نظمت حركة التوحيد والإصلاح فرع مدينة سلا، يوم السبت 5 دجنبر 2015 محاضرة بعنوان "معالم التدين من المراهقة إلى الرشد" أطرها الداعية عبد الفتاح الفريسي، صاحب برنامج سلوة الأنفاس في إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، وذلك في إطار برنامجها التربوي للموسم الدعوي الجاري 2015 – 2016، وخلال المحاضرة تساءل الشباب الحاضر من الإناث والذكور عن كيفية تمثل التدين الصحيح الوسطي المعتدل والتدين ونشره بين عموم الناس، وكيفية تحصين التدين من الميوعة والانحلال ومن الغلو والتشدد، وكيفية تبليغ الرسالة المحمدية وإشاعة الصورة الصحيحة عن الدين وإبراز جماليته في ظل مناخ مضطرب ومرتبك، تعرضت معه صورة المتدينين إلى نوع من التشويش على الصعيد الداخلي والخارجي. وقال الفريسي، إن من فضل الله على الأمة الإسلامية أن مكن لها أسباب النصر والاستمرار وعدم القابلية للاستئصال، وأودع في الدين الإسلامي أسباب الذيوع والبقاء، إذ أنه رغم المحن والابتلاءات والمناوشات فإن الأمة الإسلامية باقية قائمة، تكذب الظنون، وتتحدى المغرضين والأعادي كما جاء في القرآن الكريم (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون). وأبرز المحاضر أن أسباب صمود الدين الإسلامي وانتشاره بين الناس ونجاح الدعوة الإسلامية في الانسياب بين الأمم، يرجع إلى القوة الذاتية ومعالم التمكين في الدين الإسلامي، وهي الأبعاد المقاصدية والقواعد العلمية التي انبى على أساسها هيكل الدين وبنيانه، مشددا على أن هذه القواعد كفيلة بأن تجنب الأمة الإسلامية ما أصبحنا نشاهده ونلمسه من مظاهر النزقية والغلو والتطرف، وذلك اعتمادا على ستة معالم. وأوضح المحاضر أن أول معالم التدين الراشد هو الدعوة إلى القلب والجوهر بدل القالب والمظهر، وذلك بالتركيز إلى جوهر الدين وقضاياه الأساسية ومقاصده الجوهرية، مبرزا أن جوهر العقيدة الإسلامية هو التوحيد ، وجوهر العبادات؛ الإخلاص، وجوهر المعاملات في ديننا؛ الصدق، وجوهر الأخلاق؛ الرحمة، وجوهر التشريع العدل، وجوهر العمل الجودة والإتقان، وجوهر التربية التوازن، مؤكدا على أنه لا خيار أمام المسلمين إلا أن يحيوا العلاقة من جديد بهذه الأصول والجواهر. أما المعلم الثاني، حسب المحاضر، فيتمثل في الدعوة إلى الإنتاج والعمل بدل التقاعس والجدل، داعيا إلى الاهتمام بالعطاء والعمل وتجنب الإغراق في الجدل العقيم، والإكثار من التقعر في التنظير والتشدق بالكلام بما لايبني ولا يجدي، مشبها هذا الأخير بالزبد الذي يذهب جفاء لا ينفع منه الناس، ودعا أيضا إلى تصحيح النظرة إلى الماضي وأمجاده وتقويم رجاله وما جاء فيه من المفاخر والمآسي، و وجوب التزام العلمية والموضوعية في الرد على المخالفين، دون غلو مع الموافق ولا جفاء في المخالف مع الترفع عن الاشتغال كثرة الجدال فيما لا يعود بالنفع على الفرد والأمة. والمعلم الثالث يتمثل في الدعوة إلى التبشير والتيسير بدل التنفير والتعسير، مؤكدا على أن المسلم الملتزم يجب أن يشيع بين الناس مفاهيم التيسير التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء عليهم رضوان الله، وأن يعطي الانطباع بأن الدين حقا سبب لإسعاد الإنسان وليس سببا في شقاءه، وانتقد الفريسي التغير الذي يطرأ على تصرفات ومواقف بعض الأبناء بعد التزامهم طريق الاستقامة، فيصبحوا مثل قلم أحمر يسجل أخطاء إخوته وأصدقاءه ويتعقب الهفوات والزلات لكي يعيب كل ناقصة، وقد يقطع الكلام نهائيا حتى مع إخوته وأبويه بناء على مواقفه من مستوى تدينهم، مؤكدا على أن هذا السلوك خاطئ يخالف مقاصد الدين الحنيف الذي جاء لتحقيق الرحمة بين الناس كما جاء في القرآن الكريم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، ويخالف مقاصد الشريعة في التعامل مع النص الديني. وشدد الفريسي مخاطبا الشباب الحاضر على أن المطلوب من الإنسان بعد إقباله على طريق الالتزام بأن يكون رحمة مع والديه يدخل السرور عليهم بالكلمة الطيبة وبالمعاملة الحسنة، والاقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في معاملته صحابته المؤمنين والمشركين الكافرين بالصدق والأمانة والحسنى والرفق، ليخلص إلى أن رسالة الإسلام هي دائما رحمة وليست نقمة أبدا، وهذه مسؤولية عظيمة أوصى المحاضر الشباب بالاعتبار بها. أما رابع المعالم فتتمثل في الدعوة إلى الوسطية والاعتدال بدل التطرّف والانحلال، مؤكدا على أنه يجب تبني الوسطية والاعتدال في كل أمر بما فيها العبادة، واستشهد بقصة النفر الثلاثة الذين جاؤوا يسألون عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا بها اعتبروها قليلة، وعندما وصل الخبر إلى رسول الله قال «أما إني لأتقاكم لله وأخشاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني». ونبه الفريسي إلى أن الانحراف عن سنة رسول الله هو ميل إلى الغلو والتشدد والتطرف، موضحا أن غاية الإسلام الاعتدال والتوازن في العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات والتشريعات، بعيداً عن الغلو في تقديس الذات وتكفير الآخر ونزع الشرعية عن خطاب المخالفين. ويتمثل المعلم الخامس يردف الفريسي، في الرفق والرحمة بدل الغلو والنقمة، مشددا على أن منهج الإسلام يقوم علي الرفق واللين والرقة والرحمة، ولا يقوم علي العنف والشدة والغلظة والنقمة، في كل المظاهر والأحوال، مستشهدا بتصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في الأوقات السلمية والحربية، حيث نهي عن الاعتداء على الآمنين والمعاهدين والعزل والنساء والأطفال من الأعداء، فضلا عن أن القرآن الكريم أمرنا يضيف المتحدث، بالجنوح إلى السلم والدخول في حلفه، كما جاء في الآية الكريمة، (يأيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كافة)، وفي قول تعالى في آية أخرى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله). أما المعلم السادس فيتجلى في الدعوة إلى الحوار وتدبير الاختلاف بدل التعصب والإجحاف، يورد المتحدث، مؤكدا على أنها دعوة قرآنية صرفة جعلت من الاختلاف والتنوع قضية طبيعية في النفس والآفاق ورغبت في أن يكون الاختلاف اختلاف تكامل لا تضاد، يثري الفكر ويخصب الفهم، وأضاف الفريسي أن القرآن الكريم أمر بالانفتاح على كل ذي رأي كيف ما كان موقعه، ودعا إلى التركيز على القواسم المشتركة بين الناس ليتم التعاون والتضامن والتعارف، مصداقا لقوله تعالى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).