كشفت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط عن واقع الإعاقة في المغرب، واستندت المندوبية على المعايير التي تبنتها الأممالمتحدة، في اعتبارها المعاق كل شخص يعاني إما بشكل كامل، أو على الأقل صعوبة كبيرة، في أحد المجالات الستة للأنشطة اليومية (الإبصار، السمع، المشي أو صعود الأدرج، التذكر أو التركيز، الاعتناء بالنفس والتواصل بلغته المعتادة). وحسب هذا المفهوم، بلغ خلال سنة 2014، عدد الأشخاص في وضعية إعاقة مليون و353 ألف و766 شخصا (وهو ما يعادل 4.1 بالمائة من مجموع السكان) 52.5 بالمائة منهم نساء و56 بالمائة يعيشون بالوسط الحضري. من بين الأشخاص في وضعية إعاقة أكثر من النصف (50,6 بالمائة) يبلغون من العمر 60 سنة أو أكثر. وهذه النسبة تصل إلى 38,3 بالمائة لدى الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 59 سنة، و 10,9 بالمائة لدى من هم دون سن 15 سنة. حوالي 46 بالمائة من الأشخاص في وضعية إعاقة متزوجون و 28 بالمائة لازالوا عازبون و 24 بالمائة في وضعية ترمل و 2,6 بالمائة مطلقون. بالنسبة لمعرفة القراءة والكتابة، فإن 73 بالمائة من الأشخاص في وضعية إعاقة البالغين من العمر 10 سنوات فما فوق لا يتوفرون على أي مستوى تعليمي و15 بالمائة لديهم مستوى التعليم الابتدائي، و8,5 بالمائة مستوى التعليم الثانوي و 1,5 بالمائة مستوى تعليمي عالي. أما فيما يخص مشاركة هذه الفئة في النشاط الاقتصادي، فإن 8 منهم من أصل كل 10 غير نشيطين في حين نجد أن 13 بالمائة منهم نشيطون مشتغلون. أما بخصوص معدل البطالة فإنه يظل ضعيفا إذ لا يتجاوز 3 بالمائة. على مستوى الجهات، ومقارنة مع المعدل الوطني، سجلت أعلى معدلات انتشار الإعاقة بكل من جهة كلميم-واد نون بنسبة ( 4,8 بالمائة) وجهة فاس-مكناس (4,6 بالمائة) وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة (4,5 بالمائة) وجهة درعة-تافيلالت (4,4) والجهة الشرقية ( 4,3 بالمائة). في حين سجلت أدنى المعدلات بجهتي الداخلة–وادي الذهب (1,7بالمائة) والعيون-الساقية الحمراء ( 3 بالمائة). "مصطفى" تحدى الإعاقة بريشة مطبقة على شفتيه "مصطفى" ابن مدينة الصويرة ذو 33 سنة الذي يعاني من إعاقة جسدية جعلته يتخذ من الكرسي المتحرك سندا له في التنقل من مكان إلى آخر، بالإضافة إلى أن "مصطفى" لا يقوى على الكلام بالكاد يخرج حروفا متناثرة تكون جملة قصيرة، كما أنه لا يستطيع تحريك يديه ، إلا أنه لم يستسلم للإعاقة، وجعل منها حافزا وقوة دفع للإبداع والتألق. "مصطفى" جعل من ريشته الملطخة بالألوان، وسيلة لتحدي إعاقته الجسدية ويحول مآسيه إلى لوحات تسر المارين، حيث يقول هذا الفنان برسم لوحات للمآثر التاريخية لمدينة موغادور، كالمدافع البرتغالية التي يرسمها وهي تتأهب لقصف العدُوّ كتأهبه هو لتحدي إعاقته الجسدية. وكثيرا ما يرسم "السقالة" تلك البناية التاريخية المطلة على المحيط الأطلسي، كما يرسم لوحات يغلب عليها طابع الطبيعة والخضرة وألوان الأزهار. قد تكون رسومات ابن مدينة الصويرة بسيطة، إلا أنها لها طابع خاص، عند كل من يحملها، فهي تحمل روح مصطفى المجروحة التي تأبى أن تمد يدها للناس، واستعطافهم، هذا الفنان الذي خانته كل أعضاء جسمه الا فمه الذي أصبح جسر تواصل بينه وبين ريشته وألوانه. "بيدق".. حصد ألقابا في رياضات رغم الإعاقة عبد الله بيدق شاب تحدى إعاقته وتحدى الفقر والتهميش واستطاع أن يحصد العديد من الألقاب الوطنية في عدة رياضات