وفد عن مجلس الشيوخ الفرنسي يشيد بالطفرة التنموية بالداخلة    مشروع قانون الإضراب.. الحكومة مستعدة للقيام ب "تعديلات جوهرية" استجابة لمطالب الشغيلة (السكوري)    كأس السوبر الإسبانية.. برشلونة إلى النهائي على حساب أتلتيك بيلباو    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة .. السيدة فاطمة الزهراء المنصوري تقوم بزيارة ميدانية وتوقع أربع اتفاقيات    المجلس الرياضي الإسباني يوافق على مشاركة أولمو مع برشلونة    المغرب يقلب الطاولة على أمريكا ويتأهل لنصف نهائي مونديال دوري الملوك    ملف تجريد مستشارين من العضوية    لقاء يجمع مسؤولين لاتخاذ تدابير لمنع انتشار "بوحمرون" في مدارس الحسيمة    ناسا تعدل خططها لجلب عينات صخرية من المريخ    عبور أول شاحنة بضائع لمعبر باب سبتة تمهيدا لبدء نشاط الجمارك    ضمنهم سيدتان.. تفكيك شبكة ل"السماوي" متورطة في سرقة مجوهرات من الضحايا    "الضحى" و"مجموعة CMGP" يهيمنان على تداولات البورصة    السجن المحلي لطنجة يتصدر وطنيا.. رصد 23 حالة إصابة بداء "بوحمرون"    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. وست هام يقيل مدربه الإسباني خولن لوبيتيغي    "الباسبور" المغربي يمكن المغاربة من دخول 73 دولة بدون "فيزا"    عطية الله يخضع لجراحة في الوجه            الإعفاءات الجزئية لفائدة المقاولات المدينة: فتح استثنائي لقباضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يومي السبت والأحد    تسبب له في عجز تجاوز 20 يوميا.. السجن لمتهم بتعنيف والده بالحسيمة        ديديه ديشان يؤكد نهاية مشواره التدريبي مع المنتخب الفرنسي بعد مونديال 2026    أوجار: البطالة نتاج لتراكم سنوات والحكومة ستعبئ جميع الوسائل لمواجهتها    "البيجيدي" يتنصل من موقف مستشارته الرافض لتسمية شارع في فاس باسم آيت يدر ويصفه ب"الموقف الفردي"    إصدار العدد الثاني من مجلة الإيسيسكو للغة العربية    إيران تطلق سراح صحافية إيطالية    الصحة تنتفض ضد الأزمة.. إضراب وطني يشل حركة المستشفى الحسني الأسبوع القادم    استعدادات لميلاد مؤسسة عبد الله اشبابو للفكر والثقافة بمدينة طنجة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    "عجل السامري" الكندي: تأملات فلسفية في استقالة ترودو    بنسعيد: الدعم الاستثنائي لقطاع الصحافة والنشر سينتهي في مارس المقبل بعد تفعيل المرسوم الجديد ذي الصلة    قريباً شرطة النظافة بشوارع الدار البيضاء    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    عشرات الشاحنات المغربية تتعرض لإطلاق نار في مالي    ترامب ينشر خريطة جديدة للولايات المتحدة تضم كند    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    عامل إقليم السمارة يشيد بأهمية النسخة الثامنة لمهرجان الكوميديا الحسانية    مولاي إبراهيم الشريف: مهرجان مسرح الطفل بالسمارة يعزز بناء جيل مثقف    بنسعيد: الدعم الاستثنائي للصحافة بلغ 325 مليون درهم خلال سنة 2024    حريق كارثي يُهجّر آلاف الأسر والسلطات الأمريكية تستنفر    المغرب يسجل أدنى مستويات المياه السطحية في إفريقيا خلال عام 2024    توظيف مالي لمبلغ 1,6 مليار درهم من فائض الخزينة    منظة الصحة العالمية توضح بشأن مخاطر انتشار الفيروسات التنفسية    ارتفاع أسعار النفط وسط تقلص إمدادات    نجم موسيقى الستينيات "بيتر يارو" يرحل عن 86 عاما    "الصدفة" تكشف عن صنف من الورق العتيق شديد الندرة    وزير الخارجية الفرنسي: عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا قد تُرفع سريعاً    ترامب يطالب حلف "الناتو" بالسخاء    إسرائيل تقتل 51 شخصا في قطاع غزة    تأجيل محاكمة إسماعيل الغزاوي إلى 15 يناير وسط دعوات حقوقية للإفراج عنه    أوجار يدعو الوزراء إلى النزول للشارع ويتحدث عن نخبة اقتصادية "بورجوازية" ترتكب جريمة في حق الوطن    كأس الرابطة الانجليزية.. نيوكاسل يقترب من النهائي بتغلبه على مضيفه أرسنال (2-0)    مواجهة تفشي بوحمرون يجمع مسؤولي الصحة والتعليم بالحسيمة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    دراسة: الحليب لا يفرز البلغم عند الإصابة بنزلات البرد    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    الأوقاف تعلن عن فتح تسجيل الحجاج إلكترونيا لموسم 1447 هجرية    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام -3-    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقرئ الإدريسي أبو زيد: المطبعون مع العدو الصهيوني في المغرب مايزالون قلة قليلة وإن كانت متنفذة
نشر في التجديد يوم 23 - 11 - 2015

قال المفكر المغربي المقرئ الإدريسي أبو زيد، إن ما يحدث في القدس والأراضي الفلسطينية لا يمكن أن يسمى إلا انتفاضة ثالثة، مؤكدا أن الشعب الفلسطيني مايزال حيا ويعبر عن قدرته على المقاومة بلا شيء من أجل كل شيء.
وأضاف أبو زيد في حوار مع يومية التجديد حول القضية الفلسطينية ومستجداتها ، أن الموقف الملكي الرسمي بالمغرب، كان هو "أعلى سقف في المواقف العربية المنددة بالعدوان الصهيوني في حرب 2014 وداعما للشعب الفلسطيني بخمسة ملايين دولار".
واعتبر المتخصص في القضية الفلسطينية أن موجة التراجع التي يشهدها الربيع العربي أثرت على القضية الفلسطينية، قائلا "لا يمكن أن أتصور أن يكون الخريف العربي المنقلب على الربيع العربي شيئا إلا أنه وبال وعبئ على القضية الفلسطينية ومزيد من العزلة لها".
وأشار البرلماني عن حزب العدالة والتنمية إلى أن المسيرة الشعبية التي احتضنتها مدينة الدار البيضاء تضامنا مع القدس والشعب الفلسطيني ضد العدوان الصهيوني، هي الأقوى بالنسبة للمحيط العربي، قائلا: "لم نر في أي بلد عربي مسيرة تضاهي هذه المسيرة، ومازال المغرب في الصدارة"، مؤكدا أن الانتقادات التي طالت المسيرة واعتبرتها تحريضا على قتل اليهود المغاربة تمثل "عملية ابتزاز من أجل التخويف والترهيب، وهذا إرهاب نفسي وفكري خطير".
وأبرز المفكر المغربي أن التطبيع مع الكيان الصهيوني يثبت يوما بعد يوم أنه أشد من الإبادة الحضارية.
عرفت القضية الفلسطينية تطورات كثيرة في الأسابيع الأخيرة، كيف يتابع أبو زيد الإدريسي هذه التطورات وهل تتفق مع القول بأننا أمام "انتفاضة ثالثة"؟
بسم الله الرحمن الرحيم بعيدا عن الأماني والآمال، وبنظرة واقعية محايدة رغم صعوبة الحياد تجاه القضية الفلسطينية، فإن ما يحدث في بيت المقدس وأكناف المقدس، لا يمكن إلا أن يسمى انتفاضة ثالثة. الذين يهربون أو يتهربون من هذه التسمية ويحاولون التقليل من شأن الأحداث التي حصلت وتحصل ويخافون من تبعات هذه التسمية والتزاماتها، يتذكرون الماضي القريب: لقد تعهد العرب سابقا بدعم الانتفاضة الأولى والثانية لكنهم لم يفوا بعهودهم ماديا وسياسيا.
بجميع المقاييس ما يحصل في بيت المقدس انتفاضة ثالثة، ومؤشرات ذلك الأسلوب الجديد في التعامل مع العدو الصهيوني والنوعية الجديدة من الإنسان الفلسطيني الذي يمثل الفاعل الرئيسي في هذا الحدث، والآثار الجديدة المترتبة على هذه الأعمال المجيدة والتضحيات المؤلمة جدا.
بصفتكم مختصا في القضية الفلسطينية، ما قراءتك لمستقبل الحراك الشعبي ضد الاحتلال في ضوء المواجهات التي تشهدها الأراضي المحتلة؟
- لا يمكنني أن أكون متفائلا في سياق متشائم، لكن ما استطيع أن أقول هو أن الشعب الفلسطيني عبر عن أنه مازال حيا وقادرا على المقاومة ويملك أوراقا. صحيح أن هذه الأوراق يمنحها من لحمه ودمه وجلده وعظمه ومن فقدان أطفاله وثكل أمهاته ومعاناة الآباء، ولكن هذه الأوراق على ثمنها الغالي والباهظ جدا لا زالت فاعلة، وهي تزعج الكيان الصهيوني وتربكه، كما أن هذه الأوراق تخيفه وتضطره إلى التراجع ولو تكتيكيا عن محاولات هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل، والإضرار بالاقتصاد الإسرائيلي لدرجة أن الخسائر سجلت خمس مليار دولار على الاقتصاد الصهيوني في أقل من ثلاثة أسابيع. أكثر من مئة عملية طعن وأكثر من 15 عملية دهس أكثر من 1200 عملية رشق بالحجارة. صحيح أن الشهداء بالمقابل والجرحى كثر، وخصوصا من الأطفال والقصر، مع معاناة الأسر وهدم البيوت وتطويق الساحات وحظر التجول. إنه ثمن باهظ، لكن عبر الشعب الفلسطيني عن قدرته على المقاومة بلا شيء من أجل كل شيء.
في حين لا أستطيع خارج الشعب الفلسطيني أن أكون متفائلا بأي عنصر آخر، لا العنصر الدولي المتواطئ والمنبطح جدا جدا، الخائن للقضية، أولها تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما الساقط أخلاقيا قبل أن نقول سياسيا، عندما لقي سيده نتنياهو فكان جوابه: لا يحق للشعب الفلسطيني أن يروع الشعب الإسرائيلي ويحق للشعب الإسرائيلي أن يدافع عن نفسه ودفاعه مشروع.
كيف ترى دعم الدول العربية والإسلامية للقضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة؟
- إذا نظرنا فقط على مستوى التصريحات والخطابات دون الحديث عن النوايا والأفعال، فإن سقف الخطاب العربي انخفض جدا جدا، ليس اليوم، بسبب الأحداث الخطيرة والمؤلمة في القدس، وإنما منذ الحرب الأخيرة سنة 2014 على غزة، والتي رأينا أن أعلى سقف في التنديد بها كان هو الموقف الملكي الرسمي بالمغرب، والذي لم يكن في السنوات والأحداث السابقة هو السقف الأعلى، في حين اليوم صار أعلى سقف هو البيان الذي أصدره الديوان الملكي منددا بهذه الحرب وواصفا إياها بأنها حرب ظالمة وغير مبررة وداعما الشعب الفلسطيني بخمسة ملايين دولار. في حين نجد اليوم أن هناك صمتا يدل على التواطؤ، ولا يدل فقط على الجبن والعجز. ثم هناك المكافأة لإسرائيل حيث إذ صوتت لصالحها، ولأول مرة دول عربية حين تقدمها بطلب العضوية في إحدى الهيئات الأممية، في حين امتنعت دول عربية أخرى وصوتت أخرى ضد القرار بنوع من الخجل والارتباك في عز الاعتداء على الفلسطينيين والتنكيل بهم، والعبارة لناعوم تشومسكي. لقد أصبحت بعض الأنظمة العربية تدعم وجود إسرائيل شرعيا في المحافل الدولية الأممية.
