حينما نتكلم عن دعاوى الإضرار بالمرأة في الميراث أو المساواة لإنصافها ، لا تحكمنا في ذلك الضغوط الفكرية الغربية ، ولا الدراسات المستلحقة بها ، ولا حواشيها وشروحها بالَسن عربية ، ولا حتى الواقع المتردي للمرأة والرجل والأسرة بشكل خاص…ولكن تحكمنا النظرة الشرعية المقاصدية للأسرة والمجتمع معا . إذ الغالب في أحوال المجتمع أن الرجل قد يضر بالمرأة ، لذلك تتدخلت أحكام الشارع لدفع الضرر عن المرأة ؛ فكان التنبيه على ذلك ، حتى يكون قصد المكلف في العمل موافقا لقصد الشارع ، لأن الشارع إنما"قصد من الشريعة عزل المكلف عن هواه وحمله على أحكام الشارع " 1. فلم يبق للرجل ولا للمرأة في حال الخلاف مجالا لتحكيم الهوى . وحسبنا أن نورد في هذا المقال نماذج من الأحكام الشرعية والتي مرجعها نفي الإضرار بالمرأة أولا ، لعلها تفي بالغرض ، وأبرزها نصيب الأنثى في الميراث ، لنبين الضرر الذي يلحق المرأة أو الأسرة عموما في دعاوى المساواة في الميراث ، مع علمنا أن الذين ينادون بالمساواة في الإرث يجهلون أو يتجاهلون نصيب الأنثى. وقبل ذلك نتساءل كما يتساءل كثير من المغاربة ، هل المقصود الارث أم الثوابت الدينية ؟ أم الاسلام ككل؟ ، وهل نناقش المساواة في جميع صورها داخل الأسرة ؟ من مثل الصداق و النفقة على العيال والحضانة والنفقة بعد الطلاق والعقوبات المترتبة على الترك ، وهل يلجأ الى الاكراه البدني للمرأة كما يفعل مع الرجل عند الإخلال بالواجب ، ام الكلام عن الميرا ث فقط ؟.. اولا : التكامل وليس في المساواة من سنة الله تعالى في خلقه اختلاف الرجل والمرأة والألوان والألسن قال تعالى:( وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22). (الروم الآية 22)، اختلاف تكامل وتنوع لا اختلاف تضاد ، لأن (مقتضى الخلقة ومقتضى المقصد من المرأة والرجل ومقتضى الشريعة التخالف بين كثير من أحوال الرجال والنساء في نظام العمران و المعاشرة)2، وأمثال هذا في الشريعة في علاقة الرجل بالمرأة كثير، وأظهر من أن يستدل عليه ، فشرع سبحانه لظروف الاختلاف أحكاما ، وللتكامل أحكاما ، تلائم المقام الذي سيقت لأجله لتحقيق مقصود الله تعالى في شرعه وخلقه ، وأمر كليهما بالتعامل بالمعروف وبالتي هي أحسن بما تعنيه هذه الكلمات في اللغة والشرع والعرف ، وما تقتضيه المقاصد الشرعية ، وتجنب كل ما فيه ضرر لكليهما أو للأسرة أو للمجتمع لأن (مقصود الزوجية التراكن والود والإحسان من الطرفين ، لقوله تعالى:( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)(الروم الآية 21) وقوله تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ (النساء الآية 34)، فميز الرجال على النساء ، وفي ذلك تحقيق لقصدين أحدهما دفع توهم المساواة بين الرجال والنساء في كل الحقوق "3 ، بناء على قوله تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228).( البقرة الآية 228)، والثاني "تحديد إيثار الرجال على النساء بمقدار مخصوص لإبطال إيثارهم المطلق الذي كان متبعا في الجاهلية"4 ، وبحسب موقع كل من الرجل والمرأة في الأسرة وسعي الشارع إلى تحصيل المصلحة ، فرض على كل واحد منهما أن يِؤدي الدور الذي يحقق مقصود الشارع ، ويحفظ المصلحة لكليهما لذلك قدمت النساء في الحضانة وأخرت في الجهاد والصلاة " لأن تزيد شفقتهن وصبرهن يقتضي مزيد صلاحهن للأطفال ومصالح العيال)5، ولئن كانت النساء يؤخرن في الصلاة والجهاد ، فإنهن قدمن في الحضانة لما يغلب عليهن من الصبر والحنان والشفقة ، وهذه أمور أكثر من يحتاج إليها الأطفال تحصيلا لمقصود شرعي ، وهو إصلاح حالهم ، وحسن تنشئتهم ، وهذه المواصفات يفتقدها الرجال مقارنة مع النساء. ومثل هذا يقال في الولاية في تقديم من هو أحق ، وأحفظ للمصالح وأكثر تحصيلا للمنفعة ، وليس إذلالا أو إهانة لهذا أو ذاك ، وبحسب غلبة جلب المصالح ودرء المفاسد بمسؤولية كل واحد منهم ، وقاعدة الشرع في ذلك أدى إلى نصب الولاية في كل ولاية عامة أو خاصة إنما يكون "للقيام بجلب مصالح المولى عليهم ، وبدرء المفاسد عنهم . وهكذا حكمة الله تعالى اقتضت أن يقدم هذا في موقع ويؤخر في موقع آخر ، مراعاة للمصلحة ، ودفعا للضرر الواقع أو المتوقع ، ولربما يتكلم الذين ينادون بالتماثل والتساوي بين المرأة والرجل في كل شيء كالإرث ، وتعدد "الأزواج" بدافع ثقافي مستغرب ، أو بدافع الهوى كما قال تعالى (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) (المومنون الآية 71). والمقام لا يسمح بتفصيل أحكام الشارع في ذلك. ورغم وجود الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحول دون عمل المكلف ما فيه ضرر ، وإفهامه أن الشارع قصد من التشريع رفع الضرر ، والقاعدة الفقهية المستنبطة من التشريع تنص على أن (الضرر يزال) ، وإن كانت متضمنة للاستثناءات كارتكاب أخف الضررين ، وتحمل الضرر الخاص لإزالة الضرر العام ،.. رغم هذا كله فإن واقع حال المسلمين باختلاف وضعياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، يؤكد أن المسلم باعتباره مكلفا ، ابتعد شيئا فشيئا عن الشريعة ، واختل المقصد التربوي في الأسرة وأفرغت الشريعة من محتواها التعبدي ، فلم يعد هوى المكلف مع أحكام الشارع.. ؟
*********** 1 – الشاطبي في الموافات 2 – الذخيرة القرافي 4/341. 3 – التحرير والتنويرلابن عاشور 1/644 4 – التحرير والتنوير لابن عاشور1/644 5 – الذخيرة القرافي 10/42.
أستاذ بالمركز التربوي الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس