كثر الحديث اليوم عن التهديدات التي تستهدف الطفولة في المغرب، والواقع أن تلك التهديدات كانت قائمة في المجتمع ولها جذور في الثقافة المغربية تُطبع مع الانتهاكات التي تطال الأطفال خاصة فيما يتعلق بتشغيلهم أو استغلالهم جنسيا. غير أن جديد تلك التهديدات اليوم هو انتشار وسائل الاتصال الالكترونية التي تتيح لمستهدفي الطفولة الوصول إلى هذه الفئة الهشة بسرعة وبشكل واسع وفي آمان يزيد من تفاقم المخاطر الموجهة ضد الأطفال. يمكن حصر المخاطر التقليدية التي كانت تهدد الطفولة في تشغيل الأطفال وفي استغلالهم جنسيا وفي ممارسة العنف الجسدي والمعنوي ضدهم تحت قناع التربية بشكل خاص. غير أن منظومة التهديدات الموجهة ضد الطفولة قد تعقدت اليوم و أصبحت أكثر قدرة على تدمير الطفولة. ويمكن الإشارة بالخصوص إلى تهديدين خطيرين، يهم الأول الاستهداف الإرهابي للأطفال، والذي يهدف إلى إعداد مجندين للانخراط في الأعمال الإرهابية على المدى المتوسط والبعيد، أو حتى توظيفهم في أعمال إرهابية آنيا أو على المدى القريب. ويهم الثاني، الاتجار في البشر لأغراض مختلفة منها بالخصوص الاستغلال الجنسي في أسواق النخاسة العالمي. وتعتمد هذه التجارة كما تؤكد الدراسات والتقارير المتخصصة فيها على شبكات محلية وإقليمية وعالمية من السماسرة، تقدم خدمات جنس الأطفال لزبناء محليين أو عبر الحدود أو من خلال السياحة الجنسية التي يعتبر الأطفال من سلعها "المميزة". وإذا كانت تجارة البشر خاصة في بعدها المتعلق ببيع الخدمات الجنسية تعد من أكبر الأنشطة التجارية المحظورة التي تروج رؤوس أموال ضخمة حيث لا توازيها إلا تجارة الأسلحة والمخدرات، فإن الأنشطة الإرهابية تكلف العالم خسارة في البشر و الأمن والمال بمؤشرات مخيفة تتفاقم يوما بعد يوم. و تجارة البشر في الأطفال لأغراض جنسية، وأنشطة التجنيد الإرهابية المستهدفة للأطفال تعتمد بالأساس على الشبكة العنكبوتية، مما يجعلها آفة تهدد جميع المجتمعات وخاصة في الدول التي تنتشر فيها خدمات الأنترنيت بشكل منفتح على المجتمع. والمغرب هو ضمن الدول التي تعرف تناميا متسارعا في انتشار تكنلوجيا الأنترنيت خاصة في الأوساط الشعبية. و لا يقتصر ولوج الأنترنيت على تملك الأجهزة الالكترونية والاشتراك في خدمات الأنترنيت، بل نجدها متاحة للجميع عبر شبكة وطنية واسعة الانتشار من مقاهي الأنترنيت المفتوحة لجميع الشرائح والفئات العمرية في المجتمع. و يرتبط التهديد الالكتروني المستهدف للأطفال سواء في بعده المتعلق بالإرهاب أو بعده المتعلق بالاستغلال الجنسي أو غيرهما، بدرجة ضعف منظومة حماية الطفولة سواء فيما يتعلق بالسياسات العمومية، أو فيما يتعلق بالمجتمع المدني المتخصص في المجال. وفي هذا الإطار يمكن تسليط الضوء على ثلاثة مستويات مفصلية في هذا الضعف. المستوى الأول، يتعلق بشبه غياب حق الحماية من مخاطر الانترنيت في السياسات العمومية، وهذا الغياب نجده في كثير من المجالات، يمكن إجمال أهمها في، أولا الفوضى التي تشتغل فيها مقاهي الأنترنيت، والتي يمكن تركيزها في غياب دفتر