هل أثرت ثورات الربيع العربي وتداعياته في المنطقة على الدعم والتضامن مع فلسطين؟
- في البداية أثرت هذه الأحداث إيجابا، لأنها أعطت للشعب الفلسطيني أملا في أن الشعوب العربية في طريقها إلى التحرر من أنظمتها التي هي أسوأ من إسرائيل. وفي هذا الإطار كان من الممكن لهذه الشعوب أن تتكلم لغة أخرى مع العدو الصهيوني. والدليل على هذا ما حكاه لي شخصيا أحد أئمة المسجد الأقصى، قال لي: إنه في السنة الأولى من الربيع العربي كان اليهود يعاملوننا باحترام شديد بل يتوددون إلينا، وبدأنا نرى منهم سلوكا آخرا لم نعهده منهم منذ 70 عاما، بسبب ما كانوا يتوقعون من أن مد الربيع العربي سيصل إليهم بشيء من التأثير والضغط. لقد لاحظنا ما حصل للسفارة الإسرائيلية في القاهرة، ولاحظنا كيف تم استقبال خالد مشعل في تونس، وشعارات: "الشعب يريد تحرير فلسطين"، ورأينا في ظل انهيار نظام مبارك زيارة كل من أمير قطر السابق والرئيس التركي لقطاع غزة، وما كانا يحلمان بهذه الزيارة أبدا. ثم جاء بعد ذلك الخريف الذي كان تآمرا على الربيع وانقلابا عليه، فإذا بإسرائيل تصبح مرتاحة وسعيدة جدا وسيدة ومطمئنة. واليوم يشد أزرها النظام المصري الانقلابي الذي يشدد الخناق على غزة عقابا لها على جهادها ضد إسرائيل، بل ولا يتورع عن أن يتهم الحاكم السابق بأنه عميل لحماس. النظام المصري يفخر بالتنسيق مع إسرائيل، وهي لا تستحيي من وصفه بالأوصاف التي لم تصف بها حتى حسني مبارك.
النظام السوري يتآكل ويتفتت وينهار ويقتل شعبه، في حين أن النظام الأردني لا يستطيع أن يحرك ساكنا منذ تقييده بقيد سموه وادي عربة، والأنظمة الخليجية جعلت أولويتها محاربة جماعة الإخوان المسلمين وليس محاربة إسرائيل. في ظل هذا الوضع لا يمكن أن أتصور الخريف العربي المنقلب على الربيع العربي إلا وبالا وعبئا على القضية الفلسطينية ومزيدا من العزلة لها.
بالمقابل ينبغي أن ننظر إلى جزء من هذا المسار على ضوء ما سبقتنا إليه دول أمريكا اللاتينية منذ نصف قرن إذ عرفت ربيعها، الذي نكسه الأمريكيون خريفا، ثم كان ربيع ثان ثم خريف، ثم ربيع ثالث. وفي كل مرة كانت نسبة الخريف تتراجع بالنسبة للربيع الذي يتقدم. وأملي أن يعيد التاريخ نفسه ولكن ليس بنفس الإيقاع، بل بإيقاع أسرع، فوتيرة الزمان تتحرك حسب التفاعل والقوة البشرية والاجتماعية ودرجة الوعي والتواصل والتكنولوجيا الحديثة والمستوى الثقافي للشعوب. أتصور أننا نمر من نفس ما مرت منه أمريكا اللاتينية لكن بإيقاع أسرع، فلن يأخذ الأمر نصف قرن، وقد يأخذ أقل من ربع قرن بحيث تتوالى موجات الربيع العربي التي تزيد إسرائيل رعبا ثم الخريف الذي يردها إلى غرورها القديم، ثم الربيع الذي يأتي عليها فتطامن من رأسها.
رحم الله علي عزت بيغوفيتش الذي تنبأ قبل أكثر من أربعين عاما في كتابه "البيان الإسلامي" بأن قضية فلسطين ليست هي قضية الفلسطينيين بقدر ما هي قضية أحوال الأمة العربية والإسلامية من حولها. فإذا تحسنت هذه الأحوال، تحسنت قدرة الشعب الفلسطيني على المقاومة والصمود، وإذا ساءت هذه الأحوال ساءت قدرة الشعب الفلسطيني على المقاومة والصمود.
