الشهداء دليل علي أن الأمة بخير و أنها تتعافي و تقوم من رقدتها. و شهداء فلسطين ينيرون الطريق الذي يسير فيه المجاهدون في كل مكان . نحن أمام تحول مهم سيقلب الأوضاع ليس في فلسطين فقط و إنما في كل المنطقة. فقد انهار سور الاستسلام الذي بناة المنبطحون وانهارت كل الأقنعة التي يتخفي بها أعوان إسرائيل أيا كانت مسمياتهم. الإرهاب وازدواجية المعايير صحيفة الثورة اليمنية، من جهتها، تحدتث في افتتاحية أول أمس عن الإرهاب وازدواجية المعايير، وأوضحت أن الاختلال الواسع والكبير الذي يكتنف تفاصيل المشهد الاقليمي، وحالة الإحباط والغضب التي تحيط بالواقع العربي لم تكن سوى محصلة تلقائية لمعضلات التخاذل والتشرذم التي تسيطر على مسار العمل العربي المشترك وماينتاب أداءه من عوامل القصور والتراخي والتفكك. وزادت الصحيفة موضحة أن عجز العرب عن ملء هذا الفراغ إنما هو الذي فتح الشهية للعقلية الصهيونية المدفوعة بنوازع البطش والإرهاب لاستباحة كل المحرمات وتجاوز الخطوط الحمراء والاتجاه نحو تنفيذ سياساتها الدموية الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني وتطلعاته في الحرية والاستقلال. اغتيال الشهيد يضع على الطاولة وجود الكيان ذاته البعث السورية في عددها ما قبل الأخير، أكدت في الافتتاحية أن: اسرائيل نقلت المنطقة إلى مستوى أعلى من التوتر باغتيالها الشهيد الشيخ ياسين، وهي نقلةٌ تعبِّر عن أزمة بنيوية يعيشها الكيان الصهيوني، لأول مرة بهذا الحجم، منذ عام.1948 كانت جميع الأزمات التي عاشتها إسرائيل في السابق أزمات دورية. والفرق بين الدوري والبنيوي واضح ومهم. التعامل مع الأول لايلزمه تغيير البنية، أما الثاني فيضع على الطاولة أسئلةً تتعلق بوجود الكيان ذاته. الأزمة الجديدة، التي بدأت مع الانتفاضة الأولى وتطورت إثر انتصار المقاومة في لبنان، هي أزمة بنيوية وضعت أمام إسرائيل أسئلة لم تكن مطروحة في العقود الماضية!.. قارىء الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي يلاحظ بوضوح أنّ الأسئلة التي أضحت تُطرح اليوم تتعلق بالوجود العاري الأممالمتحدة: تكون أو لا تكون و تناولت صحيفة البيان الإماراتية في ركن الرأي من عددها أمس شرعية وجود الأممالمتحدة، وقالت إن الأممالمتحدة هي الصوت الذي يعبر عن إرادة المجتمع الدولي ورغباته، هي لسان حال الرأي العام العالمي ولا يمكن أن تكون بمعزل عن مواقفه وهمومه، ولذلك تكون أول تكون، مادام أنه من أولويات أهدافها تحقيق الأمن والسلام الدوليين، والسهر على تنفيذ نصوص القانون الدولي حتى لا يتحول العالم إلى غابة تفترس فيها الوحوش الحملان الصغيرة. وأكدت الصحيفة في افتتاحيتها على الإجابة الملحة من الأممالمتحدة، ف إما أن تكون هناك أمم متحدة فعالة وقادرة على رعاية مصالح الشعوب والدفاع عن حقوقها، أو أن تكون المنظمة الدولية مجرد واجهة شكلية بلا فاعلية. وللأسف الشديد، هذا ما يريده حملة الفيتو في واشنطن الذين خلطوا الأوراق وشوهوا الحقيقة، وجعلوا كل من يدافع عن حقه المشروع في استرداد ارضه المغتصبة ارهابياً واجباً قتله!! الشيخ أحمد ياسين لن يكون خاتمة الشهداء وفي عمود الرأي السياسي، كتبت يومية الوطن السعودية في عدد أمس تقول أن الشيخ أحمد ياسين لن يكون خاتمة الشهداء في فلسطين، كما أنه ليس أول شهيد يسقط في حلبة الصراع العربي - الإسرائيلي. وتهكمت الصحيفة من الإنجاز الصهيوني بقتل الشيخ أحمد ياسين: لم تخجل إسرائيل وقادة الكيان الصهيوني من التبجح بالإنجاز الكبير الذي حققته في اغتيال الشيخ القعيد، وكأنها بتمزيق كرسيه المتحرك، هدمت مفاعلاً نووياً أو ترسانة من أسلحة الدمار الشامل الذي يهدد كيانها. إنها على حق في ذلك. لأن الكرسي الذي يتنقل به من بيته إلى المسجد، وتلك اللحية البيضاء، ونظرة الاستخفاف التي يرمق بها عدوه، لها وقع القنبلة النووية والأسلحة الجرثومية على من يتربع في مكتبه محاطاً بجحافل جنوده، وبآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الغربية من وسائل حماية. إسرائيل كانت على حق في أنها تخاف ليس من الشيخ أحمد ياسين، وإنما من كل من يحمل فكراً تحررياً لا يقبل بالاحتلال وبسلب الحقوق. وواصلت الصحيفة تكشف الاستهتار الصهيوني وديموقراطية أمريكا المزعومة: قبل الشيخ أحمد ياسين، لم ترحم إسرائيل أطفال جنين، ولم تحترم أعلام المنظمات الدولية والإنسانية. فتاريخها حافل بالإجرام وبالمذابح وبسلب الحقوق من أصحابها. ومع ذلك، فهي في عين الولاياتالمتحدة، الحمل الوديع، حامل لواء الديمقراطية في منطقة يسودها منطق الدكتاتوريات. برهنت إسرائيل، بالأمس عن ديمقراطية دموية، وبرهنت واشنطن حاملة لواء الإصلاح في الشرق الأوسط الكبير كم هي سمحة متساهلة مع ديمقراطية القتل على الرغم من أن إسرائيل لم تبلغها بالعملية ولم تحطها علماً بها! عبدالرحمان الهرتازي