مع حلول ذكرى هذا اليوم يتجدد تقييم حالة حقوق الإنسان في العالم.. معظم البلدان العربية لم تعد معنية بالتقييم العلمي لأوضاع حقوق الإنسان، مادام بعضها يعيش مرحلة اللادولة أو نموذج الدولة الرخوة التي فقدت السيطرة على جزء كبير من أراضيها مثل حالة العراق وسوريا واليمن وليبيا بينما اختار بعضها نموذج الدولة الأتوريتارية المحكومة بقبضة عسكرية لا تؤمن بحقوق الإنسان، فيما تعيش دول أخرى نموذج الدولة السلطوية التي تختار من منظومة حقوق الإنسان ما يتلاءم مع طبيعة اختياراتها السياسية.. المغرب يبدو شبه استثناء في المنطقة، وتنشط التحليلات خلال هذه الأيام للإجابة عن سؤال أين يقف المغرب في مجال حقوق الإنسان.. هناك تقييمات متضاربة بعضها يصل إلى درجة اعتبار المغرب يعيش ردة في مجال حقوق الإنسان !! والحقيقة أنه ليست هناك ردة في مجال حقوق الإنسان وليست هناك تراجعات، ولكن هناك تقدم بطريقة لولبية أي أن المنحنى العام تصاعدي ولكن هناك ارتدادات من حين لآخر. نسجل بإيجابية أن المغرب يسعى بخطى ثابتة لتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بحيث تجاوزنا بعض الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبيل الاختطاف والمخاطر السرية والتعذيب الممنهج الذي عشناه في سنوات قريبة قبل اعتماد الدستور الجديد سنة 2011 وخاصة المقتضيات المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية، وفي هذا الإطار لابد من تسجيل التطور الواضح على المستوى التشريعي وعلى مستوى الممارسة الاتفاقية الدولية، بحيث أصبح المغرب إلى جانب الدول التي صادقت على الاتفاقيات التسع الأساسية في مجال حقوق الإنسان، مع تسجيل انتظام عرض تقاريره الدورية على مجلس حقوق الإنسان وعلى لجان المعاهدات خلال السنوات الأربع الأخيرة وتجاوز التأخر الذي كان قبل ذلك. وفي هذا السياق فإن الدولة المغربية مطالبة بضرورة الإسراع بالمصادقة على اتفاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، والإسراع بإخراج الخطة الوطنية للديموقراطية وحقوق الإنسان، وهي الخطة التي يعول عليها لخلق الالتقائية الضرورية بين مختلف المتدخلين ما دامت منظومة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية تخترق جميع القطاعات خصوصا إذا أضفنا إليها الجيل الثالث لحقوق الإنسان المتعلق بالحق في البيئة والحق في التنمية والحق في الأمن. طبعا، من المطلوب إرساء بعض الآليات الوطنية المستقلة التي ستعزز مجال حقوق الإنسان والمقصود بذلك الآلية الوطنية المستقلة للوقاية من التعذيب والآلية الوطنية لحقوق الطفل، وفي هذا الإطار لابد من ضرورة إعمال المقاربة التشاركية مع المجتمع المدني والحرص على احترام المبادئ التوجيهية لميثاق باريس حرصا على استقلاليتها الحقيقية مع ضمان احترام التعددية الفكرية في تركيبتها. وفي مستوى آخر يثمن المراقبون المجهودات المبذولة في مجال النهوض بأوضاع المرأة وتقوية دور الأسرة داخل المجتمع والسعي نحو تحقيق المناصفة، عبر الرفع من ولوج النساء إلى مناصب المسؤولية واتخاذ القرار، إذ تؤكد المعطيات الإحصائية ارتفاعا ملحوظا على هذا المستوى، وهو ما يحتاج إلى المزيد من الترسيخ مع ضرورة احترام معايير الكفاءة والاستحقاق في تولي المهام والمناصب بالنسبة للمواطنين والمواطنات. هناك حوار حيوي بين الحكومة والمهنيين حول قوانين الصحافة والنشر، والمنتظر هو إخراج هذه القوانين خالية من العقوبات السالبة للحرية مع التخفيف من الغرامات كعقوبة، مع الحرص على متابعة الصحافيين بقانون الصحافة فقط فيما يتعلق بقضايا النشر ضمانا لحرية التعبير وإنهاء لمحاكمات الصحافيين على أساس قوانين لا علاقة لها بمدونة الصحافة. أما في يتعلق بالحريات الأساسية فيمكن القول إن ثقافة التظاهر والاحتجاج السلمي أصبحت راسخة عن طريق مئات الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بالحقوق أو لممارسة الحق في التعبير مما يؤشر على مزيد من توسيع الحريات، مع ضرورة استنكار اللجوء للاستعمال المفرط للقوة لتفريق بعض الوقفات الاحتجاجية مما يعتبر مسا صارخا بالحق في التظاهر، كما سجل المراقبون التضييق على بعض الجمعيات لاعتبارات سياسية مما يدعو إلى ضرورة إعمال أدوات الحوار ونزع فتيل التوتر معها. نعم، هناك تقدم ملموس، مع وجود ارتدادات نشعر معها بنوع من الإحباط، لكن سرعان ما نتذكر بأن ثقافة حقوق الإنسان هي معركة طويلة لابد فيها من امتلاك النفس الطويل.