تعد القضية الفلسطينية في المغرب قضية وطنية ومحط إجماع القوى السياسية والمدنية، هل مازالت كذلك؟
- لا زالت ولله الحمد نقطة إجماع. فالمطبعون المغاربة والمخدوعون بالعدو الصهيوني والموالون له والخونة مازالوا قلة قليلة، وإن كانت للأسف متنفذة، وبعضهم في مواقع تمكين أعلى، سياسيا أو ماليا أو إعلاميا، لكنهم لم يعودوا يجرؤون بعد انكشاف الوجه القبيح لإسرائيل ما بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية واغتيال عرفات إلى اليوم، على أن يسوقوا خطابهم للعلن، وإن كانوا مستمرين في تطبيعهم الثقافي والرياضي والفني والاقتصادي والسياحي، تحت مسميات ليس أقلها بعض المهرجانات لما يسمى بالموسيقى الروحية!؟، ولكن هؤلاء لا يمثلون في النخب ولا في الجماهير شيئا، بالمقابل الجماهير كلها على إجماع، حتى الدولة نفسها والموقف الرسمي، فهو لا يملك إلا أن يكون موقف إدانة واستنكار لما يقع للشعب الفلسطيني من تنكيل وما تمارسه إسرائيل من غطرسة وغرور.
المشكل ليس في الإجماع ولكن في ممارسة هذا الإجماع، لأن وتيرة التضامن ضعفت والحماس تراجع. هنا الفعل توقف، بحيث أكاد أزعم أنه باستثناء بعض فصائل الحركة الإسلامية لم تعد النخب التي كانت تتسابق لإبراز ولائها للقضية الفلسطينية ودعمها وتنظيم الأنشطة لها، تتحمس لذلك. ولم نعد نرى لهذه النخب السياسية والإعلامية والنقابية أثرا يذكر في محافل دعم فلسطين.
** المغاربة دائما سباقون في تنظيم المسيرات الحاشدة تضامنا مع الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، لكن يلاحظ في الآونة الأخير تراجع أعداد المشاركين في هذه المسيرات، بما تفسر ذلك؟
- الأمور نسبيا مازالت في وضع مستقر، ومسيرة يوم الأحد 29 أكتوبر الماضي، على تراجع أعداد المشاركين فيها حجما وتنظيما وحماسة بالمقارنة مع المسيرات المليونية السابقة، مازالت بالنسبة للمحيط العربي هي الأقوى. فلم نر في أي بلد عربي مسيرة تضاهي هذه المسيرة. مازال المغرب في الصدارة. صحيح أننا نعيش جوا من الجزر والتراجع وفقدان الحماس ومن الفتور تجاه القضية، ولكن في ظل هذا الجو مازال المغاربة في الطليعة، وحتى "خذلانهم" هو أقل بكثير من خذلان الآخرين.
والمفارقة هي أن الشعب المغربي يوجد في أبعد نقطة جغرافيا من المسجد الأقصى، ومع ذلك فإنه الأقرب إلى قلب الفلسطينيين، بل وإلى عيونهم وأفئدتهم. وهذا مصدر فخر واعتزاز، وهي مرتبة تلزم المغاربة خصوصا وأن لهم أوقافا وحارة وتاريخا هناك، بالإضافة إلى أن المغرب يتسلم مسؤولية جسيمة منذ أزيد من ربع قرن وهي مسؤولية رئاسة لجنة القدس.
** أنت عضو في البرلمان، أكيد تابعت دعوات تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني وتبنت فيه 5 فرق برلمانية مقترح مشروع قانون تقدمت به هيئات مدنية، أين وصل هذا المقترح؟
- هذا المقترح يراوح مكانه، لأنه تأكد أن بعض الفرق البرلمانية تبنته من باب المزايدة، فأول ما بدأ المقترح يأخذ مساره الروتيني ويتتبع دوائر المسطرة دائرة دائرة، قامت بعض هذه الفرق بسحب دعمها للقانون، وسمعنا في وسائل الإعلام أن جهات أمريكية رسمية تهدد المغرب بلغة مبطنة إذا ما تبنى برلمانه هذا القرار، مشيرة إلى أن المغرب قد يعيش عزلة سياسية واقتصادية ودبلوماسية. والمفارقة أن دستور 2011 ينص على إشراك الشعب والمجتمع المدني بالخصوص في التشريع "ينتظر الجميع القانون المنظم لآليات هذا الإشراك"، لكن أول مبادرة للمجتمع المدني، ونظرا للحساسية الشديدة للموضوع الذي تتبناه، تم النكوص عنها للأسف الشديد. لكننا نعتبر القضية معلقة وليست لاغية.