خاصة بالأشخاص المعاقين. حيث حصل على أزيد من ثمانين لقبا رياضيا وطنيا وإفريقيا في رياضات مختلفة. أرشيف عبد الله مليء بالألقاب والبطولات طيلة سبع سنوات من الممارسة، فهو بطل المغرب عدة مرات في حمل الأثقال، وفي سباقات 100م و400م و1500م وفي رياضات رمي القرص، وهو نجم لامع في الكرة الحديدية، حصد إلى جانب رفاقه من نادي النوايا الحسنة كل بطولات المغرب وكؤوس العرش. ولولا أن الجامعة الملكية الوصية تقرر خلال كل موسم رياضي ثلاثة أنواع من الرياضات فقط لكل رياضي لكان عبد الله بيدق شارك في العشرات من الرياضات التي يبدع فيها. أصيب عبد الله في طفولته بشلل نصفي بعد أن تعرض وهو في السادسة من عمره إلى ضربة شمس قوية، أصابته بمرض التهاب السحايا هذا المرض الذي لم يمهله سوى ليلة واحدة ليستفيق صباح اليوم الموالي وهو لا يقوى على تحريك أطرافه السلفى، لكن بيدق الطفل تحدى الإعاقة، وظل يخرج زاحفا يجر رجليه في غفلة من والديه، ليلعب مع أصدقاءه الأصحاء. نادية كوي .. كفيفة تعرفت على العالم بذكائها المتقد من يستعملون القطار الرابط بين الرباطوالدارالبيضاء يعرفون جيدا نادية كوي، سيدة أنيقة هادئة واثقة في خطواتها، ورغم أنها لا تعرف العالم من خلال عينيها إلا أن بصيرتها وذكاءها المتقد يعكسان لها العالم فيصبح بين يديها ملموسا محسوسا وواضحا كما أن إرادتها الحديدية ورغبتها المتواصلة في التعلم والعطاء لا حدود لها. تتنقل بنت تافراوت يوميا من الدارالبيضاء نحو الرباط كمئات المواطنين والهدف عملها في الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني مكلفة بالدراسات في ديوان الوزير. كفاءتها وإمكاناتها العلمية جعلت الوزير السابق الحبيب الشوباني يعينها في ديوانه بدون أدنى تردد. يقول المقربون منها إنها سيدة منضبطة في عملها دقيقة في أداء مهامها، فهي مترجمة فذة وباحثة متميزة بشهادة كل من يعرفها. إلى جانب العربية الفصحى، تتقن نادية كوي الأمازيغية والفرنسية والانجليزية وأيضا الاسبانية، وبدأت حاليا تتعلم اللغة الألمانية، تفوقها وتميزها رافقها طيلة مسارها العلمي والعملي. بعد أن حصلت على الإجازة في الأدب الإنجليزي من جامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء، تخرجت نادية كوي من مدرسة الملك فهد للترجمة بطنجة وجاءت في الرتبة الأولى، ثم سافرت لأمريكا لتكمل دراستها بعد أن حصلت على منحة تمنحها الخارجية الأمريكية للدراسة في معهد مونتري للدراسات الدولية في ولاية كاليفورنيا، بعد سنتين من الدراسة حصلت على ماستر إدارة الشأن العام تخصص تدبير الشأن الدولي. بالموازاة مع دراستها في الماستر، استفادت نادية من دورة تدريبية في منظمة دولية غير حكومية تعنى بشؤون المرأة والقيادات النسائية وهي منظمة أسستها هيلاري كلينتون، ثم دورة تدريبية أخرى في برنامج الأممالمتحدة للتنمية في مقرها في نيويورك وتحديدا في مكتب القدرات المؤسسية. بعد حصولها إلى الماستر، سافرت نادية كوي إلى كينيا لتشتغل لمدة سنتين كمنسقة لبرنامج الشباب والمرأة في الاتحاد الإفريقي للمكفوفين وهي منظمة غير حكومية ولها صفة ملاحظ في الاتحاد الافريقي ثم عينت مديرة تنفيذية لنفس المنظمة. في 2011 قررت نادية العودة إلى المغرب وقدمت استقالتها من عملها في كينيا بسبب الاضطرابات التي شهدتها المنطقة بعد سقوط نظام القذافي، اشتغلت في جريدة الأحداث المغربية لمدة شهرين مترجمة، ثم عينت مكلفة بالدراسات في ديوان الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني وهي الوظيفة التي لا تزال تشغلها حتى الآن. يقول المقربون منها إنها تتقن عملها بشكل كبير فقد ترجمت وثائق الحوار الوطني حول المجتمع المدني إلى الانجليزية، ولدقتها كان الوزير السابق الحبيب الشوباني يصر على أن تحضر لقاءاته مع الوفود الأجنبية كمترجمة لكونها كانت ملمة بكل الجوانب المتعلقة بالحوار الوطني ولدقتها في الترجمة. قصة نادية مع الحياة تثير دائما الإعجاب والتقدير لدى كل من يعرفها فهي تثبت للجميع أن الروح هي التي تعطي للحياة معنى وليس الجسد. "ياسر".. الإعاقة محفز للتفوق الدراسي "ياسر" شاب في مقتبل العمر تحدى الإعاقة، وجعل التميز والتفوق شعاره في حياة، حيث حصل ياسر على الباكالوريا سنة 2009، شعبة علوم رياضية بميزة حسن، بعد ذلك اتجه إلى الجامعة لتحقيق حلمه، ودخل كلية العلوم بمدينة الرباط، شعبة "علوم الرياضيات والمعلوميات"، خلال مسار ياسر الدراسي في الجامعة، كان دائما من الثلاث الأوائل بالشعبة، حيث حصل على الإجازة في الرياضيات التطبيقية بميزة حسن، مما خوله لاجتياز ماستر في ذات الكلية، وبعدها التسجيل في سلك الدكتوراه. يحكي ياسر ليومية التجديد والذي وجد نفسه يواجه قدره مع الكرسي المتحرك، ونظرات الشفقة من كل حدب وصوب، "أن نظرات الشفقة التي كان يراها في عيون كل من يعرفه من إخوانه وأبويه إلى زملائه في الدراسة، جعلته عازم على التميز، وتحويل نظرة الشفقة إلى نظرات إعجاب". وأضاف ياسر في ذات التصريح أنه "درس بالليل والنهار ليتوفق في دراسته خصوصا مادة الرياضيات، فكان له ذلك وحصل على ميزة حسن في الباكالوريا، فكانت بداية مسار من التميز والتفوق. وأضاف المتحدث أن أسرته ساعدته كثير في تحقيق أهدافه، وذلك في مساعدته للتنقل من الكلية للبيت وكذا، مده بكل ما يلزمه، بالإضافة إلى الدعم النفسي. "أحمد".. تحدى الإعاقة بالانخراط في العمل الجمعوي "أحمد" شاب طموح عمره 21 سنة، ولد كفيفا لكنه لم يحرم نعمة البصيرة والإرادة التي حركته نحو المعرفة. بدأ مسيرته في التميز والتفوق منذ كان صغيرا، حيث برزت موهبته في كتابة القصص في سن التاسعة، ونشر مجموعة من القصص القصيرة في ملحق الأطفال الذي كانت تصدره جريدة "التجديد". مواهب "أحمد" برزت في مجالات كثيرة منها الموسيقى والرياضة وحب المعرفة والبحث والعمل الجمعوي. ويتابع دراسته حاليا في كلية الآداب بالرباط في شعبة علم الاجتماع، ويقول "أحمد" في تصريح ل"التجديد" إنه اختار هذه الشعبة لتحليل الظواهر الاجتماعية. من جهة أخرى، تقول والدة "أحمد" إنها كابدت المصاعب للوقوف بجانب ابنها لتحقيق طموحاته، حيث اضطرت للدخول للمعهد الموسيقي والدراسة جنبا إلى جنب مع أبنها، لكي تستطيع من مرافقته ذهابا وإيابا، وتضيف أنهما يحفظان معا الموشحات الأندلسية ويقومان بأنشطة معا. خاض "أحمد" تجربة فريدة بالموازاة مع دراسته في الجامعة والأنشطة الأخرى التي يزاولها، حيث انخرط في العمل الجمعوي في سن مبكرة، وذلك بتأسيس جمعية "نور الشباب" للرياضة والثقافة والموسيقى والإبداع، وتعمل هذه الجمعية على تنمية قدرات الشباب وإبراز مواهبهم، وتركز على ذوي الاحتياجات الخاصة وذلك بمساعدتهم على الاندماج في محيطهم وإبراز مواهبهم. يحلم "أحمد" بالمضي في العمل الجمعوي، وتأسيس شبكة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة لمساعدتهم على إطلاق طاقاتهم ومواهبهم وتحقيق أهدافهم والعيش بكرامة مثل جميع المواطنين.