تحملات تنظم تلك المقاهي وتضع ضمن أهدافها حماية الطفولة. ثانيا، شبه غياب برامج التحسيس والتوعية المتعلقة بحماية الطفولة عبر الانترنيت في الإعلام والتعليم بالخصوص. ثالثا، ضعف تلك الحماية في السياسة الجنائية وخاصة في ما يتعلق بالأحكام المخففة التي يواجه بها المجرمون وخاصة فيما يتعلق بالاستغلال الجنسي للأطفال. رابعا، غياب أية مراقبة تهم برامج حماية الأطفال في سوق تكنلوجيا المعلومات، سواء لدى مقدمي خدمات الأنترنيت، أو بائعي البرامج والتجهيزات الالكترونية. وإذا اكتفينا بهذه العناصر نستنتج أن حماية الطفولة في المغرب في مواجهة موجات الدمار الشامل للطفولة تتطلب تدخلا مستعجلا لتدارك الخلل الخطير في منظمة حماية الطفولة من التهديدات عبر الأنترنيت بالخصوص في السياسات العمومية. المستوى الثاني لتلك التهديدات، يتعلق بضعف المجتمع المدني المتخصص في مجال حماية الطفولة من مخاطر الأنترنيت، وهذا الضعف يشمل شبكة ذلك المجتمع وانتشاره، والذي يمكن، تقديرا، وصفه بالضعف الخطير. وغني عن الذكر ما يلعبه المجتمع المدني من أدوار وقائية وعلاجية في مواجهة الآفات الاجتماعية. سواء من خلال تأطير الأطفال أنفسهم أو بتأطير أسرهم. المستوى الثالث للتهديدات عبر الأنترنيت التي تستهدف الأطفال بالخصوص، يتعلق بدور الأسر في هذا الباب، فمع انتشار وسائل الربط بالشبكة الالكترونية في أوساط الأسر، أو عبر حرية تردد الأطفال على مقاهي الأنترنيت بشكل غير مؤطر ولا آمن، نجد أن وعي الأسر بكيفية حماية النشء من مخاطر الأنترنيت ضعيف جدا، وأن الآباء رغم تنامي شكاواهم من الآثار السلبية التي يخلفها تعاطي الأطفال مع الأنترنيت خاصة في بعده المرضي المتعلق بالإدمان، لا يملكون ثقافة أمنية في هذا المجال ولا مؤهلات مهارتية في اعتماد البرامج المتخصصة في ذلك، ولا تجد الأسر في الإعلام ولا في المجتمع المدني ما يشفي غليلها في هذا المجال. المستوايات الثلاثة المشار إليها سابقا تعد من المفاصل الحيوية الكبرى في حماية الطفولة، و وجود ضعف كبير فيها لا يعني سوى أن طفولة المغرب ليس لديها حماية حقيقية في مواجهة التهديدات اليومية لها من خلال الأنترنيت. و لا تكفي في هذا المجال اعترافات مسؤولين بالتقصير الرسمي فيه، بل ينبغي الإسراع إلى طرح مبادرات شاملة تعالج النقص الفظيع في تلك المستويات، في استهداف مباشر للأطفال و أسرهم والمجتمع المدني وكل الفاعلين في مجالات الأسرة و تنشئة الطفولة. إن حماية الطفولة، وإن كانت من مسؤوليات الدولة الدستورية والأخلاقية، إلا أن الأسر والمجتمع المدني يتحملان أيضا قسطا كبيرا من تلك منها. و ما لم يتحول موضوع حماية الطفولة من مخاطر الأنترنيت إلى قضية عمومية حاضرة بقوة في السياسات العمومية، و تستأثر بالنقاش العمومي في الإعلام كما في المدارس والكليات وفي المنتديات والمحضرات والندوات العامة، وفي كل المناشط الفكرية والثقافية، ومن خلال كل الوسائل خاصة الإعلام والفن، فإن حماية الطفولة ستضل نقطة ضعف يؤتى منها المجتمع بقدر استمرار أسباب الضعف فيها. div class=