ما هي المخاطر التي يشكلها التطبيع على المغرب كدولة ومجتمع؟
كتبت قبل أكثر من 15 سنة سلسلة مطولة من 70 حلقة في جريدة "التجديد" تحت عنوان: التطبيع إبادة حضارية، ولامني البعض على أنني شخص يبالغ وأن هذه العبارة فيها شيء من التهور. لكن يوما بعد يوما يثبت أن التطبيع هو أشد من إبادة حضارية، لأن التطبيع الإسرائيلي جاوز تخريب الزراعة والصناعة والسياحة والبيئة والشواطئ في مصر أولا ثم باقي الدول كتونس، كما جاوز التخريب الاقتصادي بترويج الدولارات المزيفة والتخريب الاجتماعي بترويج الكوكايين الذي يأتي به الحاخامات مخبأ في حقائبهم الدينية، وجاوز الاختراق الأمني وقد صرح الرئيس السابق للمخابرات الإسرائيلية بأن "لنا جيشا مكونا من الآلاف من العملاء في شبكات ممتدة، في ليبيا وتونس والجزائر، وخاصة المغرب، جاهزة للقيام بأي عمل تخريبي كلما طلبنا منها ذلك".
الأمر جاوز كل هذا إلى اختراق العقول وإلى استضباع هذه العقول وإلى محاولة صبغ نظرة هذه العقول للأشكال بالمنظور الصهيوني المحض. اليوم عندنا في دول الخليج صحفيون لامعون طالبت تسيبي ليفني بأن يحصلوا على الجنسية الإسرائيلية الفخرية، مكافأة لهم على المقالات التي كتبوها في حرب 2008/2009. وهناك اليوم كتاب عرب تترجم إسرائيل مقالاتهم وتنشرها في الصفحة الأولى لموقعها الإلكتروني الرسمي التابع لوزارة الثقافة، لأنها تتبنى الموقف الإسرائيلي. وعندنا أناس يكرهون حماس أكثر مما يكرهون نتنياهو. وقد أشرت في كتابي الأخير "أفهم القضية الفلسطينية ليكون لي موقف"، أن ما كان يكتبه نتنياهو وشمعون بيريز في كتبهم، "أذكر هذه الكتب بالتحديد حتى لا يقال إني أقول الكلام جزافا، نتنياهو له كتاب "استئصال الإرهاب" و"مكان بين الأمم إسرائيل تحت الشمس"، وبيريز له كتاب "الشرق الأوسط الجديد" و"معركة السلام""، في هذه الكتب الأربعة التي اطلعت عليها عدا غيرها ممن لم أطلع عليه، كان شمعون بيريز ونتنياهو -والمفارقة أن أحدهما كان في اليسار والآخر في اليمين- يتبنيان نفس المنظور وهو أن الخطر على العالم ليس هو إسرائيل ولا أمريكا ولا الصهيونية ولا الفقر ولا العولمة ولا اللبرالية المتوحشة وإنما هو الإرهاب والإرهاب الإسلامي بالتحديد. هذا الكلام اللذان كانا يقولانه هما والمتطرفون الصهاينة معزولين وتقابله موجة استنكار من المثقفين الأمريكيين والأوروبيين والعرب والمسلمين، هذا الكلام بعد 15 سنة صار هو الكلام الرسمي المتبنى من العالم كله، ومن أجله صنعت داعش وصرنا اليوم نقرأ لكاتب خليجي في صحيفة حكومية أو لكاتب مصري في جريدة رسمية كلاما أشد وأنكى من كلام شمعون بيريز ونتنياهو فيما يتعلق بخطاب الإرهاب الإسلامي والمقصود المقاومة وبالخصوص حركة حماس.
برأيكم هل ما زالت القضية الفسلطينية حية في نفوس المغاربة؟
هي مثلها مثل كل القضايا الكبرى والحيوية، كقضية الحرية والديمقراطية والكرامة والهوية، يمكن أن تعيش لحظة كمون بسبب موجة من الغفلة أو حملة إعلامية، أو بسبب دورة سياسية مثل الخريف العربي الذي نعيشه اليوم، فيغتر المغترون ويظنون أن الأمر قد حسم، وأن الجماهير قد تم صرفها عن خطها بشياطينهم الإعلامية والسياسية والثقافية. لكن بعدها تأتي هبات تبين أن حالة الكمون هذه خادعة وأن اشد اللحظات هدوءا هو ما يسبق العاصفة.
كان بنعلي يتصور أنه قد علمن تونس وقضى على المعارضة وأنسى الناس شيئا اسمه النهضة وأنه سيحكم إلى قيام الساعة، فإذا به في لحظة أحرق فيها البوعزيزي نفسه كشف الشعب التونسي عن وجهه، شعب عربي إسلامي فلسطيني أصيل، مدافعا عن الهوية جنبا إلى جنب مع الديمقراطية والحداثة والحرية والكرامة. ولهذا أظن أن فلسطين وقضيتها والولاء لها والتعاطف مع قضيتها ليس استثناء من هذه القضايا الحضارية الحارقة المتجذرة في رحم الإنسان وعقله وفطرته ووعيه ووجدانه وأحلامه، وفي نظرته للمستقل. فهي تسكن مستقبله، لكنها قد تكون في لحظة كمون. يمكن أن تكون القضية الفلسطينية تعيش هذه اللحظة ولكننا قد نرى بعد مدة قصيرة عجبا.
ولعل تباشير التفاعل في هذا الجسد الذي ظن أنه مشلول أو ميت، مع ما يحصل في القدس وما يقدمه الفلسطينيون من تضحيات، لعل هذه التباشير تظهر في الأنشطة المكثفة التي بدأنا نراها هنا وهناك بطول وعرض وطول الوطن العربي والإسلامي والمغربي.
منذ سنوات وأشكال دعم وتضامن المغاربة مع الفلسطينيين ما زالت كما هي ولم تتطور، لماذا في نظركم هذا الجمود؟
- الأمر لا يتعلق بالجمود، إنها طبيعة الأشياء، والشعوب في نضالاتها لا تستطيع أن تستعمل إلا الأدوات المتاحة لها واللصيقة بها، وكذلك الجيوش وكذلك الحكام والشركات العملاقة والنخب السياسية والنقابات، كل واحد يستعمل ما يملك من خبرات وأدوات ومواقع وعلاقات ليتحرك في اي قضية من القضايا. وفلسطين من ضمن هذه القضايا. ماذا يملك الشعب غير الدعاء والتظاهر وكل هذه الأشكال الرمزية والمعنوية للدعم؟ ماذا يملك غير بعض التبرعات الخجولة التي تصل عبر طرق ملتوية هنا أو هناك؟ معنى هذا أن الإشكال ليس في أننا كما قلت نجمد على أشكال فهذا ليس دقيقا، ولكن نبقى أوفياء للأشكال التي تليق بنا. هل نتصور أن الشعب المغربي سيؤدي وظيفة الجيوش العربية؟ أم أن الجماهير ستؤدي وظيفة الدبلوماسية الرسمية؟ أم أن المجتمع المدني سيكون له موقف ينوب فيه عن الحاكم؟ مستحيل!.
إن الذي يذهب ممثلا لأي بلد عربي للأمم المتحدة ليرفع يده بالتصويت في مجلس الأمن أو الجمعية العمومية، هو المنتدب من الدبلوماسية الرسمية، وبالتالي كل محاولة تجاوز الوسائل الممكنة والمتاحة والطبيعية والخروج منها إلى وسائل هي مرتبطة بجهات وخط آخر وتملكها جهات أخص، هو عملية خلط أوراق حقيقية مثل الذي يمارس اليوم الإرهاب ويسميه جهادا، لأن الذي يستطيع أن يقوم بالعمل المسلح هو الجيش. إذا لم يقم به الجيش سيصبح إرهابا بطبيعة الأشياء، قبلته أم رفضته وتفهمته أم لم تتفهمه.
ما المطلوب من أجل تحقيق دعم أكبر للشعب الفلسطيني الأعزل في قضيته ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم؟
- إن الجواب يأتي من عند الفلسطينيين، كلما لقيناهم في أي محفل دولي أو حتى اتصال هاتفي، إلا وأكدوا على المظاهرات والمسيرات التي يشكك الكثيرون في جدواها على اعتبار أنها ليست خبزا ولا رصاصا ولا دواء ولا قرارا، ولكن هم الذين يعرفون طبيعة قضيتهم والمكتوون بنار الاستعمار الإسرائيلي يطالبون بالاستمرار في هذه المظاهرات، ويقولون: لا يقتلنا شيء كالنسيان والخذلان، ولا يمكن أن يكون قرينة التواطؤ إلا الصمت. ولهذا كلما تحركت الشعوب ومارست هذا الأسلوب الذي يراه البعض متواضعا ومتراجعا وخجولا كلما دعمت القضية الفلسطينية.
أنا أذكر آخر مرة التقيت فيها بخالد مشعل في مؤتمر من المؤتمرات: أبدى امتنانه للمسيرة المليونية التي قام بها المغاربة، وشكر المغرب نظاما وحكومة وشعبا على هذه المسيرة. لكنه قال لي: حبذا لو أخذتم هذه المسيرة المليونية وقسمتموها إلى عشر مسيرات وجعلتم في كل شهر مسيرة ب100 ألف، فإن هذا يدعم القضية لكي تبقى متصلة وحية ونتفاعل نحن من الجهة الأخرى معها.
إذن فما علينا أن نفعله كشعوب هو أن نستمر في هذه النضالات وأن ندفع الآخرين إلى أن يقوموا بواجبهم الذي يليق بهم حسب الأدوات والاختصاصات والإمكانات المتاحة لهم.
شنت مجموعة من المنابر الإعلامية حملة ضد المسيرة التي شهدتها الدار البيضاء مؤخرا تضامنا مع فلسطين، واتهمت المنظمين بالتحريض على قتل اليهود المغاربة، كيف ترى هذه الخرجات والقراءات؟
- هذه عملية خلط ومزايدة لئيمة تعبر على أن العدو الصهيوني وعملاءه في الوطن وصلوا قمة الانحطاط الأخلاقي الذي ليس بعده انحطاط، وهو "ما يفوق الوقاحة" بتعبير (فرنكلين فلكنشتاين): أن تتهم متظاهرين سلميين متحضرين يقومون بعمل رمزي جدا، وهم مكلومون ومجروحون مما يتعرض له إخوانهم من تنكيل وما يتهدد مقدساتهم، أن تتهمهم بالتحريض على اليهود بسبب فلتات تقع في مثل هذه المظاهرات، يمارس اليهود أضعاف أضعافها في أي احتجاجات في الدنيا ولا يلتفت إليها تعجب هذه عملية ابتزاز من أجل التخويف والترهيب، وهذا إرهاب نفسي وفكري . إنه إرهاب يستهدف إلى تخويف الإنسان ونزعه من موقعه الطبيعي كإنسان، يغضب ويألم ويتعاطف، وهو يفقد آدميته إذا لم يقم بهذه الأعمال العاطفية، ولم يتلبس بهذه الأحوال الشعورية. ونزعه منها وتخويفه وإرهابه تحت طائلة تهديده بأنه يمارس أفعالا يمكن أن تؤدي إلى قتل اليهود المغاربة، هو عين الوقاحة والبهتان.
هل يعقل أن يتظاهر المغاربة ضد إسرائيل، فيستهدفون بذلك المغربي اليهودي الشريف الذي بقي في المغرب ولم يذهب ليساهم في احتلال فلسطين؟ إن كان في الدنيا يهودي شريف جدا، فهو اليهودي الذي بقي في مكانه وبقي وفيا لبلاده ومعتزا بجنسيته ومتمتعا بحقوقه في زمن اليهود مدللون فيه في العالم كله، ولا يجرؤ أحد على أن يمس منهم قيد شعرة.
ولكن إسرائيل تعيش على الخوف ككل الأنظمة الاستبدادية، وحالات الشذوذ السياسي، ولذلك تصنع الخوف وتستهدف به اليهود في العالم لكي تسوقهم سوقا إلى إسرائيل.
هذا الإرهاب له هدفان: ترهيب المتظاهرين وكل من يتفاعل مع القضية الفلسطينية، وبالمقابل محاولة تخويف بقية اليهود المغاربة الذين لا يتجاوز عددهم ثلاثة آلاف، لكي يذهبوا إلى إسرائيل وينضموا إلى اليهود المغاربة الذين سبقوهم ليمارسوا فعل الغصب والاعتداء والتنكيل بالشعب الفلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.